مع انبلاج فجر السادس من شهر اغسطس 2008 رأس موريتانيا الجديدة النور، وتم التأسيس لعهد جديد وسيلته وغايته الانسان الموريتاني الذي ظل محروما من خيرات بلده لأكثر من نصف قرن هو عمر الدولة التي استقلت عن الاستعمار الفرنسي لكنها رضخت لاستعمار داخلي من قبل ثلة من ابنائها
الذين تقاسموا الثروات والمنافع وتركوا الشعب المسكين، الذي عانى موجات الجفاف، يتكدس في بيوت الصفيح وينتظر خدمات عمومية يبدو أن قرارا رسميا تم اتخاذه بعدم وصولها إلى إشعار جديد.
تأخر الإشعار، لكنه جاء على يد الرئيس محمد ولد عبد العزيز، متضمنا توفير خدمات الدولة من صحة وتعليم وماء وكهرباء وطرق وأراضي صالحة للسكن ومشاريع عملاقة... للمواطن الفقير المحروم من خيرات بلده على مدى عقود.
كانت عائدات الفساد، الذي أطلق عليه الرئيس الجديد حربا شعواء، تكفي ليذوق الفقراء طعم الانتماء لوطنهم، فقد عادت المليارات لخزينة الدولة، وبقيت فيها مليارات أخرى كانت مشروع نهب منظم من قبل أباطرة الفساد لولا صرامة لجْمهم عن التلاعب بالمال العمومي، وبذلك امتلأت خزائن الدولة في ظل الأزمات الاقتصادية التي اجتاحت دول العالم، فتم إطلاق المشاريع العملاقة بتمويل حكومي خالص لا منة فيه لطرف خارجي من حكومات وصناديق تمنح القروض الربوية والهبات المشروطة.
لقد انعكس الاعتماد على الذات في تمويل مشاريع الدولة على سيادة القرار الرسمي، فتم تدمير سفارة الكيان الصهيوني وطردت بعثته الدبلوماسية في وضح النهار، ودونما خوف أو وجل من هذا الطرف أو ذاك.
وتولت موريتانيا الجديدة أول رئاسة للاتحاد الإفريقي منذ عهد الرئيس الراحل المختار ولد داداه، الذي تم تكريمه بتسمية أحد أهم شوارع العاصمة، وأسندت إلى نجله وظيفة دبلوماسية سامية في سفارة موريتانيا بواشنطن.
وفي المجال الدبلوماسي دائما؛ احتلت موريتانيا الصدارة في العديد من الوظائف الأممية السامية، بعد أن ظلت ما بعد حكم الرئيس المختار ولد داداه نكرة تابعة يجهلها ويتجاهلها القريب والبعيد.
إن موريتانيا الجديدة باتت متصالحة مع ذاتها، بعد تسوية ملف المبعدين الزنوج وسن القوانين المجرمة للعبودية التي أصبحت تتوفر على محاكم خاصة ليس في نواكشوط فحسب وإنما محاكم جهوية تراقب وترصد وتعاقب، كما تولت الجمهورية الجديدة كتابة تاريخها الصحيح بأيدي أقلامها الحرة، لا بأيدي مؤرخي الاستعمار وأذنابهم، الذين اعتمدوا تزوير التاريخ وإنكار بطولات المقاومة التي أجبرت الاحتلال الفرنسي على الرحيل.
صحيح أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز قد أدى ما عليه دستوريا حينما أعلن عدم نيته الترشح لمأمورية ثالثة، لكن ما الذي عمله الآخرون مما عليهم، حينما يرون مكتسباتهم معرضة للتلف بعد رحيله؟
فالغريب في لحظة إعلان الرئيس في اختتام الحوار الوطني الشامل ليس احترام الرئيس للدستور، وإنما الغريب أن يصفق من منحهم الثقة وأوكل إليهم مهمة تطبيق برنامجه الانتخابي لرحيل الرئيس، وكأنهم لا يشعرون بثقل الأمانة التي ينتظر الشعب استكمالها على يد من بدأها أول مرة.
والغريب أيضا أن المتحاورين تركوا الشعب يواجه فشلهم في فرض صيانة المكتسبات وتنازلوا عن تفويضه لهم باتخاذ القرار المناسب بالمضي في سبيل تعزيز وتقوية الجمهورية الثانية من خلال التمسك بربانها المتمثل في الرئيس المؤسس محمد ولد عبد العزيز.
إن احتفال المعارضة بخروج ولد عبد العزيز من القصر الرئاسي بعد انتهاء مأموريته الحالية، وتصفيق الأغلبية على إعلان القرار، وحتى القرار نفسه.. كل ذلك يبقى مستحيلا ما لم ينل تزكية من الشعب الذي هو مصدر كافة السلطات، وهو من سيقرر في النهاية ما إذا كان خروج ولد عبد العزيز من السلطة يشكل خطرا على سفينة الجمهورية الثالثة أم لا.
فإذا رأى الشعب أن عدم ترشح الرئيس لمأمورية ثالثة يضر بمكتسباته التي حققتها مأموريتاه السابقتان، فلا أحد بإمكانه منع الشعب من اتخاذ قرار لا رجعة فيه بفرض بقاء الرئيس في السلطة ما لم ترْسُو سفينة الإصلاح على بر الأمان.