هذا الأمر يحتاج إلى تأليف بدل كتابة مقال؛ ولكن رغم ذلك سأسبر غوْرَ بعض نقاطه الهامة؛ سأامر عليه مر الكرام؛ فالتخومي أو الأنفة لدى مجتمعنا القديم (مجتمع البيظان القديم بالمفهوم الواسع) يتجلى ي بعض المواقف المشرفة والتي تحوي في طياتها الأنفة والطرافة ي آن واحد.
من ذلك ما يُحكى عن الأمير سيدي ولد حنن (آخر أمير عام لأولاد داوود) أنه في مجلسه المعروف بالهيبة كان أحد الأشخاص يحضر له شايا كثير الرغوة بالحسانية وعندما اجتهد في إعداده وقدم له كأسا كان يظن أنه أعده أتم الإعداد قال له : "إيلاه اماعين لعت اوفيت من جوغتك"، وهذا النوع من التخومي يخص الشراب وما شابهه فما بالك بمن يأكل : "شنكم، وبلبصتيك، واكريم اكلاص، وشوكولا الصغار، وتنكل ....
ومن ذلك أيضا ما يُحكى عن "ول ابنو" أنه كان جالسا مع بعض القوم وأرادو أكل ديك سبق وأن أعدوه وحضرت الوجبة فدعوه لها فقال " يخوتي هو اللا اطوير واحد طارو عنو اطيور! ما نعطوه احن حسن الجوار" فضحك القوم وتعجبوا منه، وتُحكى نفس القصة عن الأمير احمد الديد، ويحكى عنه أيضا أنه لما دُعي لأكل لحم كان قد أُعدَّ بليل أجاب قائلا : " أنا ماني بهنيس يوكل اللحم في الليل اللا لبهانيس" ويُعقلُ هذا لعمري لأنهم حينها لم يكن لديهم كهرباء ولا يليق أكل شيئ لا ينظر إليه.وهذا النوع الثاني يخص نوع الأكل المحمود لدى مجتمعنا التقليدي المحافظ، والمعروف بعدم النهم والشره في أكله، وله أخلاقيات معروة في ذلك.
ولن أنسى أن في النوع الثالث أيضا ما حدث في القريب (الثمانينات)؛ حيث جاء واشِ إلى البطل الراحل "جدو ولد السالك" ووجده يُحدث بأمر في شأن حكم الرئيس المؤسس المختار ولد داداه (رحم الله تعالى الجميع) فواصل جدو حديثه، ولم يلبث الواشي غير وقت قصير حتى ذهب، وهو معتاد أن يأتي إلى جدو للطمع فيه لكرمه المعروف، ولكن جليس جدو صرح بعد ذلك قائلا : "لماذا تُواصلُ كلامك يا جدو وقد أتاك واشِ معروف" فرد جدو قائلا : " يخوي ما انكدو انخلوه ماشي أيديه اطرايك" يعني إن لم يكن لدينا ما نعطيه فقد أعطيناه ما يشي به، وفي الحقيقة أن جدو لا يريد أن يخفي قولته: أنا "اتْنَومِيَ ماهو لاهي ايعود اعليهم راصْ خير" وهي نفس العبارة التي التقطها الواشي بدل طمعه، فأسرع ولم يلبث إلا القليل طمعا في نيل حصادها.
ومن هذا المجال أيضا ما حديث بين "الفقيه والقاضي الراحل "محفوظ ولد لمرابط" وهو حينها وزيرا، والرئيس السابق معاوية ولد سيدي احمد الطايع حينما سأله : "أنت انكالي عنك تنزل مرياص حك" فأجابه بكل أنفة وشموخ وترفع عن الكذب : "أيو اياك ما انكالك عني انقلبت فيها" فضحك الرئيس وتوقف عن استجوابه. وهذا النوع الثالث يتعلق بالتصرف الأخلاقي الجميل والترفع عن سفاسف الأمور التي تتمثل أساسا في الكذب والخداع والتحربل أمام الأعيان وذووا الشأن، إضافة إلى الكرم والإيثار ولو في أوقات الشدة والصعوبة
وإذن علينا نحن الجيل الصاعد والحاضر أن نستشعر هذا (التخومي) أو (الأنَفة) في حياتنا، رغم اختلاف الزمان والمكان وتغير الظروف ووجود الكثير من الصعوبات تقف عامل شد وجذب لنا عن ذلك.