انطلق ربيعنا الخاص يوم 3-4-2012 ونرجو من الله أن لا تكون كذبة ابريل، على الطريقة الفرنسية. وكان الجو على وجه العموم هادئا حضاريا، لولا أحداث القصر الرئاسي التي شوشت على الحدث، حيث قام أفراد من الشرطة باعتقال بعض المعتصمين عند بوابة القصر الرئاسي المغتصب، المطالبين ببعض الحقوق الكثيرة الضائعة.
وفي هذا الظرف المفعم بالتوقعات والغيوم الملبدة في الأفق، يجدر التذكير بضرورة لعب دور لائق سلمي إيجابي، من قبل الجميع، مدنيين وعسكريين، في حدود الصلاحيات والمبادئ الدستورية المتفق عليها دوليا ومحليا. فالتظاهر السلمي حق مكفول، ولو رفضه أو عرقله عزيز، بطريقة ما، في وقت حال أو لاحق، بالاعتداء عليه من طرف أي جهة رسمية أو شعبية "بلطجية"، ويعتبر ذلك خرقا سافرا للدستور وقيم الأمم المتمدنة، وإخراجا للظرف السياسي الراهن من بعض وقاره الهش إلى المجهول لا قدر الله. ورغم رفض الكثيرين، وأغلب المشتغلين بالشأن السياسي المعارض لدور انقلابي للجيش، فإن ذلك لا يغني البتة عن التحذير من محاولة سرقة الثورة، بحجة التوتر أو إخفاق المدنيين في إخراج ولد عبدالعزيز من دفة الحكم بطريقة طوعية أو قسرية سلمية. أو اللجوء من طرف جهات ما -أمنية أو عسكرية- إلى القمع، بحجة حفظ الاستقرار، أو بدعوى أنه أولى من الديمقراطية والتنمية، في سياق جدلية الاختيار بين الدكتاتورية والاستقرار الوهمي أو الديمقراطية والتمزق المهدد به. وكل الشعارات المشروعة، والمطامح الشعبية المنشودة، بإلحاح في قطرنا وفي محل دول العالم المتحضر الواعي. وفي ظل الخوف الوارد من حادثة "المنشية" من قبل رأس النظام أو بعض المؤسسة العسكرية، الحاكمة فعليا. فإن الدعوة إلى الالتزام بالدور الدستوري الجمهوري التقليدي للجيش وقوات أمننا ضروري وجيه في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الحراك السياسي الثوري المسالم. و"المنشية" وإن كانت منذ أيام السبعينات في أرض الكنانة، أيام الراحل عبد الناصر رحمه الله، إلا أنها ترمز في ذهني إلى محاولات مخابراتية، متقنة وعميقة الإخراج، تنطلي على السواد الأعظم من الناس، من ذوي المستويات، التي يظن البعض أنها عالية الكعب في السياسة والوطنية، لتؤول النتيجة لصالح الحكم العسكري الانقلابي المستبد، وتتكرر لا قدر الله أجواء سابقة في عهود غابرة، في زمن موريتاني متأخر، في سنة 2012، في قلب شنقيط النابض، في عاصمته المتناقضة الأجواء والطقس المناخي والسياسي، نواكشوط. أو "نواق الشط"، رمز البداوة والبراءة والأصالة وشيء غير كبير أو كبير-إن شئتم-فالخلاف وارد أيضا في هذا الباب، أقول تفصيلا غير كثير على رأي البعض، أو كثير في نظري من السطحية في التعامل مع الأحداث. لقد خدع الجميع يوم 3-8-2005، وخدع الجميع يوم 6-8-2008، وإثر اتفاق دكار الخادع، خدع الجميع يوم الاقتراع الزائف المؤسف يوم 18 يوليو2009. وقد لا يصعب عليه جر قوات الأمن "للقمع" إن خاف خوفا جادا أو متوسطا على حكمه المهدد الزائل" لا محالة، بإذن الله. أو إقناع الجيش بأن السلطة لهم وهي في خطر، وقد يحتال بطرق جديدة، هو الآن في طور نسجها في عنكبوت عقله المستبد المحير. إن من يظن أن عزيز أحمق مصيب، لكنه ماكر، شديد الخبرة في ساحة ومجال تصفية الخصوم وخداعهم، والتغلب عليهم، مهما تناصروا وكثروا، خصوصا ضد معارضة نحسبها جميعا، وقلوبهم شتى، لا يجمعهم إلا "لا" لعزيز، نعم للسلطة وخدمة مشروع سياسي ديمقراطي، مازالت الكثير من ملامحه ناقصة الرؤية في أذهان أصحابه الشرعيين الأصليين: منسقية المعارضة ونخب الشعب المطالبة الصارخة بالرحيل و"التغيير الشامل". الكادحون، اتحاد قوى التقدم النخبوي، الأشد تماسكا فكريا وتنظيميا، لم يستطع كشف الخبث المستور، في اتفاق دكار إلا حين فات الأوان. "تواصل" الإسلامي الثوري حاليا، المعترف سابقا بنتائج 2009 الواضحة السبك والتزوير والفبركة، يتمتع بنقاء فكري كبير، في جانب رؤيته الإسلامية العامة، غير المفصلة وغير المستندة إلى تجربة محلية أو خارجية ذات بال، في ميدان التطبيق السلطوي التنفيذي، وهو يعاني من خطر الاختراق الذاتي، بسبب المال الخليجي (احتمال أن يكون قطريا هذه المرة) والفرص الانتخابية الواعدة. فالنجاح المرتقب لهؤلاء، وحظهم الأكبر في الحضور الانتخابي، في أي اقتراعات لاحقة بعد الرحيل، قد تقحمهم في امتحان صعب معقد، عسير التجاوز والنجاح. أهم مخاطره الغرور بالنجاح السريع، وعدم القدرة على ضبط التعامل مع التطورات ادراماتيكية المتوقعة في ساحتهم. والتكتل بدأ يهرم ويتراجع، رغم دعم اعل المعنوي وربما المادي (رسالته الأولى نقلها للمعارضة أحمد ولد داداه ويقول البعض بدور مادي ملموس في تمويل النشاطات الاحتجاجية الحالية لصالح التكتل خصوصا واللقاء الديمقراطي بدرجة أقل)، هكذا أحزاب المعارضة التي نأمل أن تنقذنا وهي بحاجة لإنقاذ نفسها سريعا قبل إنقاذ البلد. ورجوعا إلى السياق، خطر توظيف السلطان الحاكم ولد عبد العزيز، "باسم الدين أو الامن أو القانون" لجهاز الأمن (الشرطة وغيرها) وللجيش لاحقا للحفاظ على الحكم بصورة ما، خطر قائم وخطير، رغم ما حصل يوم 3-4-2012 من تعامل هادئ سلس مع المظاهرات السلمية، المفعمة بروح الرغبة في رحيل الحاكم المستبد وإرساء حياة ديمقراطية صحيحة ومتوازنة تخدم بصدق مصالح الأمة الموريتانية كلها. ولا بد في هذا المقام من الدعوة الصريحة لقوات أمننا وفقها الله وجيشنا الوطني إلى التعقل، فالبقاء للشعب وللأصلح، ولتكن خدمتكم للديمقراطية وسلمية التصرف السياسي، ولو أدى إلى رحيل ولد عبد العزيز، انسجاما مع المهام القانونية والدستورية، التي قرأتموها -إبان تكوينكم- وليس خدمة لفصيل واحد، من هذا الشعب الموريتاني الغالي. ولا تسرفوا في التحرك، نزولا عند رغبة سلطان جائر مستبد بالأمر كله، حتى على حسابكم، أنتم أنفسكم. إن الشرطة هم أكبر متضرر من سائر الانقلابات، عدديا ونوعيا، فالشرطة إن سلمت (سوى في حادثة تفرغ زينه في سياق مطاردة القاعدة) فالجيش، قد شوهت سمعته وحرفت مهمته، وزج به فيما لم يكون له أصلا ولا فرعا، وقتل العشرات من أفراده في محاولات الانقلابات الفاشلة، ودفع الثمن المعنوي الغالي في حق الشعب، في سياق الحكم الانقلابي، إثر الانقلابات "الناجحة" عمليا" الفاشلة سياسيا وتنمويا، رغم الجوانب الايجابية في بعض العهود، التي غطت عليها المظالم والملفات الثقيلة. وأما اليوم فالفرصة سانحة للتوبة النصوح، في حق الله والشعب والتاريخ. وأمام الخالق البارئ والرأي العام الوطني والإقليمي والدولي. عسى أن تكفروا عن الماضي. يا شرطتنا الحاذقة النابهة، كفاكم قمعا وتعذيبا في أقبية السجون والمخابرات والمخافر، وكفاكم كذبا وتزويرا، ضمن التقارير الأمنية المخابراتية المفبركة المزيفة لصالح الأنظمة العسكرية المتعاقبة، وآن لكم العودة إلى المهام الشريفة للشرطة. وأما الجيش، فالندم على ما فات والنية أن لا يعود والعزم على الإقلاع الفوري ورد الحقوق إلى أصحابها وهم كثر، ما أمكن. وتعلمون كما قال الراحل الحسن الثاني رحمه الله، أن الشعب غفور رحيم، خصوصا الشعب الموريتاني البدوي المتسامح الذي ضحتكم على أذقانه كثيرا، وما زلتم وإلى اليوم مدمنون، سامدون في ذلك التيه الانقلابي الطويل المتنوع الخبير في الشعارات والمخارج. الذي نخاف أن يطول أكثر وأن لا يتوقف قريبا، ونأمل أن نضع جميعا حدا له، بطريقة توافقية تلقائية، لا انقلاب فيها، ولا رجوع إلى الوراء. إن شئتم كفروا بإرغام صاحبكم على الخروج الفورى، أو القسري السلمي من القصر الرئاسي المغتصب، ولتتركوا المصير والمآل للشعب، يسير الأمور جليلها وصغيرها. فالشعب هو مصدر السلطات، وهو أقدر على تسيير شأنه العمومي من سائر المؤسسات ذات السلطات والصلاحيات المحدودة، النابعة معنويا -أو نظريا قانونيا- من سلطته وإرادته المفترضة الغائبة، للأسف البالغ. ويومها يفرح المؤمنون و"السائرون" و"المعتصمون" والمتفجرون المحايدون لأمر الله المرتقب الأكيد، بإذن الله. قد يطول المسير ويستمر الاعتصام وقتا أكثر مما يتوقع بعض المتفائلين الطيبين، الذين لا يقيسون الأمور بدقة وحزم وحذر، إلا أن الخلاص قادم أكيد حسب كل المؤشرات الواعدة وأغلب التحليلات الراجحة. والجيش وقوات الأمن نرجو أن تكون هذه المرة عند حسن الظن، مهما وقع من أخطاء فردية أو حوادث معزولة محدودة. أما عندما يتكرر ويتسع الخطأ، ففي المحصلة ستكون النهاية صالح الشعب المنتفض المسالم الحر، بعد الابتعاد عن الفساد والإفساد الحقيقي، لكنه قد يحاسب لاحقا. إن ما حصل في مدخل الرئاسة، مع بعض المعتصمين يذكر ببعض جوانب المشهد التونسي والمصري. يا شرطتنا احذروا لقد تغيرت الأجواء، إنكم تحت ضوء الإعلام والإعلان والنشر وسطوة الانترنت وسرعة الكابل. والأسماء مكتوبة محفوظة، ومقاطع الحقوق واردة الدور، في مراجعة تصرفاتكم، فلا تغامروا بمستقبلكم، ومستقبل أبنائكم، الذين هم أبناؤنا وبعض أكبادنا. ويا جيشنا اللعبة انتهت، ولا تقدموا على قرار انقلابي، فلم يعد ذلك وقته، يكفي مساعدة الشعب في إخراج العنيد بشكل مشرف إن أراد، وإن لم يرد فلا حول ولا قوة إلا بالله، ليكون اضطر المعنيين إلى إخراجه عنوة وقهرا، فلن يغلب دائما، فرد واحد أمة برمتها. ودرس مبارك واضح جلي قريب. ويقال في المثل العربي القديم، السعيد من اتعظ بغيره. وإن كانت قوات الأمن المصرية استغلها النظام أكثر من الجيش، إلا أن شرطتنا أكيس وأقدر على تلافي الفخ الغريزي. والتوظيف والإقحام غير الأخلاقي في أسلوب القمع ومأزقه الدنيوي والأخروي. والرسالة: اتركوا بين الشعب و"رئيس الفقراء"، إن كان حقا فقيرا مسكينا ثوريا مصلحا، كما يدعي وأن انقلاباته، نجاح وفلاح، وليس على شاكلة انقلابات الغير. فإن كان صادقا، فإن للبيت رب سيحميه، وللعرين أنصار كثر وهميون، سيتحركون ويهبون في الأوان المناسب ضد منسقية المعارضة ومخططاتها. وتعلمون أن الحكام غير المحبوبين ولو عند البعض، عندما يتخلخل حكمهم ونفوذهم يذهبون غير مأسوف عليهم، ولا منقذ ولا باك على أصحاب ومحترفي الهوان والإذلال والحرمان الجماعي والتمييز. حتى معاوية الذي يدعي له بعض الإنجاز، إلا أنه نتيجة سجن الدعاة والعلماء وبعض من تضييع حقوق أخرى أو التهاون في منع وقوعها، مثل ملف الزنوج حين سقط، لم تلتف حوله الجموع الثائرة، لإرجاعه لسدة الحكم. أولي عزيز، ومن باب أحرى سيسقط قريبا، كما تسقط ورقة "توت" في يوم عاصف. ونرجو من الله أن يكون يوم نصر شعبنا ومعارضتنا الأبية الشجاعة الثابتة، يوم آمن هادئ متوازن الأحداث والثمار والنتائج، غير عاصف ولا عكر الصفو أو الطقس. وفي الختام والخلاصة إننا على أعتاب مرحلة جديدة بغض النظر عن النتائج ونحتاج إلى حساب وحذر دقيق وتأمل طويل من قبل الجميع، فإن عملنا بصورة سلمية حكيمة، تحقق أهدافنا، ومقاصدنا جميعا، وأعني المطالبين بالتغيير والمؤيدين له، من دون أن تتكرر أخطاء من سبقنا، في سياق الربيع العربي. فليس هذا المسمى "الربيع العربي" إلا تجربة بشرية، لها إيجابياتها وسلبياتها. وعسكرنا مسالم طيلة أغلب سيرته السياسية، رغم بعض الأخطاء وبعض التصرفات-ذات الطابع العنفي-المنافي أصلا للطابع الموريتاني المسالم. وأما السياسيون فأجدر بالتعقل، لأنهم مدنيون بلا سلاح، إلا سلاح الرفض السلمي، وكفى مصداقية وتأثيرا. وثقافتهم ودعاوى وشعارات قومتهم الحضارية تستدعي على الأقل، الحرص على سلمية التحرك، لتجسيد خصوصية التغيير أو "الربيع الموريتاني" إن صدق الإطلاق. أجل، نحن على أعتاب مرحلة ونهاية أخرى، ولو في بعض ملامحها. نهاية حكم العسكر، ونهاية مرحلة الديمقراطية الصورية، للتحول إلى ديمقراطية-بطابع إسلامي مرن يداري في حدود الشرع-، ومن جهة أخرى تكريس دولة القانون، بمعنى الكلمة، دون تمييز في الحقوق والواجبات، عند سائر سكان هذا البلد، وعلى وجه الخصوص مواطنيه، قبل المقيمين المرحب بهم ضيوفا، وللضيف حقوقه ما لم يتعد حدوده.... وإن صعب التكهن بمواصفات وشخوص ورموز المرحلة الإنتقالية القادمة وما بعدها. فلابد من كلمة موجزة في سياق التوقع الإستراتيجي المثير. فالإسلاميون رغم نواقصهم في ميدان التجربة سيكون لهم، حسب توقعي الحظ الأوفر من الأصوات الذي لن يصل إطلاقا إلى النصف على مستوى البرلمان، وسيتيح برلمانا منتخبا في ظل نظام شبه رئاسي، ممارستهم للحكم بالشراكة مع جميع أطراف المسرح السياسي. وعلى وجه الخصوص الواصلين إلى البرلمان المرتقب، ما بعد عزيز. ومسألة الترشح للرئاسة في غير صالحهم لأنهم أقل قدرة على ذلك من حركة خاضت أكثر من 73 سنة من النضال المرير المتنوع، أي حركة "الإخوان المسلمين الأم" في أرض الكنانة. وخيرت الشاطر في مصر نتاج هذا الوقت الطويل أو نصفه. حيث دخل في الصفوف منذ 1974، ورغم ذلك أثار لغطا كبيرا في صفوف الجماعة المذكورة حتى الآن!!!. وسفينتنا في عمق البحر المهددة بالغرق، من بعد الربان المتهور العنيد، ولد عبد العزيز قد لا يصلح لها إلا صاحب خبرة وقدرة، ولو من شيوخ المرحلة السابقة. كحل مؤقت في انتظار ظهور طبقة سياسية حقيقية قادرة على الخلافة الآمنة. وهنا لا نستبعد ظهور مرشحين أقوياء للمنصب الرئاسي الموريتاني، يتحججون بأنهم لم يعودوا عمليا من العسكر، وإن قبل ذلك، تفاديا للإقصاء وتحت إكراهات القانون وحق الجميع في المشاركة في هذه اللعبة الانتخابية الرئاسية، فلا أستغرب حضور بعض السابقين، إن رغبوا، ولو كانوا السبب في إخفاقات سياسية معروفة. فمعاوية صاحب ملف الزنوج والإسلاميين والعلاقة مع إسرائيل، سيكون المرشح الأقوى، في حالة مشاركته، لأنه رغم ما يثيره من قلق عميق لدى بعض ضحاياه، وهذا شيء طبيعي في مثل هذه الامتحانات الكبيرة والابتلاءات الثقيلة، المرتبطة بالشأن العمومي، الأمانة العظمى، إلا أن له "أنصاره" بكم واسع، تخفيهم طبيعة المحاذير وتدفعهم إلى الأمام إنجازاته، بمنسوب قبول محير، عكسه على سبيل المثال لا الحصر، موضوع الاهتمام بعودته، إبان تحركات سياسية مؤيدة لتلك العودة، في وقت سابق للانتخابات الرئاسية 2009، والحديث المتكرر الواسع عن كتابه -نجاة العرب- المروج له على نطاق واسع غير مقنع عندي-على أنه من إنتاجه الشخصي. وأحمد ولد داداه زعيم المعارضة الحالي، سيظل المرشح الأوفر حظا بحكم معطيات تاريخية وجهوية مؤثرة في ميدان اللعبة المحلية، في المقام الثاني بعد الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع. ومهما قيل عن العقيد اعل ولد محمد فال مدير الأمن السابق الرئيس إثر إنقلاب 3-8-2005، وعلاقته الوثيقة مع اللوبي الصهيوني إبان حكمه (حيث لم يقبل الحديث وقتها عن مطلب قطع العلاقات مع اسرائيل) وخصوصا بعد ذهابه عن دفة الحكم، وكذلك مهما قيل عن ثروته المشبوهة، فسيشارك هو الآخر، ومن جهة أخرى الكادحون بمحمد ولد مولود، أو بدر الدين، فسيكون لهم مرشحهم، على وجه راجح، لا يقل أهمية، نظرا لثباتهم على مواقفهم، وكذلك مهما قيل عن خطهم الفكري، غير المعلن، خصوصا بعد سقوط النموذج الاشتراكي والشيوعي التقليدي في الوطن العربي، ولبوسهم لثوب وطني عام، يصلح للتداول والاستخدام في دائرة أوسع، من الدائرة الضيقة للرفاق "الحمر" على اختلاف مدارسهم وحقبهم. ومن وجه آخر لا يمكن تجاهل مرشح "لحراطين" الأوفر حظا في صفوفهم، وإن عارضه بيرام والساموري. وله امتدادات معتبرة في أوساط عروبية قومية معروفة، وصلات أخرى لا يمكن إهمال دورها النسبي في التأثير المحتمل في تحالفات الدور الثاني الراجح الوقوع، بين معاوية وولد داداه. توقعات مثيرة، قد يرى البعض تعجلها، أو عاطفتها، لكن تجاوز الرموز المذكورين، بين عشية وضحاها، واستبدالهم بمتدربين جدد، لا يخلو من المخاطرة والمجازفة. وشأن السياسة وأمر الأمة، تماما مثل حالة سفينة تحمل خلقا كبيرا ووزنا ثقيلا ثمينا، فهل يعقل إعطاء مفتاح قيادتها، لربان متدرب، لا تصل قدرته إلى التعامل مع موج العمق المتلاطم الهائج المائج، إن تجاوز افتراضا الشاطئ والمياه السطحية القريبة من الشاطئ. الأمر جلل وغامض وإخراج العسكر من المشهد لا بد له من مرحلة انتقالية أخرى. وإن سلمنا منهم، فذلك خير لنا جميعا، لأنهم سبب أكثر إخفاقاتنا السياسية الأبرز في تاريخنا السياسي، لكننا لا نملك البديل الرئاسي الآمن والحكم البرلماني لا يصلح لنا (فشل إيطالي واضح ونجاح بريطاني ناقص). والإسلاميون أصحاب العقبى بالتحالف مع غيرهم، بعد خوض المرحلة الانتقالية المرتقبة، التي ستشهد رئاسة أحد المذكورين، والله أعلم. والأهم وصول السفينة إلى بر الأمان، بعد الخطر الحالي المحدق، الذي لا يهم إلا أصحاب الرؤية الوطنية الثاقبة. فصدق جميل، بعد ذهابه (أي عزيز) عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون!!!، والأولى عندنا أنها أعوام عدة وليس ( عاما واحدا)، لقد أفرطت في التفاؤل، يا رفيق دربي جميل، رغم خلافنا الذي لا يفسد للود قضية، فهل يكون أحذق منا أترابنا في السياسة، من الكادحين، يمينا ويسارا ووسطا. الجو غائم غامض مثير، والأمر مجرد تكهن، وجدته أقوى مني، فألقيته على عهن العقلاء، لعله يذهب عقولهم، لنكون سواء، كما قال صلى الله عليه وسلم (لتكونن فتن يصير الحليم فيها حيران). إنها فتنة فعلا، لكنها عابرة بإذن الله. إنها مرحلة مقبلة حساسة، ومسؤوليتها، فرض عين لا كفاية في نظر البعض، فلنعمل كل من موقعنا لإنقاذ البلد، قبل النظرات الضيقة. فهو مأوانا جميعا. ولا وطن لها غيره، مهما كنا عسكرا أو مدنيين، أو إسلاميين أو علمانيين.