إفلاس الخطاب / أحمد ولد محمد المصطفى

أحمد ولد محمد المصطفىيعرف الإفلاس الاقتصادي بأنه "العجز عن الوفاء بالالتزامات"، ويؤدي –اقتصاديا- إلى تصفية الشركات وخروجها من سوق العمل، كما يؤدي إلى إنهاء أعمال المفلس لفقدانه لوسائل الاستمرار في نفس النشاط، ويفرض عليه في أقل الاحتمالات سوءا "التغيير" في الاختصاص أو المجال أو الحيز الجغرافي لأنه الإفلاس غالبا ما يؤدي إلى فقد المصداقية حتى لدى أقرب المقربين.

أما الإفلاس الخطابي فأفضل تعريف له هو متابعة خطاب الجنرال محمد ولد عبد العزيز في مهرجان "الإفلاس" في العاصمة الاقتصادية نواذيبو مساء الاثنين الماضي. هل يمكن لعاقل –مهما بلغت سعة عقله- أو أديب –مهما اتسع خياله- أن يتصور ما وصل إليه الجنرال من الإفلاس، تصوروا أن يحشر الناس من كل أصقاع موريتانيا، ويأخذ التحضير للمهرجان أكثر من شهر، ليأتي الجنرال، ويعلن –بالأرقام والوقائع- أن الدولة كانت منهوبة وأن المعارضة مفسدة ولم تكن تدفع فواتير الماء والكهرباء، وأن أحد الوزراء ينتمي إلى مثلث الفقر، وأنه حضرته بلا لحية، ولن يتفاوض مع القاعدة، ثم يمر سريعا – وليس مرور كريم- على مسرحيات تدشين تطوى أسرع من البرق بمجرد مغادرة الجنرال لمحيطها. لقد أثبت الرجل للمرة الألف أنه بلا رجل ثقة وبلا مستشارين ولا ناصحين، فلو كان للرجل فكر لما أضاع كل هذه الجهود في تهجي 23 نقطة كتبت له بطريقة غير منظمة على أوراق مبعثرة، سرعان ما اختطلت عليه فأصبح يعد الملايين ملاييرا، ويسأل ويجيب نفسه، ويحاول تهدئة حضور له أولويات أخرى عكستها صيحاته المتلاحقة بالشكوى من ارتفاع أسعار الأرز والزيت والحليب والغاز المنزلي... لقد أثبت زيارة نواذيبو وخطاب نواذيبو أن الرجل مفلس فعلا بكل أنواع الإفلاس وليس لديه ما يقدمه، فقد ذهبت دقائق الخطاب كئيبة ثقيلة على حاضريه، وكانت تعليقاتهم على الخطاب خير دليل على المفاجأة التي خلفها "إفلاس الخطاب". من أسوأ سيئات الجنرال أن أضفى مصداقية على أيام العقيد المعقد ولد الطايع، أو لعلها من باب "رحم الله الحجاج..."، فقد كان العقيد الراحل يتحين فرصة إعلان مشروع جديد أو شركة ضخمة، أو إطلاق خدمة أو الإعلان عن اكتشافات نفطية أو معدنية للقيام بزيارة للداخل، وإن لم تسعف الظروف بإنجاز مادي فلا أقل من إنجاز معنوي كإعلان حملة الكتاب أو غيرها من الحملات التي شكلت "هدفا" لزيارة العقيد لإحدى ولايات الداخل. وقد دأب العقيد على بدأ خطاباته بعد شكر السكان على حسن الاستقبال وحفاوته بقوله: "الهدف من الزيارة...". أما "تلميذه النجيب" السائر "على خطاه" بسرعة فقد أفلس حتى من "الإعلانات" واصبح يعيش على الماضي، ويبحث عن "ردود" على نقاط أثارتها المعارضة ليثبت لشعبه أن "المعارضة مفسدة"، ولا تريد سوى استمرار الفساد ولم تكن تدفع فواتير الماء ولا الكهرباء كما كانت تستفيد من صفقات التراضي، ولنفترض مع الجنرال المفلس أن كل ادعاءاته مسلمات ولكن ماذا بعد... ولماذا أنفقت كل هذه الأموال وجمعت كل هذه الجموع من أقصى موريتانيا إلى أقصاها، وجندت القبائل والوجهاء ورجال الأعمال لاستجلاب الناس بكل السبل ثم لم يكن في انتظارها إلا الإفلاس... يبدو أن للمعارضة منة كبيرة على الجنرال فقد وفرت 23 نقطة يبرر بها صرف الملايين التي صرفت في تنظيم المهرجان، وحظه فيها معروف مرصود، ولو لم تنتقد هي هذه النقاط لما كان لخطاب سيادته معنى. قمة الإفلاس أن يتحول رأس النظام إلى آلة لرد الفعل، وأن يصل الإفلاس لديه إلى الإفلاس الأخلاقي، وأن يتآكل رصيد القيم لديه لدرجة تحول قيم المجتمع إلى مسبة، وثوابته إلى "لعبة" والموقف من مبادئه إلى "صفقة".

20. مارس 2012 - 9:08

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا