أعتقد أن أشهر العِصِيِّ في التاريخ عصا موسى عليه السلام، لورود خبرها مرارا في الذكر المحكم، وكونها معجزة له، ولما فيها من المآرب المفصلة في مطالبها.
وفي الأدب العربي دخلت العصا من بابي الأمثال والشعر والقصص؛ ففي مجمع الأمثال أورد الميداني زهاء ثلاثين مثلا تذكر فيها العصا.
وكان الشاعر الحَكَمُ بن عبدل أعرج هجاء يخافه السوقة والقادة.. ويكفيه أن يكتب حاجته على عصاه ويبعث بها إلى حكام وقته فتدخل كما يدخل البريد وتقضى حاجته، والناس محجوبون (والشعراء من ضمنهم) فلما رأى يحيى بن نوفل ذلك قال:
عَصَا حَكمٍ فِي الدَّارِ أَوَّلُ دَاخلٍ ** وَنَحنُ عَلَى الأَبوَابِ نُقصى ونُحجَبُ
وكَانَت عَصَا مُوسَى لِفِرعَونَ آيةً ** وهذِي - لَعَمرُ الله- أَدهَى وأعجَبُ
تُطاعُ فَلاَ تُعصَى ويُحذَرُ سُخطُها ** ويُرغَبُ فِي المرضاة منها ويُرهَبُ!
ومن الشعراء من أبدع في الهجاء المقذع بالعصا على نحو غير مألوف؛ كابن رشيق القيرواني القائل:
وَلَهُ في الْعَصا مآرِبُ أُخْرَى ** حَاشَ للهِ أَن تَكُونَ لِمُوسَى!
ومِن قبلِه قال البحتري:
قَد رَأَينا عَصاكَ صَفراءَ مَلسا ** ءَ مِنَ النَبعِ بَينَ صُغرى وَكُبرى
جَمَعَت خلَّتَينِ حُسناً وَليناً ** لَكَ فيها ظَنّي مَآرِبُ أُخرى!
وفي عصرنا الحاضر استحدث يحيى جامي - بعد ما ألقى عصا التسيار برئاسة غامبيا- أكسسوارا يوازي مسلسل ألقابه، يحمله في الحل والترحال. تتصدره العصا، ومن تحتها موسى، إلى جانب سبحة، وخباء قماش (وقد يكون الجميع مع مصحف شريف) وهو ما يذكرني بالنص الشعبي:
سلاح المصطف ماه شين ** غير الَّ فيه اطنب مسكين
وخصوصا:
موس إگوم اُدَبُّوس أخرين ** يكفى موس إگوم أدبـوس..
وحسب إسقاطاتي السطحية فلكل من حمولة الرئيس الغامبي المتشبث بكرسيه تفسيره؛ فالموريتانيون أصهاره (ومن هنا جاءت الخيمة) والموسى تذكار لعهده العسكري السافر، والعصا ليهش بها على رعيته ويسوقها سوق القطيع، أما السبحة فلضبط عدد ألقابه وعد سنوات حكمه المأمول.
وفي أغرب اقتراع علمت به أسفرت براميل الانتخاب مؤخرا عن فوز آدم بارو بأغلبية بلورات الناخبين..
فَعَلَى القِيَاسِ سَبِيلُ مَنْ ** حَمَلَ العَصَا أنْ يَرْحَلاَ!
لذا اعترف جامي في البداية بالهزيمة، لكن عرقا نزع به فرفع عصاه في وجوه الراجمين بأصواتهم، وأخجل الراجمين بالغيب. حينها اكتشفتُ معنى جديدا في قولهم: "العصا لمن عصى".
جامي لا يضع عصاه عن عاتقه، ولا هو ضعيف العصا. والحُكْم خير من تفاريق العصا.
وبارو لا يريد أن يكون قتيل العصا، ولا أن يشق عصا بني وطنه.
والوسطاء لا يمكنهم الدخول بين العصا ولحائها، وإنما يذكرون جامي بأنَّ العَصا قُرِعَتْ لِذِي الْحِلْم.
وشعوب منطقتنا عبيد العصا. وحكامها يرون أنه ما ذل من ركب العصا. وتلك العصا من هذه العُصَيّة!