اليوم العالمي للغة العربية / يحي بن محمدن بن عابدين

العربية أكثر لغات المجموعة السامية متحدثينَ، وإحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم، يتحدثها قرابة من نصف مليار نسمة، ويتوزع متحدثوها بين الوطن العربي والدول الإسلامية أساسا، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة كالأحواز وتركيا وتشاد ومالي السنغال وإرتيريا. فاللغة العربية ذات أهمية 

قصوى لدى المسلمين، فهي لغة مقدسة (لغة القرآن)، ولا تتم الصلاة (وعبادات أخرى) في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلماتها، وهي لغة شعائرية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في الوطن العربي، كما كتبت بها الكثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى.
وإلي جانب خمس لغات أخرى هي الفرنسية والانجليزية والصينية والإسبانية والروسية تدخل اللغة العربية بهذا التاريخ 18/12/2016 ضمن اللغات الرسمية للأمم المتحدة، ويحتفل الناطقون باللغة العربية باليوم العالمي للغة الضاد، الذي يصادف هذا التاريخ من كل عام، وهو التاريخ الذي أقرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغة العمل في الأمم المتحدة.
ففي 18 ديسمبر/كانون الأول سنة 2012 أقر المجلس التنفيذي لليونسكو اعتماد العربية لتكون لغة رسمية سادسة تتحدث بها الوفود العربية، وتصدر بها وثائق الأمم المتحدة، وأصبحت لغة رسمية في الجمعية العامة للأمم المتحدة والهيئات الفرعية التابعة لها.
ووفق برنامج "العربية للجميع" غير الربحي لنشر اللغة العربية، فإن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن عدد المتحدثين باللغة العربية كلغة أولى يبلغ اليوم 279 مليون نسمة، هم سكان الدول العربية، يضاف إليهم 130 مليونا آخر يتكلمونها لغة ثانية.
وهذه اللغة من أغزر اللغات من حيث المادة اللغوية، فعلى سبيل المثال، يحوي معجم لسان العرب لابن منظور من القرن الثالث عشر أكثر من 80 ألف مادة، بينما في اللغة الإنجليزية فإن قاموس صموئيل جونسون، وهو من أوائل من وضع قاموسا إنجليزيا، في القرن الثامن عشر، يحتوي على 42 ألف كلمة.
وتأتي اللغة العربية حاليا في المرتبة الرابعة بعد الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، من حيث ترتيب اللغات في الكرة الأرضية، وهي تعد من أكثر اللغات انتشارا في العالم، ويعزز وجودها أنها لغة القرآن الكريم والدين الإسلامي، الذي يعتنقه كل يوم أفواج من البشر من مختلف أنحاء الأرض، ولا تتم الصلاة إلى بإتقان بعض كلماتها.
شوتواجه اللغة العربية تحديات جمة تحول دون تمكنها من مسايرة الحداثة والطفرات العلمية والتقنية الهائلة التي عرفها العالم. والواقع أنّ هذا العجز ليس بنيويا، فعلماء اللغة واللسانيات لا يختلفون على المؤهلات الفريدة لهذه اللغة وغنى معجمها، ومن هنا لا يمكن فصل مشاكل العربية عن حالة التخلف العامة المهيمنة في الفضاء العربي الإسلامي منذ قرون.
وتواجه اللغة العربية مشاكل يمكن أن نذكر منها غياب سياسات حكومية لتطويرها، وضعف البحث العلمي بشكل عام، خاصة في علوم اللغة واللسانيات والتواصل، كما أن سيادة اللغات الغربية الموروثة عن الاستعمار في الإدارة والاقتصاد والتعليم، وشيوع اللهجات وتبنيها من شرائح نافذة من النخب المتشبعة بالثقافة الغربية الممزوجة بمسحة استعمارية فكرية، كلها عوامل تُشكل عقبة أمام ازدهار اللغة العربية واسترجاع مكانتها التاريخية.
ومن التحديات كذلك ما يتعلق بمسايرة التكنولوجيا، وتتمحور أساسا حول ضعف حركة الترجمة، فالكتاب مثلا حين يصدر بالإنجليزية- وهي اللغة المهيمنة في مجال العلوم والتكنولوجيا- يُترجم إلى الفرنسية بعد ثلاث سنوات في المتوسط، في حين لا يُترجم إلى العربية إلا بعد عقدين تقريبا.
تواجه العربية إشكالا آخر هو صعوبة "الرقمنة"؛ فاللغات اللاتينية مثلا سهلة "الرقمنة" لإمكانية كتابة كلماتها منفصلة الأحرف، وهو ما ليس متاحا بالنسبة للعربية رغم أنَّ كل حرف عربي يمكن كتابته منفردا، وهو ما يُؤكد أنَّ العائق ليس بنيويا وإنما يحتاج فقط إلى جهد لتطوير الهوية البصرية للأحرف بما يُمكن من تركيب الكلمات وفق نسق يُناسب التعبير المعلوماتي المعروف بالتعبير الثنائي صفر واحد.
ويعكس واقع اللغة العربية حالة التشرذم التي يعرفها الفضاء العربي الإسلامي، وأبرز تجليات ذلك إخفاق الدول العربية في توحيد المصطلح، بل وانتصار كل دولة لمصطلحات مجامعها اللغوية إن وُجدت، رغم أن تلك المصطلحات قد تكون متهافتة في مبناها ومعناها.
وفي موريتانيا نحتاج برامج لنشر الوعي بأهمية اللغة العربية في مختلف الأوساط الإجتماعية التي أصبحت تزاور عن تعليمها لأبنائها وتستبدل بها غيرها، فلابد من تعزيز الهوية الوطنية والثقافة العربية، وإصلاح المنهج الدراسي بدعمها رسميا من طرف الدولة، وذلك بإعداد مراكز للبحوث والدراسات اللغوية المتخصصة، أملا في أن نكون مجمعا لغويا شنقيطيا، وما ذلك على الباحثين بعزيز.


 

20. ديسمبر 2016 - 6:56

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا