تذكرني التظاهرة التي نظمتها الموالاة أو الحكومة على الأرجح ضد الرشوة بدعوة رئيس الحكومة الليبية عبد الله الثني للعصيان المدني في طرابلس، في حادثة غريبة سجلته كأول رئيس دولة يطالب بالعصيان المدني بسبب تغول المليشيات المسلحة المتحكمة في البلاد و العباد منذ الإطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.
تذكرني كذلك شخوص الحكومة اليوم في "تظاهرة الفساد" بالهياكل العظمية للسحرة في فيلم هاري بوتر الشهير، وحتى لا أقول بدراكولا مصاص الدماء.
اليوم تدق طبول الحرب على الفساد احتفاءا بالعيد الدولي لمحاربة الرشوة، و تنديدا بداء الفساد المستشري، الذي قصم ظهر الدولة، ولم تستطع معه البلاد منذ عقود من الزمن أن تقوم لها قائمة، لكن المفارقة ان تتظاهر الحكومة ضد نفسها حيث أن غالبية المفسدين هم قياديون بارزن في الموالاة لأنهم هم من يتولى المناصب الرفيعة بطبيعة الحال.
وجل المساجين بتهمة نهب المال العام من داعمي النظام ولعلها حسنة تسجل له، أن يزج الموالين له بتهمة الفساد في غياهب السجون، لكن بالمقابل يقول قائل كيف يتم سجن وزراء بتهم الاختلاس والاضرار بمصالح البلاد وابرام صفقات مشبوهة وخيانة الأمانة ويعادون بقدرة قادر إلى حضن السلطة الدافئ، بل ويقيمون بالقصر و يتجولون بحرية في دهاليز مؤسسة الرئاسة، ويديرون أكثر الملفات حساسية في البلاد كمستشارين مؤتمنين.
وتعليقا على تظاهرة اليوم تساءل مدونون عن صفقة شراء الاقمصة والقبعات التي كتبت عليها عبارة ضد الرشوة، كما سأل ولد عبد البركة وهو بالمناسبة مدير في وزارة التوجيه الإسلامي الوزير ولد اهل داوود اليوم خلال التحضير للتظاهرة: ما حكمي انا وانت في قبول الهدايا الا تعتبر رشوة؟ .
إن الوزارة التي يفترض بها أن تحيي سنن الدين ومن واجبها أن توجه باقي الوزارات نحو الاخلاق الإسلامية الحميدة احتراما لعنوانها على الاقل، لا تستطيع أي شركة في العالم ان تنظفها من المحسوبية والرشوة، فعندما تجد الحجاج يتظاهرون بالصحون أمام الوزير ولد اهل داوود في الحرم المكي بسبب رداءة الخدمة فكبر على الوزارة والوزير ، وعندما تسمع صراخ الحجاج وألمهم من وراء كميرا قناة الموريتانية ومحرري الوكالة الموريتانية للأنباء وإذاعة الخدمة العمومية، فاعلم ان الامر جلل، ويشي بأن فضائح الموسم اكبر بكثير من قضية الصحون الشهيرة.
وعندما يسمح وزير العدل لنفسه بترشيح جماعة من اقاربه للتعيين في مناصب سامية في سلك القضاء خلال اجتماع المجلس الأعلى بينما يرمى بقضاة اخرين ليسوا اقل كفاءة في تخوم موريتانيا العميقة، وفي اماكن لا توجد بها محاكم اصلا، فاعلم أن العدل بعيد المنال.
وعندما تخترق خطوط الكهرباء، واعمدته الخشبية النتنة محيط نواكشوط وحاراته البائسة لتضيئ حائط هيئة الرحمة النائي فاعل أنك بموريتانيا.
وعندما تذهب الحكومة قدما في عرض مبنى سفارة بلدها بواشطن في المزاد العلني رغم موقعها المميز فلا يساورك شك بأن سمسارا يدق مسماره في نعش السفارة الشامخة بالقرب من البيت الابيض.
وعندما يقوم وزير البيئة برفض الترخيص لأحد المشاريع بعد استشارته من وزارة المعادن بسيل من المبررات البيئية والقانونية ويمنح ذات الرخصة لشركة منافسة فاعلم ان رائحة الرشوة تفوح من الموضوع.
إننا اليوم كمن يقتل القتيل ويسير وراء جنازته، فهناك من يتظاهر لرفض الرشوة، ومن يتظاهر برفض الرشوة، وهم الغالبية كما شهد بذلك وزير المال الذي اكد بأن رعاة الفساد يستبسلون، فطبول الحرب التي تقرع لا تخيفهم، ولا تحرك شعرة منهم.