وجاء موسم الأعياد / طلحة ولد ابيه

الحمد لله رب العالمين الهادي إلى الحق وإلى الطريق المستقيم، الحمد لله الذي شرف هذه الأمة أن جعلها خير أمة أظهرت للناس، قال جل من قائل : ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس﴾، ثم إن العزيز الحكيم العلي العظيم ربط هذه الخيرية بأمر جليل عظيم، فقال عز وجل ﴿تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر 

وتؤمنون بالله﴾، فلا خير في هذه الأمة إذا هي تركت الأمر بالمعروف والنهي المنكر، ثم الصلاة والسلام على النبي الأمي الأمين الذي بلغ شرع ربه الحكيم وأمر أمته وأتباعه بمثل ما أمرهم به الرب العظيم فقال صلى الله عليه وسلم : {من رأى منكم منكرا فليغيره} ''مسلم وأبو داود''، وقال صلى الله عليه وسلم : {والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو  ليوشكن الله عز وجل أن يبعث عليكم عذابا من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم} ''الترمذي وحسنه''، ولا شك أن كثيرا مما يصيب الأمة اليوم من محن هو بسبب الإخلال بهذا الأصل العظيم والركن المتين من أركان الدين.
و بعد فانطلاقا من هذا الواجب العظيم الذي أوجب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلا حسب قدره وقدرته، ولكثرة ما شاع في البلاد الإسلامية من الاحتفال بهذه المناسبة وتعظيمها وصرف أموال المسلمين فيها سواءا من بعد الدول والحكومات أو من بعد أفراد المسلمين الذين سخر نعمة المنان في الأكل والشرب والرقص في أمر ما أنزل الله به من سلطان، ألا وهو الاحتفال بأعياد الميلاد، ستتناول في هذه الكلمة الاحتفال بأعياد النصارى التي ينسبونها إلى ميلاد المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من خلال نقطتين :
الأولى : هل صح ميلاد المسيح عيسى بن مريم في هذا الموسم ؟
لقد أكد باحثين ومهتمين في الرد على النصارى من المسلمين على أن ميلاد المسيح عليه السلام لم يكن في يوم الخامس والعشرين من كانون أول [ديسمبر] منهم الشيخ أحمد ديدات ''مناظراته'' و عدنان الطرشة ''متى ولد المسيح'' ومحمود القاعود ''مولد المسيح وإعجاز القرآن''، فلقد نقلوا في هذه المراجع المذكورة عدم وجود دليل صحيح يمكن البناء عليه والاحتجاج به، يُثبت ميلاد المسيح عليه السلام في هذا التاريخ في الأناجيل المعتمدة عند النصارى، ضف إلى ذلك اختلافهم في الاحتفال بهذا اليوم، إذ يحتفل به نصارى الغرب يوم 25 ديسمبر ونصارى الشرق يوم 7 يناير، ومع اختلافهم فلا دليل لدى نصارى الغرب ولا الشرق على صحة دعواهم.
كما نقل الباحث محمود القاعود عن عباس محمود القعاد في كتابه ''حياة المسيح'' قوله :  أما القول الراجح في تقدير المؤرخين الدينيين فهو أن ميلاد السيد المسيح متقدم على السنة الأولى ببضع سنين وأنه على أصح تقدير لم يولد في السنة الأولى للميلاد، في إنجيل متى أنه عليه السلام أنه قد ولد قبل موت هيرود الكبير وقد مات هيرود قبل السنة الأولى بأربع سنوات. أ.ه، ويتابع قائلا : وقد جاء في إنجيل لوقا أن السيد المسيح قام بالدعوة في السنة الخامسة عشر من حكم القيصر طيبريوس وهو يومئذ يناهز الثلاثين، وقد حكم طيبريوس الدولة الرومانية بالاشتراك مع القيصر  أوغسطس سنة 765 من تأسيس مدينة رومة، ومعنى هذا أن المسيح عليه السلام قد بلغ الثلاثين حوالي 779 رومانية، وأنه ولد 749 رومانية أي قبل السنةالأولى للميلاد بأربع سنين.أ.ه، وغير هذا كثير.
كما أكدت صحيفة ''التيليغراف'' البريطانية في 10/12/2008م على لسان علماء فلك يؤكدون فيها على أن ميلاد المسيح عليه السلام كان يوم 17 يوليو [حزيران].
ولقد نقل أحمد ديدات  ''مناظراته'' وعدنان الطرشة ''متى ولد المسيح'' أصل الاحتفال بيوم 25 كانون، الذي هو بين البدعة والشرك، فهو بدعة إذ أنه تقليد للبوذيين الذين كانوا يحتفلون بهذا اليوم ويرون أنه يصادف ميلاد بوذا، وهو شرك إذ أن أصله يوم تُكرم فيه الشمس ويسمى عندهم 'عيد الشمس التي لا تقهر'، ولعدم التمكن من تحديد موعد ميلاد المسيح عليه السلام حدد آباء الكنيسة موعد عيش الشمس الوثني كموعد لعيد ميلاد المسيح.
والأدلة كثيرة على عدم صحة ميلاد المسيح في هذا اليوم لمن أراد البحث عنها والتحقق من صحتها.
الثانية : على فرض صحة ميلاد المسيح في هذا هل للمسلم الاحتفال ؟
على فرض صحة ميلاد المسيح عليه السلام في هذا اليوم فإن المسلم لا يشرع له الاحتفال بهذا اليوم إلا بنص شرعي من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إذ الاحتفال تعظيم والتعظيم حق لله عز وجل لا يشرع إلا بإذن من الله العلي العظيم الحكيم أو من رسوله الأمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وقد اتفق علماء المسلمين على حرمة الاحتفال بأعياد المشركين لما فيها من التشبه، وكذلك التهنئة لما فيها من التأييد.
قال ابن تيمية رحمه الله : عن عمر رضي الله عنه قال : 'لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم، وعنه أيضا أنه قال : اجتنبوا أعداء الله في عيدهم، ''اقتضاء الصراط المستقيم''.
وقال : عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة، ''نفس المصدر''.
وقال : فقد تأول غير واحد من التابعين قوله تعالى : ﴿والذين لا يشهدون الزور﴾ فذهب مجاهد والربيع بن أنس والقاضي أبا يعلى وغيرهم كما في ''الجامع للخلال'' إلى أن قوله تعالى : ﴿والذين لا يشهدون الزور﴾ : هو أعياد المشركين ''نفس المصدر''.
وغيره كثير من كلام الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، فعلى المسلم الذي يريد النجاة أن يتحرى الصواب ويعمل به ولا ينجر خلف كل ناعق ويعمل مالا دليل له عليه من الكتاب أو من السنة، فاللهم اهدنا وسددنا ووفقنا لما تحبه وترضاه.

 

24. ديسمبر 2016 - 10:59

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا