علماء مقلدون وواحد مجتهد / عبد الفتاح ولد اعبيدنا

altلا ضير في الخلاف، فهو لا يفسد للود قضية، ما تقيد بآدابه.وأولها عدم التجريح، خصوصا بين أصحاب المعرفة والتقوى، مع إحترام الرأي الآخر، رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.وفي المحصلة من إجتهد منهم، فأصاب فله أجران، ومن إجتهد فأخطأ فله أجر واحد"، حسب حديثه صلى الله عليه وسلم.

ولقد استضافت التلفزة بعد شيوع تعليق المواقع الالكترونية، بوجه خاص، على فتوى الشيخ محمد الحسن ولد الددو. استطرق قائلا، أجل، استضافت على إثر هذه الفتوى تلفزتنا "الموقرة" الشيخين والعالمين حمدا ولد التاه ومحمد فاضل ولد محمد الأمين، في جو سياسي محلي وإعلامي مشحون لا يخلو من الخطر الواضح على نظام ولد عبد العزيز. فجاءت الاستضافة ضمن سياق، لا يمكن إبعاده عن منطق ردة الفعل المقصودة المتعمدة على ما ذهب إليه العلامة الشاب محمد الحسن ولد الددو من جواز التظاهر السلمي ضد الظلم. وإن كان الخلاف حول هذه المسألة -ذا طابع فقهي معرفي صرف- فهو لم يخل أيضا من تأثير الصراع البشري الطبيعي المرير على السلطة والنفوذ. وإن دعا البعض إلى قول كذا أو كذا، في هذا المضمار، فالأمر منذ بزوغ فجر الدعوة الإسلامية وإلى اليوم لا يخلو كذلك من غموض يحتاج إلى إقدام وجرأة أكثر، لتقوية أو ترجيح الفتوى القائلة بجواز التعرض السلمي للحكام، في حالة الإخلال بواجباتهم المترتبة على البيعة الشرعية أو حتى حكم المسلمين، إن لم يصل إلى مستوى الشرعية، المطلوبة في مفهوم البيعة، المستوحاة أصلا من حادثة "سقيفة بني ساعدة"، عندما حاول الأنصار مبايعة سعد بن عبادة، حيث لحق بهم عمروأبوبكر الصديق وبعض المهاجرين، وكانت المحصلة، البيعة تباعا لأبي بكر رضي الله عنه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. حدثت أمور بعد ذلك يفضل العلماء عدم الخوض في كثير منها، تورعا عن التفصيل في حيثيات نزاعات الصحابة حول هذا الموضوع الكبير، قيادة الدولة الإسلامية الوليدة وقتها. وتأسيا و اقتداء بتجاوز هذا المقطع التاريخي الحساس، وليس بدعوى عصمة الصحابة، فالعصمة للأنبياء والرسل وحدهم. وإنما احترازا من لحوم وأعراض صحابته صلى الله عليه وسلم، الذين نهى نهيا شديدا، عن الوقوع فيما يمس منهم. ونأتي إلى الحقبة الأخرى الأقل حساسية، حيث رفض الحسين رضي الله عنه، رفضا باتا البيعة ليزيد بن معاوية المعروف بالفسق في تاريخه السياسي المفعم بالمجون، والاستهتار بدم المخالف. فكان الموقف الحسيني جليا بأن لا بيعة لهذا، وذهب إلى العراق، ظانا أن بعض العراقيين صادق فيما وعده، من موالاة وتأييد ضد يزيد، فانقلبوا عليه، وقتلوه شر قتلة وتفرق الدم النبوي في الشعاب والوديان، وذهبت القافلة الحزينة من نساء أهل البيت، تحمل أحزانها، دروسا وعبرا تاريخية ملهمة، لبقية الأمة وإلى آخر هذه الدنيا، إلى أن يحين يوم العرض الأكبر، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وأثرت خوفا من العواقب وبطشة السلطان، هذه الحادثة في عقول الفقهاء والعلماء والعامة على السواء، إلى يومنا هذا. منتجة فقها يميل إلى المهادنة والخنوع والاستسلام للواقع المتغلب، دون جنوح إلى الرفض والعناد والمقاومة المستبسلة للظلم والاستبداد. ومازال بعض علمائنا يعانون من الجمود على آثار ونتائج تلك المرحلة، رغم ما يقع من نجاح باهر لبعض الحركات السلمية الاحتجاجية، الذي غلب على بعضها الرفض المسؤول السلمي، وكانت خسائره محدودة، خصوصا مثلما حصل في تونس ومصر والمغرب. نعم، كلما تكلم متكلم ردنا إلى فتاوى ورؤية وتقييم المارودي في أحكامه السلطانية، وكأن تجربة المسلمين في ميدان الحكامة والسياسة والتعامل مع السلطان توقفت عند أيام وحقبة المارودي. وكأن الزمن السياسي الإسلامي، توقف في تلك القنطرة، المشوبة بالكثير والكثير، مما يثير الشجون، ويستحق الفحص والتعقيب والتمحيص. وكلما تكلم متكلم أيضا عن ضرورة مقارعة الظلم بالحكمة والحسنى والضغط السلمي المتواصل إلى أن يسقط عرش الظلم والاستبداد تلقائيا، ضاقت بالبعض الضائقة وانحبست أنفاسه، فلم يجد إلا آراء بعض العلماء المسلمين، في فترات خاصة، من تاريخ الأمة العريض الممتد المتنوع. وملئت آذاننا بالدعوة إلى طاعة ولي الأمر، وأن لا نخرج عليه، ولو في طريقة اللبس والأكل، ولو اختار طعاما حارا سنغاليا، قد لا يصلح لأهل الصحراء والبدو من أمثالنا. ولو اختار طعامهم، فلماذا لا يقتبس من ديمقراطيتهم ووعيهم. ونقول لبعض هؤلاء وليس الكلام موجها بشكل مباشر للشيخين، حمدا ولد التاه ومحمد فاضل ولد محمد لمين، إن الله يقول في محكم تنزيله: "والله لا يحب الظالمين"، "وأن الله لا يهدي كيد الخائنين". والرسول صلى الله عليه وسلم يحث ويحض على رفع العقيرة ضد الظلم وأصحابه والمشتغلين بميدانه ومسرحه المقرف العفن، ويدعو إلى كلمة حق عند سلطان جائر. فلماذا لا ندعو إلى طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإبنه الحسين بن علي رضي الله عنه وسعيد بن جبير الذي قتله الحجاج دون أن يتراجع عن رأيه في شأن سياسي معروف وقتها، أيام الأمويين (راجع إن شئت كتاب عالم وطاغية لمؤلفه العلامة المعروف يوسف القرضاوي)، بدل أن نرجح عليه دائما قول وإجتهاد بعض العلماء المحترزين، ولهم خصوص ظرفية؟. والاجتهاد مفتوح الباب على مصراعيه لأهل الخبرة والقدرة، المعرفية طبعا. والقائلون بإغلاقه تراجع كثير منهم، وإن كانت هذه الفتوى الداعية -حسب فهم البعض- للخضوع للحاكم رغم ظلمه، مجرد إجتهاد، فحكم المجتهد معروف، إن كان مصيب فله أجران وإن كان مخطئ فله أجر واحد. ولا داعي أن نذهب بعيدا في الدفاع عن الظلم والاستبداد والمدمنين عليه من الحكام أو غيرهم. فشباب اليوم، من أبناء أمتنا، وأقول خصوصا الشباب، لا يفهم إلا الفتاوى الرافضة للظلم والاستبداد ولا مجال لما سوى ذلك، إلا عند الأقلية، ممن يفضلون حماية الواقع الفاسد، بشتى الطرق، ولو كانت فتاوى قديمة لمراحل سابقة، آن وقت مراجعتها وتقييمها، ورحم الله محمود شلتوت، فما جلبت عليه، بعض فتاويه إلا أن أصبحت علما، ونمطا معروفا من الفتوى، فيقال إختصارا إنها فتوى شلتوتية. وأنا موقن-أن محمد فاضل ليس شلتوت موريتانيا وأن حمدا ولد التاه لا تصل إليه تلك الظنون-لكنها السياسة والمصالح، وأعني مصالح الأمة، اقتباسا من فتاوى فقهية معروفة. ولا يجوز إطلاقا، ولا يجوز هنا إعلامية وليست فقهية ملزمة، أن ننقل رأيا ونقول، هذا هو الإسلام، وما سواه لا صلة له بالإسلام. القرآن والسنة، كلها تدور حول رفض الظلم ومقته، ومهما قيل عن الموازنة بين النهي عن المنكر، وما قد يجلب أحيانا من أثر سلبي أكبر منه، أو المقارنة بين الدكتاتورية والاستقرار من جهة وبين الديمقراطية والشورى والتشرذم والفتن من جهة أخرى. والأمر واضح والحدود والشروط لم تعد مجهولة، والأمة لم تعد في مرحلة الطفولة، ولو عكست بعض التجارب بعض المخاوف، فالشناقطة أهل علم وحذر ومسالمة. ولا مقصد للفتنة عند الأكثرية المؤثرة، والحوادث المعزولة غير مؤثرة في النهاية، ولا عبرة بها، ولا يمكن منع وقوعها، فلكل قاعدة شذوذ والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. فالداعون لرحيل ولد عبد العزيز، لا يقصدونه بشر، إلا بما يحكم به القضاء العادل، وأرجو أن نصطلح على فراره أو إستقالته قبل اللجوء لمقاطع الحقوق. ولا يقصدون الوطن أو الأمة إلا بالإصلاح التدريجي المتعقل النافع المنقذ. وما سوى ذلك، فلن يحدث بإذن الله. وكان الأولى بالشيخ الداعية العلامة محمد فاضل مفاجأة المشاهد بدعوة قواتنا وقوات أمننا إلى حفظ الاحتجاجات السلمية العادية، وعدم المسارعة إلى القمع، إلا لمن ضرب مواطنا أو آذاه في ماله أو حق من حقوقه فتلك المهمة الأصلية الشريفة للشرطة. وأن الجيش مؤسس لمهمة تقليدية جمهورية معروفة، هي حفظ الحوزة الترابية والحدود، وحتى الأمن الداخلي إن لزم الأمر، بعيدا عن الإنقلابات والتحيز إلى حاكم فاشل، يعمل لحاشيته ومصلحته الخاصة، وليس للأمة والوطن. والشيخ الفقيه حمدا ولد التاه جدير بنفس الأسلوب الحكيم الضروري في هذه اللحظة التاريخية الحرجة، بدل أن يقول على الأثير المباشر: "لا نريد الحريات". فمن لا يريد الحرية، ماذا يريد سوى نقيضها، الاستعباد والاستغلال والاستبداد، وظلمات العبودية، التي حكم علماؤنا بحرمتها، وحث الشرع على عتق ضحاياها، وأجزل الخير الدنيوي والأخروي، بركة في الحاضرة وأجرا وثوابا في المعاد والمآل. أما الحديث عن الفقه القديم، خصوصا في هذا الباب، فهو لا يجدي في حماية الظالم، مهما كان لونه أو نوعه أو حصنه أو منعته أو حجته المردودة. ولو أتى بكل الكتب الصفراء، ولو جاء بالمارودي نفسه، رحمه الله. انتهت اللعبة. فاحتفظوا بوقاركم، خير لكم، من الظهور في تلفاز الشعب المغتصب من قبل ولد عبد العزيز عبر انقلابين صريحين، وإنتخابات مزورة 2009، كما تعلمون، وكما يعلم الجميع. ويومها كان الشيخ محمد فاضل يجاهد مع ولد داداه من أجل التناوب السلمي على السلطة، دون ضرر ولا ضرار. أما شيخنا العالم الشاب الذائع الصيت محليا ودوليا أخي في الله محمد الحسن ولد إددو فهو ليس معصوما في أن يذهب إلى رأي أو فتوى لا معقب عليها، لأن شيخنا مالك بن أنس قال في هذا الباب، كل كلام فيه مردود ومقبول، إلا كلام صاحب هذا القبر. لكن الشيخ محمد الحسن نبغ في العلم مبكرا في مرتعه ومحله عند أخواله، وزينه بالدعوة، وهذه بعض أوصاف حمدا ومحمد فاضل، وزاد عليهما بسجن "يوسف"، سجن ظلمه فيه الرئيس معاوية عفا الله عنه، وكان من أبرز أسباب سقوطه على رأيى القاصر، والله أعلم.  العلامة الشيخ محمد الحسن بلغ مقام الاجتهاد على رأي البعض، والعلامة حمدا ولد التاه اعترف -تواضعا وربما حقيقة- بأنه مجرد ناقل عن علماء آخرين. والشيخ محمد فاضل مالكي، يكره المخاطرة، في أغلب تحركاته، رغم توجهه الاسلامي الدعوي المعروف، طيلة سيرته الميمونة. وعموما لا أظن أن اختلاف هؤلاء العلماء إلا فرصة لنا معشر الجهلاء المتابعين لمزيد من الاستفادة والحذر، حتى تكون انتفاضتنا سلمية جريئة على نهج المجدد الشيخ محمد الحسن ولد إددو وفقه الله وحفظه ذخرا للأمة المسلمة في كل مكان، وحذرة حازمة مسالمة على نهج الشيخ محمد فاضل والشيخ حمدا، الذين تركا ما بين السطور للتأويل والنظر، خصوصا بعض جوانب مداخلة الداعية محمد فاضل ولد محمد لمين، الذي دعا بصراحة إلى حياد العلماء على نهج الأطباء، على حد قوله.إن كان الحياد ممكنا إزاء الظلم الجماعي للأمة كلها. ومن لا يترك للناس حرية الاختيار في زماننا هذا ويكرههم على صنف واحد، من طرق الحكم، وهو الاستبداد وأحادية الرأي مع شيء قليل من الديمقراطية الصورية، ويحارب الناس في أرزاقهم. مثل هذا الحاكم قد لا تنفعه حيادية العالم أو حذره أو حتى دعوته لطاعته العمياء. وإن كان عموم الكلام لا يفهم منه طاعة الحاكم في غير طاعة الله. لأن الشيخين يعرفان جيدا، أن الطاعة، إنما تكون في المعروف. وكان الأولى عندي، بشيخنا محمد فاضل وفقيهنا الفاضل حمدا ولد التاه، أن لا يكون خروجهما في هذا الوقت المشبوه، المحرج الظرف والطابع. تقبل الله من الجميع، لأن المقصد على كل حال هو الخير للأمة كلها، وطلب الأمان من الفتن سائرها. وليطمئنوا، لقد أبلغوا في النصح، والرأي العام الوطني ناضج حذر مسؤول، والمستقبل سيكون التمكين لأهل الحق وحدهم. قال تعالى: "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون". ولا يخفى الغرض غير الغامض من إقحام بعض العلماء الدعاة في واجهة الإعلام المرئي بمثل هذه العناوين. فطريقة التفرقة، خصوصا في الأوساط العلمية والإسلامية لا يصعب فهم مراميها المباشرة المكشوفة. والشيخان حمدا ولد التاه ومحمد فاضل ولد محمد لمين، سيظل لهما مقامهما في أوساط سائر شرائح الشعب الموريتاني، وعلى وجه الخصوص تياراته الإسلامية المتعددة المشارب. وتاريخ الرجلين لا تختصره حلقة في تلفاز نظام ولد عبد العزيز. إنه تاريخ الإسهام الايجابي المتنوع، من أجل تعليم وإرشاد الموريتانيين إلى طريق الحق والاسلام، بمحجته البيضاء، التي لا يزيغ عنها إلا هالك. ولتعلم يا عزيز ومن معك من الحاقدين على آمال وطموحات هذا الشعب العظيم في الانعتاق والحرية والاستقامة على النهج الاسلامي الوسطي الجامع، أن منسقية المعارضة والقوى الإسلامية الواعية المحنكة، والوطنيين عموما، سيستلمون الراية بعد رحيلك المرتقب الوشيك بإذن الله. ولتصبر ولتدبر أمرك بتعقل قبل فوات الأوان، ونيل مصير مماثل لمصير طاغية مصر، أنت وبعض حاشيتك للأسف. فالشعب، الذي اعتديت على شرعيته وثروته وحرمته، بدأ يتحرك، وحذار من غضب الشعب، فهو حليم، لكنه شديد الغضبة والقومة والانتقام في حالة الإصرار على الاستخفاف بحقوقه وهيبته.

1. أبريل 2012 - 10:54

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا