موريتانيا 2012: الجفاف والإحتجاجات والسنوسي / عبد الفتاح ولد اعبيدنا

altأما الجفاف فقد تجاهله تماما في انواذيبو ولد عبد العزيز وقال بأنه لم يخيم إلا على المعارضة، وكأن المعارضة هي التي منعت القطر. الإحتجاجات آخرها المهرجان الحاشد لحزب "تواصل"، والذي شارك فيه الآلاف على منوال مسيرة المعارضة 12 مارس، وكان الشعار الرئيسي لهذا المهرجان: "إرحل".

والسنوسي حل ضيفا في وقت عصيب، وهو من جهة ليس بريئا مثل غمام المزن، بل بعيد من ذلك، فجرائمه المدعاة لا تمنعه من حقوقه الإنسانية والقانونية التي قد لا تكون مضمونة –تماما-في ليبيا، الطرف الأرجح في طلب التسليم، لأن ما جرى مع القذافي وابنه يؤكد اختلالا واضحا في منظومة التعامل الأخلاقي والقانوني مع الأسير والخصم عموما. إن الثورة الليبية، ثورة ضد الظلم، لكنها متفلتة الأزمة في عدة مجالات، وإن كان هذا شيء طبيعي في المراحل الأولى. ومحصلة المعطيات لا تشجع على تسليم السنوسي لليبيا، وأما تسليم عربي مسلم، لغيره في مثل هذه الظروف الدولية، التي يتجبر فيها الأمريكيون والإسرائيليون، ولا يعاقبون ولا يسلم مجرمهم عند الطلب، ولا حتى ينظر في أمرهم، فهذا عار لا نقره. أين الصهاينة، ورموزهم على وجه الخصوص، الذين فعلوا بالفلسطينيين وغيرهم ما فعلوا؟  أين الأمريكيين الذين عذبوا العراقيين أبشع تعذيب في سجن "بوغريب" بالعراق، وأين الجندي الأمريكي الذي قتل 16 أفغاني مدني في وقت واحد، وفي غير ساحة حرب، وأين من مزقوا المصحف وأهانوا كلمات الرحمان؟!. لقد استجار بنا ولا معنى لتسليمه في الوقت الراهن، وإن فعل ولد عبد العزيز ذلك، فسيدفع الثمن سياسيا وتاريخيا. إن الموريتانيين مضيافين أصحاب نخوة، والرجل مطارد مهيض الجناح. وقد استجار بنا في وقت عصيب... لقد عانيت هذه التجربة إثر كتابة مقال صحافي، فحملت من دار عربية إلى أخرى، في مشهد مذل هابط، سيذكره التاريخ يوما ما، دون تحريف، والتسليم طريقة سيئة بشعة، لا تتلائم مع الكرامة الإنسانية. موريتانيا 2012 مع الجفاف وبوادر الثورة وعقدة السنوسي، حالها لا يثير الحسد، ولا يبعث على الارتياح وهدوء البال، بل يدفع إلى الاستفسار الدائم والتأمل الطويل. وتلك حالة أغلب الموريتانيين فهم يسألون على الدوام، كل وطريقته في التعبير، المركب إلى أين يسير، وسط هذا الموج المتلاطم من الأزمات المتنوعة وغموض المصير والمآل. وأقول في هذا المقام للتاريخ وبصراحة إن تجربة القذافي في الحكم هي نفسها تقريبا تجربة سائر حكام العرب دون إستثناء تقريبا، الاستبداد واستغلال السلطة والثروة بطرق غير سليمة، لكنها مشابهة لواقعنا السياسي المهيمن على أمتنا منذ قرون. وبالنسبة لنا -بغض الطرف- عن هذا الجانب الطاغي على كل الأنظمة العربية المعاصرة، بل والعتيقة في العهود الغابرة، فلقد كان القذافي رحمه الله، صديقا للموريتانيين. لقد أقام في أرضنا مراكز ثقافية ومصرفا مازال قائما، وزارنا في فترات متعددة، وولد عبد العزيز أكل المال الليبي في عهد القذافي ونظامه الدكتاتوري ومول به حملته المزورة النتائج، وليس من اللائق في الوقت الراهن، أن يتنكر الجميع له ولزبانيته، فلتترك سياسة ليبيا لليبيين، ولنخرج منها غير فاتنين ولا مفتونين، إن أمكن ذلك، بإذن الله. والسنوسي هذا أقل ضرره من الزاوية الأخلاقية والقانونية، أن لا يسلم ويترك على الأرض الموريتانية، حتى ما شاء الله. وأوضاعنا في المقابل، أحق بالدراسة والعلاج، مما نعانيه اليوم من أضواء إعلامية خادعة يسبب مجيء هذا الضيف المثير، والتأزم المتواصل يستدعي جلسة طويلة مع الذات، عسى أن نخرج من ورطتنا السياسيه دون سفك للدم الموريتاني الغالي، أو تهديد لمشروع دولة يعاني أكثر من أي وقت مضى!!!. فحال البلاد في هذه السنة الشهباء مرجح للانفجار، إن لم نبادر لتلافي الخطر المحدق من كل صوب واتجاه. ويبدو أن حالة الطقس السياسي غير مرشحة للتبدل القريب على الأقل. فحزب "تواصل" يقرع الطبول، ويدعو لرحيل الانقلابي العنيد. ومنسقية المعارضة تستعد لمخاطبة النظام بمشروع سياسي لإنقاذ الوضع من خطر الانفجار والمواجهة، قبل أن تقرر النزول إلى الشارع، بشكل صارم، لا رجعة فيه. وسعر المازوت في صعود مذهل، وسط انشغال الجميع، بما لا يعنيه من أمر السنوسي، وأحداث إقليمية ودولية. والأسعار لا يخفض منها إلا أسعار ما يباع لماما من مواد محدودة، بكميات محدودة، وفي أوقات محددة وأماكن محدودة، وبصورة بشعة طابعها الصدقة والزحام. أين منفذ الخروج؟.، فلكل مركب منفذ خروج في حالة الطوارئ، كما يعلم المسافرون على متن البواخر والسفن. أم سيبقى الحال على حاله في ضغط مستمر متصاعد، إلى أن تحين لحظة الانفجار، لا قدر الله. إن منسقية المعارضة والسلطة القائمة بغض النظر عن شوائب شرعيتها الكثيرة، وكذلك قوى المجتمع المدني والأوساط الواعية في كل شريحة وقطاع، مدعوة للتحرك السريع، لتجنيب البلد، مستوى لا يقدر عليه، إن كان عندنا عقل أو بقية رشد وإدراك. عزيز، لا تورط نفسك فيما قد لا تصبر على عاقبته، فالشعب إن تحرك لا يكفي لردعه بعض الجند المأمورين المقهورين على تنفيذ الأوامر، فهل نفع غيرك هذا السبيل. والمعارضة لا تستعجلي المواجهة فآخر الدواء الكي. والوضع على كل حال لا صبر عليه. سلطة عنوانها الانقلابات والتزوير والزبونية. تعطي لمن لا يستحق حق المحروم المغبون المستحق. هذا لا يستقيم، عقلا ولا شرعا ولا عرفا. و"العدل أساس الملك". "ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك". فهل من متعظ؟ هل من مذكر؟ إن الأفق مليء داكن، بسحب الفتن، إن لم نبادر قبل فوات الأوان. واحسرتاه على وطن يسام الذل والهوان كل وساعة ولحظة، ولا يكاد يفيق لمأساته إلا القليل من أبنائه. الجميع بدأ ينتبه لضعفنا، المغرب أرسل إلينا السنوسي في إحدى طائراته، فلماذا يخصنا بهذه الهدية المسمومة –إن ثبت هذا التأويل- والجزائر تتفرج على تخبطنا، وأسلوبنا الهزلي-غير الحذر- في مواجهة القاعدة وغيرها من التحديات المجاورة. ومالي مرتاح لأنه وجد من يتحمل بعض مواطنيه اللاجئين، الهاربين من الحرب والجوع والتمييز. ووضعنا الداخلي غير المستقر، وغير المتوجه نحو الحسم الإيجابي، يغري بنا أعداءنا، داخليا وخارجيا. فلننتبه، ولو لساعة تأمل عابر مشوش. فموريتانيا، لا يحميها إلا إسلامها وهويتها الحضارية الجامعة المستندة إليه. أما ما سوى ذلك، فهو التنوع والتجاذب، فالعرب يريدونها، عربية إسلامية في المقام الأول. والزنوج يريدونها إفريقية مسلمة، دون وصف عربي صريح. ومن داخل النسيج العربي نفسه، تتصاعد أصوات بعض العرب السمر "لحراطين"، بدعاوى زائدة أحيانا، تستغل ما بقي من حالات نادرة معزولة من العبودية، لتقول للناس على ملأ، نحن أكثرية مغبونة مظلومة منذ قرون. وهكذا الضجيج المتنوع المتناقض، لو أضيف إلى أصل الأزمة -الاستبداد وسوء التسيير- لشكل قدرا كبيرا من التأزم، قد لا يتمكن كياننا الهش من الصبر عليه طويلا، إذا لم تتدارس مشاكلنا الحقيقية بموضوعية وتجرد وإنصاف وإخاء. ولات حين مناص، فلنعجل بلفتة سريعة مشفقة إلى هذا الإنهيار السياسي والاجتماعي المتواصل دون توقف أو إنفراج نسبي. وقد لا تنتصف هذه السنة حتى تبدأ بوادر الأزمة من كل طرف، ووقتها يصعب الحل إلا بالحسم، كما حصل في دول أخرى، والحسم له راحته وألمه وعواقبه. فلا تترددوا جميعا في البحث عن حل موريتاني، يمنحنا الاستفادة من جو الحرية العبق عند غيرنا، ويجنبنا الصدام المكلف.

22. مارس 2012 - 12:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا