في ذكرى مولد الهادي / د.محمد ولد محفوظ

أيُّ دينٍ أقدسُ من عقيدة أخرجت الناس من "الظلمات" إلى "النور"، وسحقت الطقوس الدينية المزيّفة  وصحّحت الأديان السماوية المحرّفة، لتُقِيمَ مَحجّة بيضاء ليلُها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك؟

أيُّ يدٍ أكرمُ من يد تُعطي ما بين الجبلين أَنْعَاماً، ثم يرحل صاحبها ودِرْعُه مرهونة بِدَيْنٍ عند يهودي؟!
أيُّ عقلٍ أشملُ من عقل جَمَعَ بين "الحسنيين" فشيّد في الدنيا حضارةً حكمت العالم بالحقّ والعدل، ودَلّ المتّقين من عُمّارِها على حياةٍ سرمدية في الآخرة، وجنّةٍ عرضها كعرض السماوات والأرض؟
أيُّ إيمانٍ أصدقُ ممن غفر له ربّه ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، ثم يبيت قائما يصلّي حتى تتفطّر قدماه، ويُمْسي يستغفر ربّه ويتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة شكرا لله؟
أيُّ فكرٍ أنفعُ للناس من فكر أزاح قانون الغاب، وجمع في محبّة الله الرقاب، فائتلفت فيه قلوب لو أُنْفِقَ ما في الأرض جميعا على ائتلافها ما ائتلفت حَدَّ اقتسام الأهل والمال؟
مَنْ غيرُك اقتلع غابة الجهل الفيحاء، وسحق عصبية الجاهلية العمياء، ليرفع عمران إمبراطورية دينية ملأت بنور رحمتها وعدلها التِّلال والأودية، يمضي الراكب تحت ظلالها آمنا على نفسه وماله بُعْدَ المدينة من خراسان؟
مَنْ سواك صهر الحياةَ فجعلها إكسيرا من السعادة والإيمان والبرّ والإحسان؟
يا صاحب الخُلق العظيم والفضل العميم، يا وجه السَّعد، يا صادق الوعد، يا عفيف اللسان، يا ثابت الجَنان، يا عفوّا عند المقدرة، يا نصيرا للضعفاء، يا سندا للفقراء، يا متواضعا لو دُعِيَ إلى كُراع لأجاب، ويا رحيما شملت رحمته البشر والدواب! 
  إنّنا هنا ـ يا سيّدي يا رسول الله ـ في هذا الركن القصيّ من دار الإسلام، وفي هذه اللحظة الفارقة من تاريخه، يحقّ لنا أن نتساءل: هل مجتمعنا هذا وهو مجتمع العُجب وتضخّم الذات، مجتمع الجمود والعطالة، مجتمع الدجل والخرافة، هل يمكن أن يكون هذا المجتمع هو الذي وصفه القرآن الكريم بأنّه خير أمة أخرجت للناس؟! أَيُعقل أن يكون دينه هذا الذي يجاهر به فلا يتعدّى في الغالب ـ رسميا وشعبيا ـ الحناجر، وليس له من مبتغى حقيقي عند الكثيرين إلا الانتهازية والانتفاعية هو الدين كما أراده الله وجعله رحمة للعالمين؟!، أيجوز أن تصل تمظهرات التأسلم ـ لا الإسلام ـ إلى هذا الحد: "شريعة" مقصوصة الجناح، و"قانون" يدوسه "الكبار" ليدوس بدوره "الصغار"، و"سلطة" منتزعة بقوّة السلاح، و"برلمان" شرعيته هيمنة شيوخ العشائر و"بارونات" المال والجاه، و"سياسية" لا تعدو فنّ الخداع، و"براءة اختراع" تساوي النفاق أو لا تكون ، و"فقه" مدجّن يغلّفه التدليس، و"ثقافة" حدُّها الجامع المانع هو "القصّ واللصق"، و"اكتفاء ذاتي" بِرَسْمِ القروض والمساعدات الأجنبية؟! 
  عفواً، يا سيدي يا رسول الله، لقد حرّفنا كلّ شيء من بعدك، وهجرنا روح الإسلام وجوهره  وجعلناه مجرّد قشور وطلاء..!

 

10. ديسمبر 2016 - 17:42

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا