هل ينتصر الأزواديون على أنفسهم؟ / أحمد ولد محمد المصطفى

أحمد ولد محمد المصطفىأعلن المكتب السياسي للحركة الوطنية لتحرير أزواد يوم أمس الأحد فاتح إبريل عن تحرير مدينة تمبكتو التاريخية بعد كيدال، وغــاوا، وباقي أراضي أزواد، مهنئا الجيش والشعب الأزودايين، بما اعتبرها "انتصارات عظيمة حققتها الانتفاضة الأزوادية.

وموجها نداء عاجلا إلى كافة أبناء الشعب الأزوادي رجالا ونساء، أينما كانوا، أن يعودوا إلى الأرض الأم، للمساهمة في النهوض بأمتنا، وإدارة شؤون حياتنا، والدفاع عن أمننا". سيطرة الحركات الأزوادية على مدينة تمبكتو التاريخية أكبر مدن الإقليم هي بالفعل نقلة نوعية في المواجهة بين الأزواديين والنظام المالي المترنح هذه الأيام، ورمزية السيطرة على عاصمة الإقليم، ستدفع بحسابات الحركات الأزوادية إلى الأيام، خصوصا وأن ظروفا كثيرة توفرت لهم وعجلت من انتصارهم وبعضها لم يكن يخطر لهم على بال، وربما كان غيابه سيطيل من أمد الحرب سنين عديدة. واليوم ومع إعلان الحركة الوطنية لتحرير أزواد عن ما أسمته "الانتصار العظيم"، يحق للمتابعين أن يتساءلوا عن مستقبل المنطقة، وخصوصا علاقات المكونات الأزوادية فيما بينها، وعلاقتها بالحركات المسلحة الناشطة في المنطقة، وكذا بالقوى الإقليمية والدولية، لما لطبيعة تلك العلاقات – سلما أو حربا- من دور في معرفة مستقبل منطقة أزواد بشكل خاص ومستقبل منطقة الساحل والصحراء بشكل كامل. والسؤال الأهم هنا هو هل سينتصر الأزواديون على أنفسهم كما انتصروا على عدوهم؟ لا تتوفر حتى الآن إجابة قاطعة على هذا السؤال، لكن طبيعة القوى الأزوادية وواقع المنطقة، ومحوريتها في اهتمام القوى الإقليمية والدولية، يشير إلى أن الإجابة الإيجابية عليه لن تكون ميسورة، وسيكون على الأزواديين بذل جهد أكبر وتضحية أعظم للانتصار على أنفسهم وتجنب توجيه السلاح إلى رفاق التحرير، توسيعا لنفوذ أو تحقيقا لمكاسب أو جنيا لثمار لما تنضج بعد. واقع منطقة أزواد اليوم شبيه بواقع أفغانستان عشية انهزام الاستعمار السوفيوتي، فقد نجح الأفغان نجاحا باهرا في إخراج مستعمرهم السوفيوتي يجرجر أذيال الخيبة، لكنهم فشلوا في أول اختبار بعد ذلك، ودخلوا في اقتتال داخلي كانت خسائره أعظم من حرب التحرير، ونتائجه أخطر على البلاد من تصرفات السوفيوت، حيث استمرت مواجهات إخوة الدين والوطن عدة أعوام، قبل أن يفتح ذلك الطريق أمام مستعمر جديد ما زال متحكما في البلاد حتى اليوم. كما تتشابه المنطقتان (أفغانستان والساحل) من حيثية أخرى، وهي محوريتها في أمن الدول القريبة منهما بل والأمن العاملي، واستقطابهما لاهتمام القوى الكبرى، وهو ما انعكس بشكل جلي في صراع القوى الدولية العظمى على النفوذ فيهما، فكان الصراع الأمريكي السوفيوتي في أفغانستان، وكان الصراع الفرنسي الأمريكي في أزواد ومحيطها من منطقة الساحل والصحراء. سيكون على الأزواديين إن أرادوا الانتصار حقا - لا ادعاء- أن لا يقبلوا بأي حال من الأحوال أن تتجه الأسلحة إلى صدور أبناء إقليم أزودا مهما كانت المبررات والدواعي، وأن يغلِّب كل طرف منطق التنازل والتفهم ويشيع الثقة، ويوحد الهدف، ويحذر المؤامرات دولية كانت أو إقليمية، فلن تألوا أي جهد في التحكم في اللعبة بأي سبيل. التحدي الحقيقي هو ما ينتظر الأزواديين اليوم وغدا، حيث عليهم أن يثبتوا للأعداء وللحلفاء أنهم يستحقون فعلا دولة، وأنهم على حجم المسؤولية، ولن يكون ذلك ما لم يبتعدوا عن منطق العصابات، والجماعات، والقبائل والعشائر والقادة المسيطرين، وينتقلوا إلى منطق المواطنة والعدالة والمساواة. حين تنجح الحركات الأزوادية في الاتفاق على آلية لتسيير خلافاتها، وتوفق في تقديم الضمانات الحقيقية لجميع الأعراق والسكان، وتكبح جماح السلاح عن اللعلعة الدائمة، وتبعده عن ساحة التدافع الداخلي، وتتجاوز عقبات التنوع العرقي والثقافي، حينها –وحينها فقط- ستدفع خصومها قبل حلفائها لاحترامها والاعتراف بها، وتغيير الصورة المسيطرة على الأذهان عن المنطقة وعن من فيها وما فيها. الأخبار المتداولة خلال اليومين الماضيين – للأسف الشديد- لا تصب في هذا الاتجاه – وإن كنت أشك في مصداقية الكثير منها – لكن بعضها قد يكون صحيحا، ومنه بروز نزاعات ولو جزئية على النفوذ، وتوثب تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي للدخول على الخط، وتسرع بعد القادة في إعلان مواقف يظهر فيها الارتجال وأنها في أحسن أحوالها رأيه الشخصي أو رأي بعض المقربين منه والمحيطين به، ولم تمر عبر مؤسسات أو تمحص من خلال استشارات تقربها للصواب، وتمنحها المزيد من القبول والمصداقية. إعلان أكثر من طرف عن سيطرته على تمبكتو، (حيث أعلنت ثلاثة أطراف على الأقل عن سيطرتها عليها، مع أن المعطيات على الأرض تقول إن أيا من الأطراف لم يسيطر على المدينة بشكل كامل) يكشف عن غياب التنسيق بين الأطراف الأزوادية وإن اتفق الهدف، فقد أعلن عرب المدينة عن السيطرة عليها، قبل أن تؤكد الحركة الوطنية لتحرير أزودا تحريرها والسيطرة التامة عليها، لتدخل حركة أنصار الدين على الخط في وقت لاحق، معلنة أن جنودها أحكموا سيطرتهم على المدينة التاريخية. ومع التناقض الظاهر في الإعلانات الثلاثة، والتخوف الذي يولده هذا التصرف من الأطراف الثلاثة، إلا أن الواقع يقول إن الجميع صادق جزئيا، وقد حصل بعض التنسيق بين طرفين منهما على الأقل، هما عرب المدينة، والحركة الوطنية لتحرير أزواد. دخول حركة أنصار الدين إلى المدينة في وقت لاحق، ودون تنسيق مع الأطراف الأخرى ولد مخاوف لدى المسلحين العرب ولدى السكان، حيث ظن الجميع لأول وهلة أنها قوات تابعة لتنظيم القاعدة، وهو ما أدى لانسحاب المسلحين حيث التحق بعضهم بقوات الحركة الوطنية لتحرير أزواد فيما غادر بعضهم خارج المدينة، وتفاوضت البقية مع قوات أنصار الدين لتستجلي أمرها لاحقا، ويتم التنسيق بينهما، وتبقى المدينة تحت سيطرة ثلاثية حتى الآن، موزعة على المنطقة العسكرية الموجودة لدى أنصار الدين، والمطار وبعض المناطق الرسمية الموجودة لدى قوات الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وبقية المدينة الموجود لدى المسلحين العرب من سكان المدينة. وعموما تبقى المخاطر كبيرة والعقبات جمة أمام الأزواديين، داخليا وخارجيا، لكن أصعب تلك العقبات وأعظم تلك المخاطر سيكون الاقتتال الداخلي، وفي حال تجاوزه فإن المخاطر الأخرى ستكون في متناول أيديهم وتحت سيطرتهم، أما إذا أخفقوا في حقن الدماء بينهم فإن خطرا مضاعفا سيكون في انتظار المنطقة برمتها، وربما تودع أمنها واستقرارها بشكل كلي إلى حين. 

3. أبريل 2012 - 4:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا