سيدي القارئ لست فى صدد تعديد مناقبي ولا فى صدد التعريف بشنقيط المدينة فشنقيط لها من أعلامها مر التواريخ ما هو كفيل بتقديمها وان كنت ضالعة فى مجال الاستمامة فى سبيل النهوض بها تأسيا بما كان عليه الآباء والأجداد وقد عرفت بشاعرة شنقيط،
لحضورها فى ذات ما أكتبه من شعر ونثر فهي حاضرة بي دوما طاغية على كنهي طغيانا معلوما ومرموقا إلا أنه فى وضع كهذا يهمني فقط أن أسرد الأحداث لا تشهيرا بأحد وإنما لوضع الحق فى نصابه والكشف عن خبايا ما يجعلها تكتنز معاناة جمة لا يطلع عليها من البرية إلا من أراد لها نصحا وقل من يريد لها ذلك من ساسة البلاد وقادتها وحتى المعنيين بها سلطة وتنظيما.
و أجدني غنية عن وصف ما تعنيه لي كمدينة غراء بتاريخها وأمجادها ومنها تمتد جذوري بها ولدت ونشأت فى كنفها وتربيت وقد سبقني فى ذلك الآباء والأجداد راسخين بها رسوخا عظيما على مر التواريخ والعصور وحضور عائلتي بها بليغ للغاية فلست إلا من امتدادات تلك العائلة التاريخية وثابتة بثوابتها متأصلة بأصولها وفصولها.
إذا فالحديث هنا عن حيثية أخرى لها طابع آخر وخلفية أخرى وهي مناحي ظرفية تولد مع كل حدث تشهده شنقيط منذ صرنا نميز بين الأشياء فنعقلها، هذه المدينة التاريخية الأبية والتى بها تتسمى موريتانيا ككل لا أحد يعنَى بأمرها حسب الظاهر إلا قلة قليلة كابرت من أجلها وهم وجهاؤها وان كانوا لا يجدون من الفرص لأجل ذلك إلا الفتات.
وفى عهدي هذا كان أن مر بها الحدث التالي وهو زيارة أخرى لرئيس البلاد ممشطا مسالكها تمشيطا عله يفطن لبعض كوامنها التى بسببها عزلت المدينة عزلا وعانت اهمالا منقطعا النظير وكان أن صادفني هذا الحدث بعد عودتي من المغرب مباشرة فأشعرت من جهات رسمية بضرورة الحضور لأنهم يريدون ذلك فشنقيط تحتاج الى أبنائها وبناتها، فى حدث جليل جميل كهذا، وكعادتي لبيت الدعوة راغبة لا راغمة فمن واجبي وأنا سليلة شغالي المفرط فى حب شنقيط المتوله بها أبدا الذائد عنها طيلة حياته ولكوني امتداده أيضا فى ذلك ورغم وعثاء السفر وتعبه بين البوادي والحضر والأمصار المختلفة لأجل خدمتها والإسهام فى صيانة صيتها.
حضرت ومرت الأحداث متلاحقة لأجدني أمام وجه يحاول صاحبه الابتسام مغتما وهو يطالعني بعد أن قدمت نفسي له تقديما أراه كافيا بالنسبة لي، قال مقتضبا كأنما ألقيت عليه حملا ثقيلا، وعينه على الورق بعد أن أمعن النظر فى السيدة التى تطالعه بالنسبة (للأماسي الثقافية ).مضيفا هناك لجنة مختصة وبالنسبة للقاء رئيس الجمهورية فلكل مقاطعة حاكم يقرر أشخاصا عنها ما يخصني هو التوقيع على من تختاره وترشحه الحكام وختم كلامه بامتعاض بالغ تقبلت الأمر رغم كوني لا أجد حائلا يحول بين والي منطقة وخياراته لها طور تقديم من هو أحرى بالتقديم وان كان ليس لي حاجة بتأخير أحد.
خرجت وأنا أجد حيرة فى نفسي كبيرة ترى ما به السيد الوالي (الشيخ عبد الله ول أواه)؟.
وكأني أدوس له على طرف وما حاجتي بهذا أصلا لولا أن الزائر يهمنا وعلينا اطلاعه على كافة احتياجات أهل المنطقة ولفته لأحوال الناس لولا أنها فرصة عليها تتعلق آمال الجميع للحد من معاناتهم لخرجت دون نية للعودة ما بال وجهه مسودا وهو كظيم! واشتبكت مع شبكة اتصالات لا تتوقف منها حشرت فى مسطرةُ من الاجتماعات بين مدينتي شنقيط وأطار فى أسفار مهلكة صحيح أن المسافة بينهما لا تتعدى 80 كيلو انما هذه المسافات كنت أقطعها مرات متوالية بمعدل مرتين بين اليوم والليلة بلا هوادة فالجماعة لها شأن بذلك وأخيرا تقرر أن يرسم اسمي على رأس الحاضرين عن مدينة شنقيط وأني هي المرأة الوحيدة التى ستتكلم عن أوضاعها هكذا أشعروني وهكذا تفانيت من اجل ما أشعِرتُ به.
وجاء اليوم الموعود وأرهقنا صعدا من الانتقال بنا من حيز لآخر هنا ليس اعتراضي على أساس أن أحشر كأي مواطنة أخرى بين صف العامة من الناس نتدافع من شدة الزحام وقوته ولكل منا فى خلده آية من قول يريد لفت انتباه رئيس الجمهورية بها إلى واقع مرير معاش واقع يزري بالجميع ويكبده من الحرمان والمهانة أقصاهما واقع يفصل المواطن فصلا عن حقوقه أدناها وأقصاها ويخنعه تحت رحمة سطوة من الاهمال والتهميش قتالة انما لأنه كيف حدى بهؤلاء من الاستخفاف بالمواطنين الى درجة ايهام كل شخص منهم على حدة أنه المقصود بهذه الزيارة ليطرح طروحه ويبدى اشكاله و بذات الوقت يدفع به فى زريبة أو ما يشابهها قياسا وهو مكمم بابعاده عن دائرة الكلام قسرا ولكي لا يعلم الرئيس من أمره شيئا فقط انما هو ذات السيناريو واللعبة المتبعة منذ عقود على أساس أن يرى سائس البلاد ورئيسها حشودا عظيمة من بعيد توهمه أن له ولاء قمة الشعب وقاعدته على حد سواء فالشعب معه جملة وتفصيلا فى نطاق جولاته وحملاته وليس عن قرب ليسمع منهم.
فإما أن يكون الرئيس مغالطا فى شعبه وإما أن يكون مستميتا لأجل النهوض به ووراءه أناس يغيبون الأحداث فيطمرون الحقائق طمرا وإلا كيف حدى بهم اهانة حتى هذه القامات الفارعة لزجهم فى عروض بشرية صورية الحضور والشعب أكثر حبكة وذكاء وحنكة بقويه وضعيفه من أن تنطلي عليه هذه الأحاجي وبمقدوره فعل الكثير خدمة لوطنه إلا أن جو الملابسة والإيهام والمذلة يمنعه من ذلك منعا جرعت كغيري تلك المعاناة نذاد عن مكرفون الرئيس حتى لا نسمعه من الحقيقة التى نعيشها شيئا كما تذاد الشاء وكنت فى محاولات فاشلة أواجه وجه السيد الوالي وأشير له أني فلانة التى استحضرها من أجل كذا إلا أنه يمعن بي مليا ثم يصرف بصره عني بعيدا غير مهتم شعرت بارباك شديد وخيبة أمل ذريعة ما الذى جنيته لأقابل بمصير كهذا؟.. وأنا التى لست تواقة لمثل هذه التجمعات وأكره أن أخرق الحشود بل أتهيب الزحمة فى كثير أجدني عالقة بين الأجساد المنهكة حشرجاتنا متشابهة وأناتنا وصيحاتنا تطابق بعضها ياله من وضع وضيع هكذا حدثت نفسي وأنا أراني وسط شباك محكم لا يمكنني عنه التقدم خطوة ولا التأخر أخرى ولا حتى الخلاص أيضا وبات الوضع هكذا الى أن جاءت لحظة فصل وقدمت تلك الانسانة صاحبة الملامح البريئة والوجه الذى عليه من علامات الصدق الشيء الكثير(خديجة بنت أكليب). وأخرست جلجلات الهراء بتعبيرها عن نبض الشعب، لله درك قلتها وأستطعت عبرها أن أرسل آهة وأخرى لا تزال عالقة ولا أعرف متى يمكنني بثها أبثها بعد هذا المقال أم أكبت..؟
الشاعر والكاتبة/ ليلي شغال أحمد محمود