للإصلاح كلمة تذكر بمدينة قديمة ومقاومة منسية ( اللغة العربية) / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح هذه المرة تابعت باهتمام مهرجان مدينة وادان القديمة وما حضرها من المؤسسات الحكومية ، وما وصلها من منظمات غير حكومية وما دعي إليها من بعثات بعضها أجنبي وبعضها جزء منا مفصول عنا أو مفصولين عنه وما قيل في ذلك المهرجان من خطابات تـنبئ عن أصالة تلك المدينة 

وما شابهها من المدن القديمة المنسية ، وما قيـل كذلك من الإشادة بالمقاومة الباسلة للاستعمار ، وكل ذلك كان نسيا منسيا في الحكومات الموريتانية المتعاقبة على هذا الوطن قبل أن يبعث الله هذا الحكم الحالي في هذا الوطن لينـفض الغبار عن كل ما هو أصيل فيه والذي ينبغي للشعب الموريتاني أن يكون نبه عليه من أصالة هذا الشعب وكرامته وأخلاقه وشجاعة أبنائه وتمسكهم بدينهم تمسكا بذلوا فيه أرواحهم الزكية وتركوا لأجيالهم القادمة ما بنو عليه من تاريخ مشرق تحمل تلك المدن القديمة آثاره الطيبة البارزة وتلك المقاومة  المشرفة ـ إلا أن هذا كله بمهرجانه الثائـر وثـقافته الواضحة وبـبعثاته المدعوة وبخطاباته الرنانة -ينسفه كله نسفا ليتركه قاعا صفصفا لا ترى فيه عوجا ولا أمتا- تجاهل هذا الحكم تجاهلا مميتا لقضية اللغة العربية في هذا الوطن، تـلك اللغة الموجودة بـين أيديهم وتحت نظرهم وهي أقدم وأقدس وأقوى وألصق بحياة هذا الشعب وهي منطلق هويته ودينه وأكثر التحاما به من كل مدينة قديمة أو مقاومة شريفة فوق أرض هذا الوطن الغالي .
إنني والله عندما استمعت إلى ما قـيل في ذلك المهرجان بهذه اللغة الأصيلة العريقة من عبارات ترقي إلى السماء لتـتـنـزل في الخلاء تـنـزل على سلطة تـفصلها فصلا نهائيا إراديا في الشعور وفي لا شعور غير ذاكرة إلى أنها تستمع إلى لغة آبائها الساكنين لمدنها القديمة المقاومين لاستعمارها مفضلين لغة المستعمر الماكر الخبـيث وهذه السلطة لا تعرف معنى الكلمات  التي ألقيت ولا مغزاها ولا دلالاتـها  في المناسبات التي يحيونها ويحاولون أن يربطوا هذا الإحياء بكل من المدن القديمة والمقاومة العسكرية الدينية الباسلة في الوطن متـناسين هذه اللغة العربية الجديدة القديمة المقاومة لكل استعمار وكل عنصرية وكل منافق وكل خوان أثيم .
إني والله لأشفقـت عليهم وهم يستمعون إلى خطاب وزير الثـقافة الناطق الرسمي باسم الحكومة ذلك الخطاب الذي ظهر فيه أن علاقة هذه اللغة بهذا الشعب هي علاقة نسب واختلاط دم بدم أي اختلاط دم هذه العربية بدم هذا الشعب الذي خلقت له وخلق لها وليست علاقة تعليم حكومي في هذا الوطن ولا شهادات من مؤسساته حتى ولا نتيجة أفكار حكومته التي حال أبناؤها بكل تجاهل وعنجهية دون أن يكون اكتساب الموريتاني لهذا الكنـز الثمين وهذا الحب الدفين الموروث من الآباء والبنين صادر عن أوامر مسؤوليه لايجاده داخل المؤسسات الحكومية ، بل الكوارث المنظورة في هذا الصدد هي تجاهل وخنوع المسؤولين الحكوميـين عندنا عن انـتـشال اللغة العربية من مخالب المتفرنسين المواطنـين بأجسامهم فقط من كل لون داخل هذا الوطن ، وسجنها في مصنعها الذي لا يفتر ولا يلين ولله الحمد عن الإكثار من دفعاتها محبـرة ومنمقة لتـنـتـشر بالرغم من تخاذل المسؤولين الموجودين على هرم السلطة الحاكمة لهذا الشعب العربي الأبي  هذه اللغة بأصالتها المعروفة عند العرب ـ  فلولا تـلك المحاظر التي أبت إلا أن تقاوم مقاومة سلمية المسؤولين في هذا الوطن لتخرج لهم في كل سنة عباقر من أبناء هذا الوطن تمسك لهم مسحة من عز وإباء لولا ذلك لكانت ( الكنكو برازفيل ) أكثر منا تعريبا وأحسن دينا ، إن هذه السلطة نصبت نفسها حقيقة أسودا على أهل الفساد ولكنها حيوان آخر على مفسدي سمعة هذه الدولة المغذين لفضيحتها المستمرة ألا وهي استمرار استـغنائها في مكاتبها ومطابعها وأجهزتها الإلكترونية باللغة الفرنسية عن لغة هذا المجتمع كل المجتمع لغة وطنه ولغة مصير من دخل منه الجنة .
إن ذلك الخطاب الذي ألقاه وزير الثـقافة الناطق الرسمي باسم الحكومة لعار على هذه الحكومة أن يكون عندها وزير يستطيع أن يكتب ذلك الخطاب الذي زواج فيه بين لغة معاني القرآن بدون أن يذكـــر الآي إلا قـليلا وبين إيراد روائع البلغاء العرب مثـل : أبو الطيب المتـنبي إلى آخره لعار على هذه الحكومة أن يكون وزيرها هذا الناطق باسمها من زار مكتبه بعد إلقاء هذا الخطاب لا يجد فيه إلا مكتوب على الشمال وبلغة ركيكة وبرطانة ركيكة كذلك لا يفهمها في هذا الوطن إلا مسؤول حكومي من أمثـاله .
إن ذلك الخطاب صالح أن يكون من ضمن المعـلقات النـثرية العربية في الجاهلية وصالح كذلك أن يكون من إنتاج قرون إزدهار اللغة العربية في الحكمين الأموي والعباسي  والمقامات غير المسجعة والله إنها لخسارة أن يكون مقولا أمام أولئـك المسؤولين الذين يتيـقن الجميع أنهم لم يفهمو منه لا في بلاغـته ولا في بيان معانيه ولا بديعه إلا ما يفهمه السامع من لجبة الأصوات الخارجة من الحنجرة فأذهانهم وأفكارهم لا تمشي معه إلا الهوينا كما يمشي الوجئ الوحل .
والله لخسارة كذلك عدم إضافة الاستـشارية الإعلامية للرئاسة لهذا الوزير إبان انعقاد القمة العربية في انواكشوط حتى يسمع الرؤساء العرب عن طريق كتابة هذا الوزير لخطابات المسؤولين :إن الشعب مليون شاعر فيه أيضا مليون كاتب للعربية بأثر رجعي لأصالة اللغة العربية القديمة وفصاحتها وما أودعها الله من المعاني التي جعلها وحدها وعاءا سليما يوصل كلام رب العالمين إلى مستمعيه من البشرية جمعاء .
فلو كنت حين إلقاء الوزير لخطابه بجنبه لذكرته بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله حدث الناس بما يفهمون أتريد أن يكذب الله ورسوله .
فالمسؤولون الحكوميون وأصحاب الشرائك إلى آخره لم يفهموا ما قـلت ولم يترجم بلغة الوندال أو قـبل ذلك باللاتينية الإغريقية لغة آباء مستعمرهم التي ذهبوا عنها إلى ودان وهي الموجودة في مكاتبهم وهي التي سيعودون إليها وهي التي كانوا يهاجمون أهلها و ينعتونهم بكل أنواع المكر والحقد والخديعة ومع ذلك يكرمون لغـتهم ويضعونها في أحضانهم مع أن أغلب خيرات هذا البلد ذهب بها  وامتصها من جذورها المتـكلمون بلغـة هذا المستعمر فكـل المعتـقـلين الآن في سجن بـير أم كرين لم يكن أي واحد من أصحاب اليمين بل هم جميعا من أصحاب  الكتابة على الشمال وكذلك من دخل سجن دار النعيم من المفسدين سواء مازال فيه أو خرج منه هم من أصحاب الشمال بمعنى أنه إذا كان هذا الحكم يبحث عن ما أضاعته الأجيال الماضية من استـقلال موريتانيا من كرامة هذا البلد وذلك بتـركها لمدنها القديمة التي أنـتـجت لنا كل خيـر نستمتع بسمعـته وتربـيته ، وحفظت لنا هويتـنا العربـية الإسلامية سواء كان في شـنـقيط أو ولاتـة أو تيشت أو ودان ، فإن هذه المدن لم تحفظ لنا هذا إلا باللغة العربية فلو كانت لا تـملك هذه اللغة وتركتها آنذاك واستبدلتـها بلغة أجنبـية سواء كانت لاتـينية أو سواحلية أو اللغات الإفريقية الأخرى فمن يكن الآن عالم بشنقيط أوأبناء شـنقيط .
وكذلك لو كان أهل المقاومة لا يعرفون العربية ولا يعرفون أيام العرب وتضحيتهم وبطولتهم في القـتال وما سطرته هذه المقاومة من كلمات عربية حماسية تـنفخ الروح وتـشد العزم وتفخر بالإقدام والاستبسال في مقارعة العدو ــ لم تحصل في موريتانيا مقاومة ولا استسلموا سريعا مثـل سرعة استسلام من لا ينطق هذه اللغة من الشعوب الأخرى حتى بعد أن عم الاستعمار جميع الوطن وتـغـلب بعدده وعدته عليه لم تستسلم مقاومة اللغة العربية له ، فلو لم تجد هذه الأجيال لغة تركن إليها ودينا تحتمي به لكانت الأجيال الشبابية جميعا انخرطت في تـعلم لغة المستعمر وبذلك تذهب هويته كما ذهبت الهوية المعنوية لهؤلاء الذين لا يعرفون إلا تراب بلادهم بجبالها وأوديتها  دون أن يعرفوا لغتها ويتوصلون بذلك إلى معرفة دينهم عن طريقه حـق المعرفة .
وإنها لمعجزة كبرى للمسؤولين في  هذا الوطن حيث لم تطلب منهم الجامعة العربية أن تزور مكاتبهم لتجد نفسها فجأة في الكاميرون أو القابون لغة وكتابا وآلة كتابة إلى آخره ، ولظنوا أن هذه القصائد الآتي عنوانها لم تخرج من فـكر آباء هؤلاء المسؤولين الشـنافطة  .
إن القصائد الملحمية سواء كانت بالشعر الفصيح أو الشعر الشعبي هي التي غـذت المقاومة  وأوقدت جذوتها التي صعـدت مع أفكار المقاومين تحـثهم على القـتال وتبعـث فيهم روح التضحية .
فقصائد سيد محمد بن الشيخ سيديا ـ رحمة الله ـ في الدعوة العامة لجهاد المستعمر والاستعداد لمقارعـته كانت أكبر أنـشودة تـقدم للمقاومين وتحثهم على الجهاد ، ومن  تـلك القصائد  قصيدته التي مطلعها :
رويدك .إنني شبهت دار ** على أمثالها تـقف المهارا
إلى أن يقول :
حماة الدين إن الدين صارا ** أسيرا للصوص وللنصارى
وكذلك القصيدة الشعبـية التي يقول فيها سيد المختار بن الشيخ القاضي يخاطب ناقـته التي يجاهد عليها :  لزمـك يا مخريص التـجلاج ** وأرفـود الوقـر ولجلاج ** أمالك يكون افعلاج ** يمخريص أمرد الكفار الـخ .
إلى أن يقول :
وان حر والأحرار ما يمتـلك كافيهم ** ملك الإله الواحد القهار ** ولا يجر عليهم سلك ** لحرار أمتن من ذاك امرار
إذا علموا هؤلاء الآباء الشهداء أن أبناءهم يحيون ذكراهم ويشيدون بجهادهم ومقارعتهم للنصارى الكفار ، وعـلموا كذلك أنهم في نفس الوقت مازالوا يكـتـبون في مكاتبهم على الشمال ولا يتكلمون إلا بلغة أولئك النصارى الكفار ويتركون الكتابة بحروف لغـتهم العربية لغة آبائهم وأجدادهم ودينهم لاشك أنهم سوف يردون عليهم تكريمهم لهم  ويتبرءون منهم أمام الله .
ومن هنا على الشعب الموريتاني أن يخاطب هؤلاء السلطات بقوله : السيد /الرئيس السيد / الوزير الأول السادة الوزراء السادة الأمناء العامون السادة المدراء عـليكم أن تـفهموا أن الشعب الموريتاني يعلم أن كل ما بـين أيديكم وما خلـفكم من الملفات وما عندكم من الكتاب الجميع ليس فيه ما ينـبئ أنكم في موريتانيا المسلمة العربـية ، إن الملفات والأوراق المكتوب فيها أسماء الموريتانيـين الموجودين بـين أيديكم مثـل : محمد وأحمد وجلو وعائشة وفاطمة وهاوى وآمنـتا كل أولئك الأسماء مكتوبة عندكم بالحروف اللاتيـنية وكتبوها كتابكم على الأوراق بشمالهم .
فإذا لم تـقم هذه السلطة بثورة وطنية لإزالة هذه الجريمة والعار المستمر فمن يقوم بعدها بهذا العمل الوطني الجليل .
وليعلم الجميع أن تعريـب الإدارة لا يؤخره عن هذا الوطن العربي إلا إرادة بسيطة من السلطة فالنصوص القانونية موجودة إلا أنها لا أب لها فهي مقطوعة النسب مع الأمر بها أصلا .
فنحن الموريتانيون علينا أن نتمنى ذلك اليوم الذي صدرت فيه الأوامر أن لا تصدر أي وثيقة ولا تتكلم أي آلة اتصال إلا بالعربية وفي نفس الوقت نتمنى أن لا يعود الله بما وقع في ذلك التاريخ 89 بمعنى أننا نتمنى تـلك الأوامر التي أمر فيها بالتعريب ووقع بالفعل على أحسن حال وأسرعها حتى الاستمارات في القواعد العسكرية عربت  بتـلك السرعة وأصبحوا يكتبون نوع السلاح وعدد الطلفات في تدريباتهم  بالعربية وكذلك المخاطبات في آلة الاتصال : فـنـقول نحن عندئذ ما قاله العربي المتـقدم  جزى الله يوم الروع خيرا لأنه أرانا على علاته أم ثابت  الخ .
فلا أهلا ولا سهلا وأعوذ بالله من ما وقع فيه من ما لا يرضى الله ، وأهلا وسهلا بما وقع فيه من التعريب ونرجو أن يعود ذلك التعريب السريع دون أن يعود ذلك البطش الفظيع : ونقول في الأخير ((وإن تـتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونو أمـثالكم ))
 
                   

21. ديسمبر 2016 - 11:54

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا