ما أحسن أن يكون للوطن حزب، وأن تصادف ذكرى تأسيس ذلك الحزب ذكرى الاستقلال، وأن يحتفل شبابه بذكرى تأسيسه تحت عنوان "رفض للرضوخ.. وتعبير عن الصعود".. ويكون رئيس الحزب محمدا وكوريا وابن عربي، ومن أعز أصدقائي من الاتجاه القومي.
إنها إذن لظاهرة نادرة وثمينة في بلاد موبوءة بقطعان الأحزاب والجمعيات المستنسخة والمعدلة وراثيا.
بيد أن أمورا غريبة وردت في إيجاز صحفي منسوب لهذا الحزب جعلتني أرتاب كثيرا في الأمر، ومنها مثلا:
1. التعتيم على حصيلة عمل الحزب. ففي الحديث عن عطاء الحزب الزاخر عرض فلم وثائقي أعدته أمانة الإعلام عرج على أهم المحطات التي مر بها الحزب. ولكن الإيجاز الصحفي المخل حرم غير الحاضرين من الإلمام بتلك المحطات التي صارت بسببه كما في أحاجي الأطفال: "ذاك هو، وأين هو". وقد تمادى هذا التعتيم فشمل "عطاء الحزب" في كلمات أمين الشباب والطلبة وممثلي الأحزاب الأخرى الذين طالبوا "بضرورة العمل المشترك من أجل موريتانيا"! وهو شعار فضفاض.
2. تقديم التأخير. ومن عادة الأحزاب أن تحتل السياسة مركز الصدارة في برامجها ونشاطاتها. وهذا ما تم عكسه في عرض نسب لرئيس الحزب كانت الأولوية فيه لاستهجان "وضعية النقل الجامعي وخاصة لكليتي الطب والآداب؛ حيث قال إن "الطلاب أصبحوا في خطر بعد عجزهم عن الحضور للدروس، كما بين أن الوضعية الأمنية المتردية لسكان العاصمة والداخل جد مغلقة (هكذا ورد) وكذلك الوضع الصحي للمواطن، والانسداد السياسي؛ موضحا خطورة الفترة الراهنة محليا ودوليا...".
3. دعوة الشباب إلى المجهول. ومن المعلوم بالضرورة أن الأحزاب تنتهز هذه الفرص الثمينة لتدعوا شباب أوطانها إلى عمل ملموس وترفع شعارات محددة تلخص أهدافها البعيدة والقريبة. إلا أن الخطاب المنسوب لرئيس حزب الوطن حسب الإيجاز شذ عن القاعدة فدعا "الشباب إلى عدم الانشغال بالملهيات عن هم الوطن.. وحث الشباب على تحمل مسؤولياتهم لإحداث الانقلاب المجتمعي، والضغط على أصحاب القرار لإصلاح الوضع؛ مطالبا الشباب الحزب إلى (هكذا ورد) تحمل مسؤوليته ودوره في نقل الرسالة الحزبية إلى المناضلين البسطاء؛ مؤكدا أنه يجب تبني قضايا الفئات الهشة من المجتمع والاحتكاك بالبسطاء من أجل إيصال الخطاب لجميع مستويات المجتمع، وبتجميع عناصر القوة لبعث الأمل عند الجماهير وليكون الحزب هو الشمعة التي تنير ضرب (هكذا ورد) هذا الشعب الذي يعيش في دجى الظلم والفقر والمرض...".
4. ترى ما هي الملهيات التي لا ينبغي اشتغال الشباب بها؟ وما هي المسؤوليات التي يجب على الشباب تحملها؟ وفيما ذا يتجلى الانقلاب المجتمعي؟ وما هو الفرق بينه وبين الانقلاب العسكري في مفهوم حزب الوطن؟ وما هي الرسالة الحزبية التي يجب حملها إلى المناضلين البسطاء؟ ومن هي الفئات الهشة وما هي قضاياها؟ ..الخ. أسئلة كثيرة لا يوجد لها جواب في العرض الذي أورده الإيجاز.
5. التركيز على "خطورة ولاية الفقيه الفارسية وعملها على بث التفرقة والفتنة وتفتيت المجتمعات العربية عموما؛ وخاصة داخل المجتمع الموريتاني". لا شك في أن كثيرا من القوميين والإسلاميين يحلو لهم الاستثمار في معاداة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومحاولة دق إسفين بين المسلمين السنة والشيعة لأكثر من سبب. ولكن ما هو الخطر الذي تمثله ولاية الفقيه على المجتمع الموريتاني؟ وأي فقيه من فقهائنا يعني هذا العرض؟ ثم لما ذا يبالغ بعض القوميين والإسلاميين في تهويل خطر إيران والشيعة والتشيع، ولا ينبسون ببنت شفة واحدة عن احتلال وتدمير ومسخ واستلاب إسرائيل وأمريكا وبريطانيا وفرنسا والصهيونية، أو عن التنصير؟ فهل تحررت فلسطين وغيرها وتوحدت الأمة العربية وأصبح الإمبرياليون والصهاينة أصدقاء للعرب والمسلمين والبشرية؛ أو حملانا وديعة لا تؤذي أحدا؟
6. من حيث شكل الإيجاز الصادر عن حزب قومي عميق الجذور لم أستسغ ورود عبارتين غريبتين في نص مستخرج من مصدرين مختلفين. والعبارتان هما: "أن الوضعية الأمنية المتردية لسكان العاصمة والداخل جد مغلقة"... و"وليكن الحزب هو الشمعة التي تنير ضرب هذا الشعب الذي يعيش في دجى الظلم والفقر والمرض..." فلماذا يضرب شعب يعيش في دجى الظلم والفقر والمرض؟ وإذا كان لا بد من ضربه، أفلا "تكفيه شكوة واحدة" كما قال الشيخ المختار بن بونه رحمه الله؟!