يبدو أن الذهب بدأ في اللمعان من جديد، ويبدو أن شد الرحال إليه بدأ من مكطع لحجار مبكرا، هذا ما أكده الزحام المحموم هذه الأيام على اقتناء الأجهزة الكاشفة، غير أن القادرين على شراء هذه الأجهزة أو حتى الذين يحق لهم البحث عنها هم ثلة قليلة ممن يحسبون أنفسهم أولياء للذهب دون الناس
بنفس العقلية القديمة التي تحدد الثلةَ صاحبة الحظوة ومقدَّم سفينة المجتمع، تلك العقلية البائدة والتي بلا ريب لم يعد الزمن مستقرا لها ولا هي بنتا شرعية له، إنها عقلية الإقصاء وتجاوز السواد الأعظم والاكتفاء ب "الأطر" و"الضمان" لكي يعْبُر الواحد إلى مدفن الذهب، إن شباب مكطع لحجار شب عن الطوق ولم يعد تلك القافلة الوديعة التي يقودها زمام واحد، ظهر ذلك في المبادرات الشبابية التي بدأت تنبت هنا وهناك على ذلك الأديم القاحل بفعل هوج أمطار الغباء والاستعلاء والتجاوز يغذيها فضاء مفتوح وانعدام إطار يجد فيه هذا الشباب وغيره ذواته وتطلعاته، والأدهى من ذلك أن هذه المبادرات أخذت تقتات من جسم المجتمع وتماسكه مسببة خروقا يصعب رتقها ويحز في النفس اتساعها في هذا الظرف بالذات،، إن عرض هؤلاء أنفسهم على الناس كخيار لا محيد عنه بهذه الطريقة الاستعراضية الانتقائية لا يخدم وحدة المجتمع ولا تماسكه ولا حتى مشاريعهم هم أنفسهم، فمرشح يعرف نسبة مجتمعه في المقاطعة ويعرف أنه يبحث عن حق لمجتمع وأن هذا المجتمع لن يحصل على ما يراه حقا له إلا بالتضامن والوحدة، كان عليه أن يعمل في مستهل البحث عن الحق المطلوب على ما يقوي لحمة المجتمع ويذيب صخور الجليد الجاثمة على النفوس بفعل انعدام العدالة في توزيع هذه المناصب داخل المجموعة أصلا وبفعل خيبة أمل السواد الأعظم من الناس في المنتخبين وفي من يسموْن ب"الأطر" و"الضمان" وذلك بالنزول إلى الناس ومنحهم الثقة والاعتبار والابتعاد عن الاستعراضات التقليدية التي لن تزيد الناس إلا سخطا وابتعادا عن منتهجيها، إن الانتقائية في الدعوات والطلبات لم تعد هي أفضل وسيلة لكسب الرهان، فالناس لم تعد تقبل بأن تكون سلالم لمن يطؤها وهو لا يشعر بذلك، والناس لم تعد تقبل بعشوائية توزيع هذه المناصب واقتصارها على من يحسبون أنفسهم أولياء لها من دون الناس، والناس لم تعد تلك الناس التي يقودها وجيه أو إطار أو ضامن، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فمنتخبو المرحلة القادمة منتخبون من نوع خاص هذا ما ينبغي أن تعيه كل أذن واعية، فمنتخبو المرحلة القادمة قسمان:
منتخبون للجمعية الوطنية وهم ما سيشكلون البرلمان بغرفته الوحيدة، وهذا البرلمان والذي يصر ولد عبد العزيز على تجديده سنة قبل انقضاء مأموريته "الأخيرة" هو ما سيمرر من خلاله سياساته في المرحلة القادمة، وعليه فإنه سيكون برلمانا من نوع خاص ولن يكون فيه عن الحزب الحاكم إلا من يرتضيه ولد عبد العزيز ويثق فيه، وما أظن أطر مكطع لحجار بصفة عامة والطافين منهم على السطح هذه الأيام بصفة خاصة فيهم من يثق به ولد عبد العزيز، اللهم إلا إذا كان ولد أجاي.
منتخبون للمجالس المحلية وهؤلاء المنتخبون سيكونون بنكهة خاصة هذه المرة وذلك لأنهم سيشكلون نواة ما سيعرف بالمجالس الجهوية، فدورهم لم يعد مقتصرا على بلدياتهم ولا حتى على بلديات المقاطعة، بل سيتجاوز ذلك إلى المستوى الجهوي مما سيجعل العقلاء يعيدون النظر في تشكلة مجالسهم البلدية لتكون على مستوى المنافسة.
كل هذه الأمور تجعل التهيؤ للانتخابات القادمة ينبغي أن يكون غير تقليدي بالمرة، ينبغي أن يمر بالقاعدة قبل القمة، ينبغي أن يمر بالعقل قبل العاطفة، وبالمصلحة العامة قبل الخاصة، على الذين يتهيأون اليوم لخوض ذلك الغمار أن يكونوا شعبيين أكثر منهم نخبويين، وعليهم أن يتذكروا أخيرا قول الشاعر:
نحن في المشتاة ندعو الجفلى () لا ترى الآدب فينا ينتقرْ