سلفيو موريتانيا .. حراك مفاجئ ومطالب مشروعة / سيد أحمد ولد باب

altشكلت المظاهرة المفاجئة لناشطات التيار السلفى بموريتانيا حدثا بالغ الأهمية والدلالة ، وفعلا سياسيا مشروعا بعد سنوات من الحرب الدائرة بين الحكومة والسلفيين، والتغييب القسري لأصوات موريتانية مسؤولة رغم اختلافنا معها فى الكثير من الجزئيات وهو اختلاف له مايبرره.

ورغم أن المظاهرة كانت محدودة الكم ، مفاجئة للرأى العام، مرتبكة المسار والوجهة ، إلا أن المطالب التى رفعت فيها كانت مطالب مشروعة ومنطقية، والمظالم التى استعرضت فيها مظالم قائمة وحقيقية. ويجب التعامل معها بكل سرعة وشفافية من أجل إنهاء ملف مدم للقلوب مستنزف للطاقات مكلف للبلد، رغم بعض التجاوزات التى شابت حراك السلفيين خلال العقد المنصرم، والأفعال التى عكرت صفو الأمن داخل البلد ، واعطت لسدنة الديكتاتورية مبررا لمحاربة كل أشكال التدين ، والعبث بحريات المواطن ، واستسهال اعتقالهم وتعذيبهم ومحاكمتهم دون دليل أو تهمة. إن ملف السلفيين ملف بالغ التعقيد ، لكنه قابل للحل وإن الحراك القائم حاليا والتدافع السياسى الحاصل قد يمهد الطريق لحل كل المظالم ومظالم السلفيين جزء منها ، بعد أن تكون للبلد حكومة قادرة بالفعل على التعامل مع القضايا الوطنية بروح تفضل الصفح على الانتقام ، ولم الشمل على الفرقة والمستقبل على الحاضر. ليس غريبا أو مستغربا أن يطالب مؤمن بالله بتطبيق شرع الله على أرض الله ، وليس مستغربا أن يخرج الناس إلى الشارع للتعبير عن آراء يؤمنون بها ، أو أن يهتفوا سلميا لصالح رفع مظالم عانوا منها ، بل الغريب أن لا يكون للناس مبدأ ، وأن تظل المطالب مخفية وجهولة ،مبهمة المعالم وأن تظل المظالم حبيسة صدور ضحاياها. وليس غريبا أن تتعامل السلطة الحالية مع مطالب المتظاهرين من خلال سحب الشعارات، ومحاصرة المسيرة ، ومضايقة المشاركين فيها، فذلك خلق دأب عليه الرئيس وأعوانه منذ كان حارسا للعقيد المخلوع معاوية ولد الطايع. ولكن مع ذلك يجب أن نكون صادقين وصريحين مع الأخوة فى التيار السلفى من أجل مصلحة بلد يستحق كل الخير ، وشعب يعانى من ظلم النظام وأزلامه - وهم من دون شك جزء مهم من هذا الشعب المسحوق- وأمة تمر بمراحل حسم بالغة التعقيد بين أنظمة كبت تلفظ أنفاسها،وشعوب منتفضة من أجل الحرية والكرامة. صراحة تتطلب منا الإقرار بجملة من الأمور وتوضيح بعض النقاط الملتبسة ، دون التقليل من أهمية المسيرة أو مشروعية الفعل السياسى المعارض للنظام بغض النظر عن الفاعل ، فأصوات الداعين للعدالة مهما كانت مقبولة ومسؤولة. لا جدال فى أن أغلب نصوص الشرع معطلة ، وأن الفساد مستشري داخل البلد، وأن الرئيس ظالم لنفسه وشعبه ، وأن أغلب الوزراء لصوص بإقرار الرئيس نفسه ، وأن الفساد ضارب بجذوره فى البلد ، وأن القانون غير مطبق إلا على الضعفاء و المعارضين للواقع القائم ، وأن الفقر يضرب بأطنابه شرقا وغربا وأن جيلا من الشباب عانى من ويلات البطالة والتشريد ولكن كيف نواجه ذلك؟ وهل من الحكمة تشتيت الرؤية والتركيز أو إعطاء مبررات واهية لنظام يتقن فن الخداع والظلم ،ويتحين الفرص للاستفراد بضحاياه؟. إن مخاوف السلفيين من علمنة الدولة فى المستقبل أمر غير وارد ، فالنظام بعون الله إلى زوال والشعب هو صاحب الكلمة وسيختار من ينحاز لثوابته وقيمه وشريعته وموريتانيا دولة مسلمة والإيمان فى عروق ساكنيها، ولاعلم لى بشخص يدعو للعلمنة أو يرفض الشرع أو يحارب الدين ممن نأمل أن تؤول إليهم رعاية مصالح الناس،وإدارة الشؤون البلد الذى من أجله نناضل. كما أن التظاهر من أجل التذكير بمظلمة قائمة أمر مشروع ، بل يجب الإكثار منه ، والصدح بقول الحق خلق نبيل ويجب الاستماع إلى أصحابه ،وكشف فضائح النظام وتناقضاته جهاد فى سبيل الله يوفق له الله من اختار من عباده لخدمة دينه . لذلك يجب أن تكون مطالب السلفيين وغير السلفيين منصبة نحو هدف واحد ، هو رفض الواقع القائم سلميا، والتعبير عن المظالم بجرأة لا لبس فيها ، وفضح دسائس النظام بكل الوسائل المتاحة وتعزيز أى جهد معارض للنظام الفساد والدفع باتجاه حراك ينهى الوضعية المضطربة فى البلد لصالح نظام يستمد شرعيته ومشروعيته من دعم شعبى عريض وانجاز ملموس لصالح معتقدات الشعب وحرية الشعب ومعيشة الشعب وعدالة ينتظرها كل الشعب. ولتكن الوجهة واضحة ومحددة والمطالب هى ذاتها التى يرددها كل موريتانى حر ذاق مرارة الظلم فانتفض أو أحس بمظالم الآخرين فتحرك ، أو عرف قيمة العدالة فسعا إليها ، وأن نردد جميعا "أن ارحل يا عزيز لست والله بعزيز" .. وأعتقد جازما أننا حينما نوفق فى فرض نظام يحترم شعبه ، وحكومة وطنية غير ملطخة الأيدي بأموال الفقراء المعدمين ، وأجهزة أمنية ذات عقيدة وطنية واضحة ، ستكون الفرصة أمامنا مواتية من أجل إنصاف كل الضحايا مهما كانت المظالم عميقة والاتهامات كبيرة، ولنا فى تجارب الشعوب الأخرى عبرة ، لقد رحلت مظالم السلفيين واللبراليين والأخوان برحيل الحكام الفاسدين المستبدين ،واعترف بالجميع ضمن حدود الدولة الواحدة ،فكيف بشعب منسجم ومسلم وموحد ومتعارف كالشعب الموريتانيى بملايينه الثلاثة .

29. مارس 2012 - 15:18

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا