لاشك بأن موريتانيا تقع ضمن دائرة الدول المتخلفة والفقيرة التي تنتشر فيها على نطاق واسع العديد من الآفات الخطيرة كالفقر والجهل وانعدام الديمقراطية وحقوق الإنسان ، بالإضافة إلى أوضاع حقوقية واجتماعية وإنسانية متدنية ، وهكذا فإن موريتانيا تتأرجح على مستوى التنمية البشرية من حيث الدخل
الفردي والصحة والتعليم ، ولا يخفى علينا أن السبيل الوحيد لتجاوز هذه المرحلة مرتبط بإصلاح منظومة التعليم ، فلا بد لنا من أن نبدأ وبسرعة عملية إنقاذ وإصلاح شاملة لمنظومة التعليم حتى لا نصل فيها لمراحل يصعب معها ذلك ، فلقد أصبح جليا بأن جميع مشكلات بلادنا لها مسببات وجذور مرتبطة بالتعليم ، وهذا ما يدفعنا وراء الدعوة بالمطالبة بوضع خطة عاجلة في مجال إصلاح التعليم .
إن فشل كل الإصلاحات التعليمية السابقة ، وفشل وزارة التهذيب الوطني في تطبيق خطة محددة للإنقاذ والإصلاح والتطوير، ناهيك عن تردي التعليم هيكليا ووظيفيا ، وضعف المنظومة التعليمية كلها من بين أمور أخرى أدت إلى انعكاس على المردود الإنتاجي المتوخى من التعليم ، فلم تستجب منظومتنا التعليمية لطموحات المجتمع ، ولم تساير متطلبات الاقتصاد الوطني ، ولم توفر أطرا مؤهلة لإرضاء سوق التشغيل ، كما أن هذه المنظومة تخرج لنا كل سنة آلافا من الطلبة غير مؤهلين لا تحتاجها السوق الوطنية ، وبالتالي لم يجد فيها المواطن فضاء لتوطيد الديمقراطية والعدالة الاجتماعية المشروعة .
حتى نبدأ عملية إصلاح منظومة التعليم بطريقة منهجية فاعلة ، وحتى نبدأ بداية جديدة ومقنعة لا بد من أن تأسيس مجلس أعلى للتعليم ليتولى هذه المهمة بشمولية وكفاءة بصفته السلطة العليا المسؤولة عن رسم السياسة التعليمية ، وعن خطة تطوير التعليم والإشراف على تنفيذها ، ويكون هذا المجلس أيضا بمثابة إنقاذ للنسق التعليمي في بلادنا من الأزمات العديدة التي يتخبط فيها ، ولا يمكن تنفيذ هذه الخطوة إلا بتضافر كل الجهود قاطبة ، إذ ينبغي أن ينخرط فيه جميع الفاعلين التربويين وجمعيات الآباء والمجتمع المدني والفاعلين السياسيين ، ولا يتحقق ذلك إلا بوجود إرادة حقيقة داعمة وتوفير الموارد البشرية والإمكانيات المالية والمادية ، بل يمكن القول : إن تأسيس مجلس أعلى للتعليم ينبغي أن تتكلف به الجماعات المحلية بدون تريث ولا إبطاء ولا تأخير من أجل تحقيق غاياته المنشودة .
لا نريد مجلسا يخدم السياسة الجوفاء والشعارات البعيدة من الواقع ، بل نريد مجلسا تقوده الكفاءات الوطنية المتخصصة ، ويسهر على خدمة المجتمع على اعتبار أن إدخال أي تغيير يستغرق مدة من طويلة من الزمن تصل إلى عشر أو خمس عشرة سنة ، وهذا يجعل محاسبة نجاح أو فشل العمليات الإصلاحية يتعدى الزمن السياسي والحكومي قبل أن تظهر النتائج الفعلية ، ومن هنا فإن مبدأ تأسيس مجلس أعلى للتعليم هو عبارة عن رؤية متكاملة قابلة للإنجاز في ظرف وجيز بعمر الشعوب ، ويستند في على مبدأين أساسين ، المبدأ الأول يكمن في التخطيط المبرمج الذي يتسم بالتدقيق والتركيز والانتقاء والفاعلية وقابلية التنفيذ ، والمبدأ الثاني في التنفيذ الفوري للبرنامج الإصلاحي والتسريع في تطبيقه وترجمته ميدانيا ، ولو تحقق ذلك التطبيق عبر فترات متعاقبة ، لأن برنامج إصلاح التعليم هو برنامج بشري تنموي تظهر نتائجه عبر فترات بعيدة قد تستغرق مرحلة تعليمية بأكملها .
المهم أن نبدأ وأن نسرع قدر الإمكان في تأسيس هذا المجلس على أسس صحيحة ترافقها النية الحسنة ويواكبها الاجتهاد والتنفيذ الفعلي ، أو أن نقدم حلولا أخرى تكون واقعية وتصب في خدمة هذه الأهداف ، وإلا فإن واقعنا الاجتماعي والاقتصادي لن يتغير أبدا وهذا أمر ممكن .