البدء :
في مكتوبي قبل الأخير -ان كان يستحق هذا الوصف -اعتنيت ما أمكن بشرح :المرونة والجمود ,المذهبين المعروفين في فقه الدساتير قصد تعميم النفع بعد أن سال مداد كثير وتبودلت – بضم الأولين وكسر الدال - خطب حول التعديلات الدستورية .
الموضوع :
ما لا نختلف حوله أن الدستور ذو أبهة وهو فوق القوانين العادية وله من الاعتبار ما ليس لغيره إلا أنه في بعض مواده شرع تعديله وعليه فمن العناية به احترام ما جاء فيه وأي توجه للقفز علي ذلك لا يشكل خروجا عليه بل هو عين التعديل –ليدرك ذلك الساعون الي شبه تحريم التعديل .
أما الذي لا يدركه البعض فهو أن تحريم التعديل هو التعديل بعينه : حين يبوب الدستور علي التعديل ونبحث عن تحريمه نكون عدلناه من غير قصد أوبه .
هذا المبحث قد يحتاج مقالا كاملا يبحث في عديد مقاربات أصحاب الاختصاص مع أن المؤكد أن أي خوض وبحث في اغلاق باب التعديل بعد التنصيص عليه يشكل هو الآخر خروجا علي النص السامي كما أن أي منحي في اتجاه كهذا ان يوفق يكون تعديلا للدستور .
لماذا هذا الجدال حول الدستور؟
ليس صدفة انني تعمدت السؤال ب: لماذا اذ أمور الدستور أقرب الي الفلسفة منه الي العلم ذلكم أنه نصوص في مواد وأبواب تقصر وتطول لا تتطلب ولا تحتاج الاستدلال كما لا يكمِل لاحقها السابق–هذه من عندي- وكذلك ما ندخل عليه من تعديلات يقاس علي قاعدة التناغم السياسي الذي لا يكون بالضرورة علميا.
ومن يتفطن الي الدستور-أي دستور- يجد أن المواد في أغلبها في جمل اسمية تفيد التقنين والتأكيد والتوكيد و لا تحتمل التأويل .
ومع ذلك فالملاحظ أنه حتي مع الحرص علي أن تكون المواد صريحة نجد أن المتعلق بالحكم وكأنه يصلح لأن يؤول أما ما ينظم العلاقات العامة وأحوال الناس الاجتماعية فغالبا ما يجيء واضحا .
ورأيي الشخصي أن الأمر متعمد و ليس معناه أن تلك المواد غير دالة بل هي فقط تفتح الباب للتفكير والتحاور والجدال والنقاش والتفاهم من لدن حاملي الهم العام للأمة وذلك لمالها من أهمية اذ بها يتم اختيار ولي أمر الأمة .
التعديل:
نشأ الدستور ليكون نصا ساميا يتم التحاكم علي ما فيه ويتنازل الكل لصالحه كي لا يكون هناك غالب أو مغلوب هو اذا متواضع عليه وذلك بعد الثورات علي العرش التي عرفتها الأمم العريقة –تسمية من عندهم- لتجنب الصدام والسماح بالانتقال السلس من حاكم لآخر عن طريق الاقتراع ,هو بهذا المفهوم حل ولا يمكن أن يكون إلا كذلك.
مقولة ذات صلة :
لا زال يحضرني قول روسو : ما يتنافى وطبيعة الأشياء أن تفرض الأمة علي نفسها قوانين لا تستطيع تعديلها أو الغاءها ولكن مالا يتنافى وطبيعة الأشياء أن تلتزم الأمة بالشكليات الرسمية لإجراء التعديل.
وتأسيسا عليه لا يتصور العقل الخالص وجود كتاب نخلقه لنضبط أمورنا المتغيرة ثم نجعله جامد ا مع أنه وحده المعول عليه في الحل , انه اذا سيصبح المشكلة !
ولأنه لا أحد يمتلك زمام الأمة والأمر شوري فقد علمتنا التجربة أنه ما ان يسود الحوار تتجاوز الصعاب –بضم الأول وفتح الثاني –أيا كانت .هذا من ما يحمد الله عليه .
فلنعلم جميعا أن النصوص نضعها لخدمتنا وجائز ان نغير فيها :اضافة و تعديلا أو الغاء وهي لا يمكنها بأي حال الخروج عن طوق صانعها وان كنا جميعا نتفق علي منزلتها الخاصة العالية.
طبيعي أننا نحترمه :
لا نحتاج الي تبيان اهمية الاتفاقات التي نعمل والمواثيق التي نصدق,فالطبيعي انها تنال منا الاحترام ,اذا لم نكن لنعتبرها أولا يكون وضعنا لها سفها ؟
لن يكون سفاهة فقط بل وازدراء لذواتنا قبل كل شيء وإلا فلم انشاؤها ؟
وإذا كان موقفنا من تلك القوانين هو ذاك فما بالك بالدستور الذي هو الأساس ؟
بالطبع ليس لنا إلا ان نقدر مواده وأبوابه والديباجة .
ان حديثنا عن ضرورة التعديل والإلغاء اذا ما كان احدهما لازما لا يعني الدعوة الي الثورة علي الدستور ولا ينبغي له بل الواجب العض عليه , لا نغيره ولا نبدل فيه إلا لضرورة جلب صالح عام ودفع ضرر أكيد.
زد عليه أن التفكير في ابداله وتغييره لا ينبغي إلا لأصحاب الرأي السديد في الأمة لا يفعلونه إلا عن حاجة ماسة مدركة –بتسكين أو اسكان الدال وفتح الراء-من الغالبية ومرتبطة بازدهار الأمة ووحدة رأيها .
ويبقي المرتجي من العامة ومن غيرهم وخاصة أصحاب الشأن العام ادراك قيمة الأحكام التي تتفق الأمة عليها وأنها نتاج تفكير علي فترات ومدد طويلة ولأن أغلاها بداهة هو الدستور الواجب الرجوع اليه في عديد القضايا ومن واجب الجميع اجلاله .
لا ينبغي اللجوء الي التعديل والإلغاء –وهو النسخ - إلا اذا لزما ضرورة علي أن نأتي بالبديل الأخير-بتسكين الخاء- أو بالمثل الذي نتفق علي فائدته .
ومع ذلك فستبقي استثناءات تلغي و تعدل وهي خارجة عن ارادة الأمة مردها الثورات وانتزاع السلطة بالقوة إلا أنها لا يقاس عليها فالمدار علي تصحيح النهج في نهاية المطاف .
التعديلات بعد أن تتم يدافع عنها الجميع :
-دستور 91 أقامه الرئيس الأسبق بعد حرب الخليج وطائفة من المؤمنين رفضته وسياسيون اعتبروه لعبا وشكك كثيرون في نتائج الاقتراع المتعلقة به التي ناهزت المائة في المائة.
والحاصل اليوم أن جزء من الأمة يدافع عنه لا يريد به مساسا ,فهل نسي هؤلاء أنهم ما وضعوه وما صوتوا له ولكن هيئ لهم.
-نعلم كذلك أن حوار 2011 وقد غاب عنه البعض ,ونتائجه اليوم يدافع الجميع عنها باستماتة ,ليت شعري :هل نحن واعون لأفعالنا ؟
أو كما يقول عنا البعض :ننسي بسرعة.
وقياسا عليه :كل التعديلات المنتظرة وبعد مدد ستجد من يباركها ,تلك سنة الدساتير :المواقف منها متغيرة كل حين قد يكون بفعل الادراك المتأخر لفوائدها أو أنها ما ان تتم دسترتها تحوز نصيبها من السمو في النفوس تماما كا الدستور نفسه .
والي أن يقوي فهمنا للقوانين باحترامها وإدراك أهمية الانصياع لها فمن الوارد اختلافنا لا خلا فنا علي بعض الأشياء علي أن نقوم جميعا بما في الوسع لتضييق الهوة خدمة للمصلحة العامة التي ما أنشئ الدستور ولا عدِل ولا القوانين إلا من أجلها .
مع رجاء الخير للجميع ...