قد لا يعو زنا التبرير عن الكتابة حول الوضعية السياسية القائمة أو التي سبقت بحكم أننا نخضع لها ومن ثم يكن لنا موقف منها بيد أن الخروج عن الأنساق الفكرية الموجودة فى الساحة السياسية والاجتماعية لرؤية التجربة الحاصلة أمر قد يكون من الصعوبة بمكان ذلك أن الأيديولوجيا الحزبية مع تجذر القبيلة والجهة أمور من بين أخرى تُغَلف وعي الكثير من المثقفين فتبعدهم من أن ينظروا إلى الظاهرة السياسية والاجتماعية نظرة موضوعية لا تحيز فيها ولا مزايدة
وسأحاول فى هذه السطور أن أحدد موافقا من الوضعية السياسية القائمة ولن تكون تلك المواقف مجردة أو معزولة عن المسار التاريخي للأحكام السياسية التي مرت على هذه البلاد ذلك أن محاكمة تجربة ما يجب أن يقاس على واقع قد حصل أو ممكن الحصول لا على المبادئ المفترضة أو الآراء المثالية البعيدة
ونحن إذا ما عادت بنا الذاكرة إلى أول مشروع للدولة يُقام على هذه البلاد مع الراحل المرحوم السيد الرئيس المختار سنجد أن الرجل لم يجد بدا من أن يعتمد على طرق المستعمر التى كان يسلكها للسيطرة على أهل هذه البلاد حيث كان يمرر فعله السياسي بواسطة شيوخ القبائل الذين سهلوا عليه التحكم واختصروا عليه الجهد
إن إرضاء ثلة من شيوخ القبائل مقابل التحكم من وراء ذلك الإرضاء فى رقاب الملايين يعتبر إستراتيجية سياسية ناجعة
وربما كان السيد الرئيس المختار قد اعتمد طريقة الرموز فى تمرير فعله السياسي لأنه بالفعل لم يجد طبقة سياسية مُعدة ومكونة سوى تلك التى كان يعتمد عليها المستعمر غير أن طريقة الرموز هذه ستكون خطرا ووبالا على أهل هذه البلاد حيث كُتِب عليهم بعد نظام السيد الرئيس محمد خونه أن تكون أطول تجربة سياسية يخضعون لها مع سيادة الرئيس ولد الطايع تتبنى نفس الطريقة
إن إستراتيجية الرموز الذين ينتجهم النظام على أساس المحاصّة السياسية والاقتصادية قد مثلت منعطفا حاسما وخطيرا هدد ومازال يُهدد وحدة وتماسك أهل هذه البلاد
لقد تم تطبيع السياسيين وعلى مدى 20 سنة فى عهد السيد الرئيس ولد الطايع على أن الولاء للنظام يساوي العبث بالمال العام حتى أصبحت ممتلكات الدولة فى عهده عبارة عن سهام قبلية يتسابق إلى هدرها والعبث بها رموز النظام فى هرج ومرج سياسي لا مثيل له .
ولقد كان لهذه الوضعية السياسية والاقتصادية المختلة انعكاسات خطيرة على الأبعاد الاجتماعية حيث أصبح الولاء للنظام والتطفل على فتاة رموزه يكاد يكون هو المصدر الوحيد للمال والجاه
وتبقى النقطة المضيئة فى النظام الحالي أنه استطاع - رغم معارضة موالاته - أن يفك الارتباط بين الولاء وأكل المال العام حيث أصبحنا نرى مواليا يساق إلى السجن بسبب فساده المالي دون أن يغني عنه عمقه القبلي أو بعده الطائفي
إن فك الارتباط بين الولاء والفساد فى ظل طبقة سياسية اعتادت أن تتوصل إلى الفساد عن طريق بيع مجموعاتها القبلية للأنظمة يعتبر انجازا حقيقيا يستحق التنويه .
ويبقى المجال المظلم والذي مازال يُسيّر بطريقة تعتمد الذوق والمزاج هو مجال الأشخاص.
ورغم التعميم الأخير الصادر من الوزارة الأولى والذي يستدعي من كل وزير أن يقدم خطة عادلة مبنية على معايير شفّافة على أساسها يتم تسيير الأشخاص والمصالح الأخرى فإن شيئا من ذلك لم يحدث بل اكتفى كل وزير بتمجيد الرئيس مقابل أن يسجل عليه حصيلة ظلمه وتسييره الوزاري الخاطئ