قرأت في الآونة الأخيرة كتاب “العرب: وجهة نظر يابانية” للكاتب نوبواكي نوتارهارا، وقد ارتأيت أن أطلع القارئ الكريم على فحوى هذا الكتاب ومحتواه لتعم الفائدة، ويرى المثقف العربي حقيقة وجهه عبر مرآة يابانية كاشفة لما خفي عليه من تجاعيد عقله وبثور فكره...
قضى الكاتب 40 سنة في العالم العربي باحثا في اللغة العربية وآدابها، قام خلالها بترجمة عدد كبير من الروايات والكتب العربية إلى اللغة اليابانية، مركزا على ثقافة البدو وعاداتهم في المجتمعات العربية.
وقد تطرق المؤلف في كتابه إلى بعض مشاهداته مع استنباطاته وتحليلاته الشخصية عن المجتمع العربي من وجهة نظر يابانية، فتحدث عن الفوضى في الحياة العامة والتي تتجلى مظاهرها في الشوارع والطوابير، والمرافق العمومية، وما تحدثه من توتر عصبي يظهر على وجوه الناس الذين يتبادلون نظرات عدوانية، وعبارات متشنجة.
وركز المؤلف على القمع والاستبداد السياسي، والفساد الإداري الذي تطبعه الرشوة والمحاباة، وانعدام الشعور بالمسؤولية بإتلاف الممتلكات العامة، مع الأنانية وازدواجية الشخصية، وغياب العدالة الاجتماعية وسيادة القانون.
الكاتب لفت انتباهه أن السياسي العربي المعارض يضحي من أجل شعبه بالنفس والنفيس، لكن الشعوب العربية لا تضحي من أجل مناضليها، فما إن يسجن أحدهم أو يتعرض للقتل والتنكيل حتى تتخلى عنه الجماهير وتكِل أمره إلى أسرته.
وأعرب المؤلف عن احترامه وتقديره لبعض الكتاب العرب من مختلف الأقطار حيث عالج قضايا عربية من خلال كتاباتهم، وقد اختارهم دون غيرهم، نظرا لثباتهم على مواقفهم ودفاعهم عنها، بينما لم يحترم الذين تخلوا عن مواقفهم وانهزموا أمام السلطة، خاصة أولئك الذين أصيبوا بتخمة إعلامية من كثرة حديثهم عن الديمقراطية التي يدعون إليها في كل محفل، لكنهم لا يطبقونها في مجالسهم العامة والخاصة، حيث يهيمن أحدهم على الحديث دون أن يترك لجليسه فرصة لإبداء رأيه وطرح فكرته ليخطف هو الأنظار وحده.
كما انتقد الباحث رؤساء الأحزاب السياسية المعارضة في العالم العربي الذين قال إنهم لا يقلون استبدادا وديكتاتورية عن الأنظمة الحاكمة، حيث يظل أحدهم متمسكا برئاسة الحزب إلى أن يموت ليترك المنصب ملكا لورثته وعشيرته الأقربين.
واستهجن الكاتب سلوك الناشرين في العالم العربي معيبا عليهم المتاجرة بالثقافة وسرقة الملكية الفكرية بنشر الكتب وتصويرها دون إذن من أصحابها، عكس نظراءهم في اليابان الذين يعملون في الحقل الثقافي من باب الهواية وحُب الثقافة وخدمتها فقط.
واستغرب الباحث من انعدام الثقة بين أفراد المجتمع، وبين الحكومة والشعب، وبين الموظفين وشركاتهم، قائلا إن العمال في اليابان يثقون في المؤسسات التي يعملون بها ويدافعون عنها ويصدقون إدارتها، لأن هناك عقدا أخلاقيا وعُرفيا يلزم الشركة بالمحافظة على مصالح موظفيها وإشراكهم في أرباحها...
يقول المؤلف إن العربيَ إذا حزبَه أمر، فإنه يلجأ إما إلى الماضي ليستقي منه حلا لمعضلته دون مراعاته لفارق الزمان والمكان، أو يفتح كتابا مقدسا يسترشد به، مع أنه قد لا يفهم معناه، أما اليابانيون فيستنتجون الأفكار ويستخرجون الحلول من واقعهم المعاش، وذلك باستخلاص العبر من تجارب الحياة التي يمرون بها.
الباحث سفَّه العقول العربية التي قال إنها تتعامل مع القضايا السياسية بالعواطف والمشاعر فقط، بعيدا عن تحكيم العقل والنظر في مآلات الأمور بواقعية وتجرد.
وفي مجال التربية انتقد المؤلف إهمال المجتمع تنمية مواهب الأطفال، وعدم احتضان الدولة للنبلاء المخلصين من مواطنيها، معربا عن استيائه من انتهاج المربين من آباء ومعلمين أسلوب الضرب للأطفال قائلا إنه سلوك همجي يعود الطفل على المذلة ويزرع فيه العزلة والانطواء وعدم الثقة بنفس...
تحدث الكاتب عن الكرم العربي بإعجاب شديد مقارنة بالكرم في مجتمع اليابان وعن ثقافة البدو التي تطبعها المروءة والشهامة والصبر ومقارعة الطبيعة والحفاظ على الكرامة والشرف...
كما ثمَّن المؤلف تعلق الشعب الفلسطيني بأرضه وتمسك المشردين منه في أنحاء العالم بمفاتيح منازلهم الأصلية في إشارة إلى تشبثهم بوطنهم وإصرارهم على العودة إليه مهما طال الزمن وادلهمَّت الخطوب.