بين الإيمان و الإلحاد ما بين السماء و الأرض و لعل الكتابة عن موضوع الإيمان لا يمكن أن تكون إرتجالية بأي حال من الأحوال .
الإيمان تلك الطمأنينة القلبية التى تنزل على الفؤاد فتجعل الرؤية واضحة والافق واسعا والأمل شاملا والتي تقترن بالتجربة الفردية والجماعية في مواجهة الإلحاد ذالك الوهم الذي يسيطر
على العقل فيقلب النظرة إلى العالم إلى تشاؤم قاتم لا يرى خيرا مطلقا و يختصر العالم في عدمية تطحن الآمال و تقتل السعادة في مهدها ليس لصاحبه غير الإرتواء من الملذات المادية قدر المستطاع في محاولة يائسة لتخدير الروح العطشى للإيمان بفطرتها الأمر الذي ينكره الملحد ألا و هو تلك النزعة الدفينة فيه إلى الحرية و التحرر ، الحرية من كل المعتقدات الإجتماعية و الأعراف و الطقوس في مفهومه و التحرر من كل الإلتزامات و القيود الدينية و الأخلاقية و العرفية في سبيل الوصول إلى حالة تحرر عام و مطلق و إذا حاولنا تفسير تلك النزعة و تفسير أسبابها نجد أن سبب هذا الإنحراف هو في عدم التعاطي السليم مع النفس و الروح و الجسم كمكونات أساسية للإنسان فالملحد عادة لا يؤمن بالمكون الروحي إنما يكتفي بالنفس و الجسم و يتغاضى تماما عن الروح التي لو إعترف بها و عرف مكانتها و دورها لكانت بابا لإعترافه بكل الغيبيات الأخرى التي يرفض التفكير في إحتمالية وجودها أحرى الإيمان و الإعتراف بها كحقيقة و أما بالنسبة لتلك النزعة الدفينة فهي في حقيقتها محاولة للتحرر من المادية التي تعيق السمو الروحي و الرقي الأخلاقي و هذه النزعة يحاول الإنسان من خلالها الإنغماس في الملذات قدر المستطاع في سبيل التجاهل للمطلب الفطري بالإيمان إذ أن الإيمان بطبيعة الحال مقرون بشرائع و مناهج تكبح مكامن الشهوة و تأثر على الفرد نفسه أو المجتمع في وجه كل ما كانت فيه مضرة خاصة أو عامة فلو أطلق العنان للجميع لإطلاق شهواتهم حيثما أرادو لكان العالم غابة كبيرة تضم وحوشا و فرائس فالإيمان و بالتالي الدين يكونان رادعا للأفراد و المجتماعات في وجه الإنحلال و التسيب و الجريمة و يؤسس لوازع ديني و ضميري يكبح الإرادة الغريزية للإنسان.
بعد هذه المقدمة عن الإلحاد نرجع قليلا إلى الإيمان ،
الإيمان في أبهى تجلياته هو فطرة و تجربة و مشاهدة و يقين .
تبدأ رحلة الإيمان بمجرد دخول الإنسان مرحلة الوعي الأولي إذ أن من أول مبادئ العقل البشري السببية فالعقل لا يمكن أن يستوعب أي شيء بلا سبب أو أي حركة بلا محرك ، فلكل شي يحصل في الكون تفسير سببي فمثلا حتى ما يسمى في العالم بالصدف هو ناتج عن سبب معين ؛
سقوط حجر من أعلى بناية صدفة ؛ ليس صدفة تماما فهو بسبب الريح أو بسبب خارجي أو داخلي آخر كتكآكل الحجر و إنقسامه ، مثال بسيط على أنه لا يوجد شي بدون سبب و مسبب فكيف لهذا العالم المتقن الصنع أن يكون بلا سبب و من دون خالق و صانع .
تتحدث نظريات الملاحة عن نشأة الكون عن طريق الصدفة أبرز و أشهر رد على هذه الخديعة بل حتى المهزلة هو أنه وفق تجربة أو بالأحرى نظرية الآلة الطابعة العشوائية إحتمال تأليف كتاب عادي الحجم في فترة تساوي عمر الكون المادي من قبل آلة طابعة تكتب الحروف عشوائيا هو (1)/(10^100) يعني وفق لغة الرياضيات إحتمال يساوي صفر إذ كل إحتمال تعدى (1)/(10^50) يساوي صفر . ماذا نستنتج من هذه التجربة و النظرية ، نستنتج أنه من المستحيل للصدفة صناعة أو تأليف مجرد كتاب له معنى صحيح فكيف إذا للصدفة أن تنتج هذا الكون كله بمجراته و بمخلوقاته ببحاره و أنهاره و بالنسب الموافقة لحاجة المخلوقات على ظهر الكرة الأرضية بحيث لو زادت نسبة الأوكسيجين مثلا لأحترقت الأرض و لو نقصت لماتت المخلوقات و الأمثلة على الإبداع في خلق هذا الكون كثيرة أعظم من أن تحصى أو تعد .
من ناحية أخرى نجد أن القدماء قبل الإطلاع على هذه الحقائق العلمية كان الإيمان فيهم مترسخا و السبب الرئيسي هو رسل الله و أنبيائه عليهم الصلاة و السلام و تواتر أخبارهم من جيل إلى جيل ثم الفطرة السلمية و الأدلة العقلية البسيطة و الواضحة .
إن الله أول ما خلق البشر و أنزلهم إلى الأرض أرسل إليهم الرسل و الأنبياء عليهم الصلاة و السلام و أيدهم بالمعجزات و الآيات الباهرة الدالة على صدقهم و نبؤتهم فكان الناس يتبعونهم و يرث كل جيل عن جيل إتباعهم و تصديقهم فمن المستحيل تواتر المجموعات المتنوعة والمتعددة و المجتمعات الهائلة على الكذب و من باب التوضيح بالأمثلة فلو أن شخص أخبره والداه أن جده كان محاربا بطلا أو كان عالما قل نظيره ثم سأل كل مشائخ القرية فأجابوه بنفس الإجابة لن يدخل إلى قلبه الشك مطلقا في هذه الرواية كذالك أخبار أنبياء الله و معجزاتهم تم تواترها بهذه الطريقة التي يستحيل معها الإنكار و الجحود و كذالك أنزل الله على أنبيائه كتبا تشهد له بالوحدانية و لأنبيائه بالرسالة و تجيب كل الاسئلة المحيرة للعقل البشري و تحمل قوانين و شرائع هي منهج الله في الكون التي بها يسعد الإنسان دنيا و آخرة .
ثم إن الركيزة الأخرى هي الفطرة السليمة التي ترى في مخلوقات الله جميل صنعه و تشعر بالحاجة دائما إلى الله عز و جل القوي المتين القادر على كل شيء و يحضرني في موضوع الفطرة كلمات قالها المؤلف الأمريكي كارنيجي : 《 سافرت إلى أماكن عديدة و دول بعيدة و لم أجد أي بلدة في العالم تخلو من معبد أو كنيسة أو مسجد و هذا إنما يدل على أن الإنسان في حاجة إلى قوة هي أعظم منه و تسيطر على الكون 》، إن الفطرة السليمة هي التي قادت ملايين البشر شرقا و غربا للبحث عن دين الله و إعتناقه برغم نشأتهم في مجتمعات أبعد ما تكون عنه و عن بيئته.
و في الأخير فإن البراهين العقلية البسيطة تسحق الإلحاد و تطحنه أبرز تلك البراهين هي السببية و الغائية و النظام ، فكيف يعقل أنه لا يمكن إستيعاب تكون طائرة أو مركبة دون مصنع أو أي سبب فكيف يمكن إستيعاب تكون الكون كله من دون سبب و مكون و أما الغائية فهي من باب أنه لا يعقل صناعة شيء لا غاية له مطلقا فكيف يمكن للعقل أن يقبل أن هذا الإنسان متقن الصنع خلق بلا غاية و لا هدف و هذا الكون المعجز المبهر خلق بلا غاية ؟...و أخيرا فإن النظام المتقن يدل على الخلق و المتابعة و الرعاية فهذا الكون المنظم يدل نظامه على إبداع خلقه و جميل صنعته عز و جل و تعالى عما يقول الكافرون .