يمكن بناء الوحدة الوطنيّة بشكل صحيح في أيّ بلد كان؛ إلاّ إذا توفّرت الإرادة القوّية الصّادقة من جميع مكوّنات ذلك الوطن، لكي نبني الوحدة الوطنية الصحيحة في موريتانيا أيضا فلاّ بدّ أن تتوفّر لدينا تلك الإرادة القويّة الصّادقة، ولا سيّما من جانب أصحاب القرار. الوحدة الوطنية لا تتمّ بالأقوال
والخطابات الرنّانة داخل الأحزاب السياسية وبين السياسيين، أو على مستوى المثقّفين فحسب؛ وإنّما بالأفعال وداخل مؤسّسات الوطنية كلّها وعلى مستوى المجتمع برمّته. لا بدّ أن تبدأ بالأسر بكونها أصغر وحدات في المجتمع، وبصفتها أولى مؤسّسات التنشئة الاجتماعية، ويتمّ ذلك عن طريق التمازج عبر تكوين نوادي اجتماعية بإشراف من الدولة وتكون عضويّتها متاحة لجميع فئات المجتمع، ليتسنّى للأطفال الصّغار من مختلف الشرائح (الأعراق المختلفة) التواصل والاختلاط واللعب مع بعضهم قبل مرحلة المدرسية. كما يمكن أن تبدأ تلك الخطوة عن طريق رياض الأطفال، صحيح سيتّخذ البعض تعدّد الّلغات واختلاف العادات ذريعة لعدم إمكانية ذلك، بحجّة أنّ ذلك لن يكون في صالح الأقلّيات لأنّ الأطفال سيتعلّمون اللّغة السائدة في المجتمع فقط. ولكن إذا وُضع ذلك التّعدّد والاختلاف البسيط في العادات في عين الاعتبار أثناء التخطيط سيسهل التّغلّب عليه.
اتّخاذ زيّ مدرسيّ موحّد طَوال مرحلة الابتدائيّة في المدارس الحكومية والحرّة على حدّ سواء، مع محاولة تضييق نطاق المدارس الحرّة بتحسين جودة التعليم الحكومي من خلال تكوين الجيّد للمعلّم وتحفيزه، مثل زيادة راتبه وإعطائه بعض الامتيازات الاجتماعية والتسهيلات الإدارية؛ ليقوم بواجبه الوطني عن رضى وطيب نفس وليس مجبرا بمزاولة عملية التعليم وهو لها كاره. أعتقد أنّ المعلّم إذا وفّرت له الدولة حاجيّاته الأساسيّة بشكل مرضي، و وجد اهتماما وتقديرا من المجتمع؛ سيقوم بدوره كمربّي ومعلّم، ويغرس قيم المواطنة والوحدة الوطنية في النشء كما ينبغي أو كما خُطّط له على الأقلّ.
انتهاج منهج التجنيد الإجباري أو ما يسمّى بالخدمة الوطنيّة، حيث يتمّ تجنيد كلّ مواطن يبلغ السّنّ القانوني في الجيش أو في الشرطة وما أشبه ذلك من مؤسّسات الدولة؛ لمدّة محدّدة يحدّدها المشرّع. إذ ثبت أنّ الخدمة الوطنية تعزّز الانتماء الوطني لدى المواطن، لأنّها تترك لديه انطباع أنّ دولته تعترف بوجوده كمواطن، وتدرك أهميّته كفرد، وقد تحتاج إليه في أيّ لحظة. أن تكون الكفاءة وحدها هي المعيار الوحيد لتولّي الشخص منصب ما في الدولة، بغضّ النظر عن عرقه ولونه وجنسه أو انتمائه الإقليمي، وليست الوساطة والمحسوبية كما هو الحال الآن. لأنّ المواطن إذا ضمن أنّ كفاءته العلمية تكفل له المشاركة في خدمة وطنه من خلال شغل المنصب الذي يستحقّه ولا يخاف الظلم أو التمييز ضدّه، سيبذل قصارى جهده لإثبات جدارته، وسيكون محبّا لوطنه ومواطنيه...
حسب رأيي المتواضع ما طرحته من النقاط؛ يساعد في بناء الوحدة الوطنية الصحيحة، ويعزّز الانتماء الوطني لدى المواطنين ويتكاتفون لبناء دولة قويّة ومحترمة في المنطقة.