كلمة الإصلاح مازالت تـتـرنح وتخـتـلف خطاها يمينا وشمالا تأفـفا وتأسـفا على رؤيتها للثوابت الدستورية الثابتة قدسيتها وحرمتها في قـلوب كثير من المواطنين وهي تساق إلى المشنـقة وقـلوب الموريتانيـين ترنوا إليها حزنا وكآبـة وكأن هذه القـلوب تساق إلى الموت معها ناظرة لها وهي تحصد أحبابها
وأعـز درب حياتها إلى نفسها من الاستـقلال وحتى الآن ،لا لذنب اقــترفته ولا لاعوجاج في مسيرتها ولا لشيخوخة أصابت حديقة وجهها ولا لتقصير في تحريك مشاعر المواطنين نحو الفرح والمسرة عـند رؤية طلعة هلالها ونجمتها الذهبـيـين ولا لخور وضعف الابتهاج والطرب والانفعال نحو الاستماتة في تـلبية الأمر بالمعروف وإنكـار المنكـر عـند سماع نغمات نشيدها الذي يخرج من القـلب ليدخل بقوة إلى قـلوب المستمعين لأنه مترجم لأوامر صادرة من العزيز الجبار المتكبر يا سبحان الله ما أعظم ما فعل بها .
بل إن هذا الحكم بالإعدام على هذه الثوابت بمجرد فكرة خطرت على قـلب السيد / رئيس الجمهورية لتـنسف وتمزق في طريقها قـلب المواطنين بعملية جراحية لا تخدير فيها ولا لأي مرض مكتـشف فنرجو من الله أن لا يرى ضرر ذلك في الدنيا ولا في الآخرة .
تـلك الثوابت التي ألفـت الشعب الموريتاني داخليا وخارجيا وألفها داعية إلي الخير واليمن والاستقامة ، ولكنها لمة شيطان غزي بها فكر الرئيس ساعة عدم التعوذ منه وعدم ذكر أنه لا يأمر إلا بالفحشاء والمنكر فنرجو أيضا أن لا يستمع بعد ذلك إلا للمة الملك الذي لا يأمر إلا بالخير.
السيد / الرئيس
إذا كان اقتحام هذين الرمزين الذين كانت هذه الأمة تعـتـز بهما وتعـتز بأن أوائلها بسبب أصالة الإيمان في قـلوبهم وبحثهم الدقيق عن كل ما يوحد هذه الأمة ولم يجدوا أكثر توحيدا ولا أشمل وأعـز اعتصاما لها من كل ما يمت إلى الإسلام بصلة ـ اخـتاروا هذا العلم الذي جمعوا فيه كل إشارة تدل على الإسلام وتفرق بينه وبـين غـيـره من جميع أعلام أهل الأديان والملحدين ، وكذلك اختاروا نشيدا لا يغـير موضوعه الزمن ولا يتـنـكر له المسلم أيا كانت لغـتـه أو لونه ، فلماذا لم تقارنوا بين الإشادة بالموريتانيـين وهم أموات ـ رحمهم الله ـ وبين مشاعـر الموريتانيـين وهم أحياء .
ومن هنا نـذكر المسلمين أنـنا مع الأسف قد تـنـبأ الرسول صلى الله عليه وسلم بصفة لنا على وجه الذم ونحن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أصبحنا أكثـر اتصافا بها ألا وهي: أنـنا سنـتـبع سنن الذين من قبـلنا شـبرا بشـبر الخ (وهي هنا تعظيم الأموات ) فالذين قـبـلنا يحملون الزهور ويجعلونها على أمواتهم ويـبنون عليها البناآت الضخمة، وعلماؤنا يعرفون أن آخر وصية للرسول صلى الله عليه وسلم وهو على فراش فراق الدنيا هو عدم البناء حتى عليه هو نفسه نهى أن يتخـذ قبره وثنا يعبد إلى آخره ويفهم من كل هذا أن كل من مات من المسلمين يترك بيـنه وبين ربه ـ لأننا نسمع دائما قول الله تعالى (( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزيه الجزاء الأوفى وأن إلى ربك المنتهى )) .
فالميت إذا كان عظيما عـند الله فإنه سيسيئه تعظيم الأحياء له لأنه يعلم أنهم لا يعرفون ماذا فعـل الله به ، وإذا كان غير عظيم عـند الله فإن الله يعذبه بتعظيم أهل الدنيا وتـقول له الملائكة ((ذق إنك أنت العـزيز الكريم )) فهم الآن مع ربهم لا يريدون الإشادة بهم عن طريق ما يقدمه لهم أهل الدنيا عن طريق أفكارهم الدنيوية ، ولكن السيد / الرئيس إذا كنـتم حقا تريدون ما يسعد أولـئـك الشهداء كما نـتـمنى لهم فهو أن يفعـل لهم بما اتفق عليه علماء المسلمين أنه يصل ثوابه إلى المؤمن ألا وهو الاستغـفار والصدقة فإذا أمرتم السيد / الرئيس كل واحد من الحزب الحاكم أن يستـغـفر لأولـئك الشهداء وفي نفس الوقت يخرج كل واحد منهم شيئا من ماله ويذهب به إلى أقرب قريب له فقيرا أو مسكينا لا يسأل الناس إلحافا ويتصدق عليه بذلك ناويا أجر ذلك لكل من مات وهو مسلم يقاتـل الاستعمار وكذلك تقوم الدولة وتصدر قرارا بخفض الأسعار إلى أقـل انخفاض ممكن ناوية الحكومة أن أجر هذا هو لأولئـك المجاهدين ، فإن ذلـك هو ما يدخل الله به السرور والنور والبشارة على قبور أولـئـك المجاهدين .
أما تعظيمهم بما يفرق كلمة المسلمين ويوقظ النعرة الجاهلية في قـلوبهم ويجعل بعضهم يلعن بعضا ولو في قرارة نفسه فهذا هو ما لم يرضى الله به وما لم يرضى الله فسوف لا يكون فيه نفع لا للأموات ولا للأحياء .
وقـبل أن نبتـعد عن المقارنة بين ما ينفع أموات المسلمين وما لا ينـفعهم فإنـنا سوف نقارن بـين الديمقراطية التي هي حكم الشعب لنفسه وهي التي تـقرب منها الشعوب الأوربـية ولا تطـبقهـا كما وكيفا لعجز الإنسان عن كمال العدالة وبـين ديمقراطية العالم الثالث .
إنه من المعلوم أن فكرة تغيـير بعض مواد الدستور لإزالة ما تضمنـته تـلك المواد جاءت من فكر الرئيس خاصة ولا يجوز لها فعليا ( وليس دستوريا) أن تجيء إلا من عـنده ولا ينبغي لها ذلك في هذه الديمقراطية .
وعـندما فكر السيد / الرئيس في هذا التغيـير أمر حزب الاتحاد من أجل الجمهورية أن يقدمه للحوار ومن مسلمات ديمقراطية العالم الثالث أن أي اقـتراح إذا جاء من طرف الرئيس فهو الصاروخ الذي لا توجد قوة لاعتراضه ، ومن المثبـتات لهذه المعلومة أن الرئيس كان هو نفسه وبصوته ، وتـكرره الإذاعة الرسمية يقول : لقد طلبنا من المعارضة أن تأتي للحوار ولياتوا بما عندهم فإن كان مقبولا عندنا قـبـلناه وإن كان غـير مقبول عندنا نقول لهم غـير مقبول .
وهذه الجمل كررها الرئيس عـدة مرات في الإذاعة ولم يتـفطن أنه إذا كان لا يقـبـل في الحوار إلا شيئا وافق عليه الرئيس وليست أغـلبـية أصوات المحاورين فلماذا الحوار إذن ؟ .
وهذا فعـلا هو ما وقع مع أن معارضة المنـتدى والتـكتـل لم تحضر ومعارضة المعاهدة التي حضرت لم تستـطع أن تـقـف في وجه كل النقاط التي جاء بها الاتحاد من أجل الجمهورية من عـند الرئيس مع أنهم رفضوا بعضها ولكن أيسمعون غـير مسمع .
فـقد سمعـنا أن بعضها وقع الاتفاق على تغيـيره مثـل إزالة مجلس الشيوخ والمجلس الأعلى الإسلامي ووسيط الدولة الخ وما لم يقع عليه الإجماع ولن يقع عليه ذهب تغـيـيره كالصاروخ مع المتـفق عليه ، ولو كانت الدولة تراعي المصلحة العامة وعدم إنفاق أي أوقية من ميزانية الدولة إلا فيما رصدت له لعلمت أن هذه التغـيـيرات عندما خرجت من فكر السيد /الرئيس فإن وجودها على الأوراق والاجتماع لمناقـشتها والاستـفـتاء عليها كل ذلك جهود ضائعة وإنفاق على تحصيل الحاصل ، فمرور هذه المخرجات على مجلس الوزراء مضيعة للوقت ، فهل استطاع أي وزير أن يعرب في مجلس الوزراء عن ما في نفسه من معارضته لتغـيـير العلم والنشيد وبعض أعضاء المجلس يعرف أن كـثيرا من المواطنين ضد تغيـيرهما ، وكذلك نفس الشيء بالنسبة للاستـفـتاء فإنه سوف لا يغير من الواقع شيئا، لأن حملة الدستور سوف تكون من الحزب الذي قدمه لحوار تحصيل الحاصل، والاسـتفـتاء في العالم الثالث مازال بمثابة هذا اقـتـراح الرئيس فصوتوا عليه.
وهنا أضيف تعـليقا لا لنسف الفكرة أعلاه ولكن قوله تعالى (( فإذا عزمت فتـوكل على الله )) بعد الاستـشارة لها مدلولها ويعرفه العلماء ، ولكن المصيبة الكبرى هي الوصول إلى الآخرة بأفكار أهل الدنيا مجردة عن مرورها بالمفهوم الإسلامي الصحيح .
ومن ما يـبعد العدالة من هذا الاستـفـتاء المرتـقب بعـد المشرق من المغرب هو أنه سيكون المستـفـتي عليه لائحة من ضمنها العلم والنـشيد ومعهما المواد المـتـفق على تغيـيرها ،
وذلك التغـيـير يمكن أن يكون له فائدة على الشعب لأن تـلك المؤسسات كان يصرف عليها من ميزانية الدولة بدون أي مردودية سوى أن بعض المواطنين يستـفيدون من راتبها ، أما العلم والنشيد فلم تـك تـنفق عليهما أوقيه واحدة .
وإذا كنا نريد عدالة معقولة فعلى لجنة الاستـفـتاء أن تجعل لائحة فيها تغـيـير العلم والنشيد وتغـيـير أسعار المواد الضرورية ليستـفيد من ذلك الفقراء ونقدم هذه اللائحة للاستـفـتاء فإن صادق عليها الشعب فإن محنة تغـيـير هذين الرمزين سيخفف من وطأة حزنها على المواطنيـن تخفيض الأسعار الضرورية وإن رفض الشعب اللائحة لشدة تمسكه بثوابته فيخفف ذلك عليه وطأة غلاء الأسعار ولا سيما أسعار البنزين المتعلق به سعر التـنـقـل الذي أهلك كثيرا من المواطنين .
فالفـقير لابد له أن يتحرك طلبا لرزقه والتحرك لا يكون إلا في آلة نـقـل التي أصبح تحركها بين أحياء المواطنين لابد له من سعر لا يطاق .
وخلاصة هذه المقالات المتعـلقة بكارثة تـغـيـير العلم والنـشيد الوطنين على أكثر المواطنين الموريتانيـين هو ما يلي :
1 ـ لاشك أن أكثر المواطنين هم ضد هذا التغـيـير ولو وافق عليه المتحاورون وأجازه الاستفتاء .
2 ـ إن البديل المقـترح ليس عليه الإجماع ويثير الشحناء بين فـئات المواطنين .
3 ـ كل العقلاء الموريتانيـين متـفـقون على أن هذين الرمزين كان عليهما اتفاق جميع شرائح الشعب الموريتاني وأن البديل لا اتفاق عليه .
4 ـ يمكن تخـليد جهاد أولئـك المجاهدين بكثير من المميزات ولا سيما في ولاياتهم عن طريق الدولة وبأمر منها وستــتـنافس الولايات على ذلك وسوف لا تبقي ولاية عن ذلك إلا قليلا ويكون ذلك أضمن للوحدة .
وعلى كل حال ومع الرضى بالقضاء فإنـنا نقول لأولئـك الرمزين الحبـيبـين :
لو نعطي الخيار لما افـتـرقنا ** ولكن لا خيار: مع هذا النوع من الديمقراطية وليسمح لي العروضيـين على طول عجز هذا البيت لأن العجز إذا جاء من كل الاتجاهات فالاستسلام أحســـــن
( مكرها أخاك لا بطل ).
وإذا كان الاستـفـتاء المرتـقب هو آخر رؤيتـنا وسماعـنا للرمزين الموريتانين الشهيدين فإنـنا نقول لهما بـتـلك المناسبة:
لا مرحبا بغـد ولا أهلا به ** إن كان تـفريق الأحبة في غـد
وعزاؤنا في ذلك تلك الآية الخالد معناها إلى يوم القيامة (( فستـذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ))