يها المغاربة تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم / سعدبوه ولد الشيخ محمد

خلال ثلاث سنوات عشت في المغرب، زرت معظم مدن المملكة، أحتفظ بذكريات طيبة عن الشعب المغربي المضياف، لكنني أحتفظ بذكريات عن تلك النقاشات الساخنة التي كانت تدور بيني، وبين أساتذتي في الجامعة، وزملائي الطلاب، عندما يرددون عبارتهم المشهورة "موريتانيا اديالنا"..

 كنت دائما أشتهد في دحض هذه المقولة، بشواهد التاريخ، ومعالم الجغرافيا، فضلا عن مقتضيات العلاقات الدولية.
لقد ظلت المملكة تنظر لموريتانيا دائما من عين الموقف من نزاع الصحراء، ورغم أن معظم الدول تأخذ مواقف واضحة، ضد، أو مع الموقف المغربي من هذه القضية، إلا أن المغرب ظل يعتقد أن على موريتانيا أن تبدو دائما دائرة في فلك الرباط حيثما دارت، ولعل أهم سبب في فتور علاقات الرباط بانواكشوط الحالي هو وجود نظام في موريتانيا ينظر لمصالح شعبه أولا، وأخيرا، لا يسترضي أحدا على حساب شعبه، ووطنه، نظام طرد إسرائيل ذليلة صاغرة من انواكشوط، نظام لم يقبل إملاءات أمريكا، ولا ضغوط فرنسا، نظام واجه كل التحديات، وربما "المؤامرات" بقربه من شعبه، وإيمانه بقدرات وطنه.
حاولت المملكة المغربية جاهدة التأثير على موريتانيا في أكثر من مناسبة، وبأكثر من أسلوب للضغط، استضافت الرباط ألد خصوم النظام الموريتاني، وربطت معهم صداقات، ووفرت لهم كل الدعم، والاحتضان، ومعلوم أنه في السياسة يعتبر صديق العدو عدو، خاصة وأن هذه الشخصيات ليست منفية من بلدها، ومسموح لها بممارسة المعارضة من وطنها بكل حرية، ما يجعل لجوءها للخارج مشبوها، وبعيدا عن الوطنية، وغير مبرر.
كما حاولت الرباط تهميش موريتانيا، وتقزيم دورها، والتقليل من حجمها في القارة الإفريقية، ولعل من أبرز أمثلة ذلك كون العاهل المغربي يزور داكار، وباماكو، ويتجاهل انواكشوط، وكان تجاهله لموريتانيا لافتا، وهو الذي يسعى لعودة بلاده للحظيرة الإفريقية بعد عقود من مقاطعتها، ومعلوم أن موريتانيا كانت ترأس الاتحاد الإفريقي، وهي اليوم ترأس الجامعة العربية، وتترأس كذلك القمة العربية الإفريقية، لذلك لا يعتبر تجاهلها ممكنا، ويضر المغرب أكثر من موريتانيا.
مؤشر آخر على "الكيدية" التي تتعامل بها الرباط مع موريتانيا خلال السنوات الأخيرة، تمثل في محاولة إغراق موريتانيا بالمخدرات، وكلنا نتذكر تمكن السلطات الموريتانية من إحباط عمليات تهريب شاحنات من المخدرات قادمة من المغرب، تكررت هذه العملية أكثر من مرة، مع العلم أنه من المستحيل أن تمر هذه الشاحنات دون عين الرقيب المغربي، فإذا لم يكن التورط المباشر حاضرا، فإن التغاضي عنها قد حصل على الأقل.
وبعد فشل كل هذه الأساليب في إخضاع موريتانيا لعرش الطاعة، أو طاعة العرش، بدأت المملكة بالكشف صراحة عن الحرب ضد موريتانيا، حرب تم تسخير الإعلام المغربي فيها بكل وقاحة، وتجاهل للأعراف، والأخلاق، إعلام شن حملة تشويه للمواقف الموريتانية، وتحامل عليها، واتهامها تارة بدعم الإرهاب، وتارة بدق طبول الحرب، وتارة بالاستهزاء من الشعب الموريتاني، والسخرية من قيادته.
في هذه النقطة تحديدا لا أحد في المغرب، ولا في المشرق يمكنه أن يستوعب أن الإعلام في المملكة المغربية يستطيع أن يفكر أحرى أن يكتب، أو يصرح دون إيعاز من السلطة، خاصة في القضايا المتعلقة بالعلاقات الخارجية للمغرب، التي هي حكر على الملك حصرا، والدليل على ذلك تورط الإعلام الرسمي في المغرب في حملة الحرب الإعلامية هذه ضد موريتانيا.
صحيح أنه في موريتانيا هناك ديمقراطية، وحرية للصحافة، وتتصدر موريتانيا العالم العربي في حرية الإعلام لعدة سنوات على التوالي، بعكس المغرب التي لا يستطيع أي مواطن فيها أن يـُعمل فكره في أي موضوع دون الحصول على إذن مسبق، وهو ما يجعل الحرب الإعلامية محسومة لصالح موريتانيا لجهة المصداقية، والسمعة الدولية، ومع ذلك لم تشأ انواكشوط أن ترد على الرباط، واختارت تجاهل هذه الحرب الإعلامية، وتصنيفها على أنها محاولة للتنفيس من الضيق الذي تشعر به المملكة جراء الحضور البارز لجارتها التي تصدرت فجأة فضاء العرب، والأفارقة، دون إذن من أحد.
لقد شكلت الزيارة الأخيرة الناجحة للوزير الأول الموريتاني المهندس يحي ولد حدمين للجزائر، وما تمخض عنها من نتائج كبيرة لصالح البلدين، شكلت القطرة التي أفاضت كأس الانزعاج المغربي، فكثف إعلام الرباط هجومه على موريتانيا، وعلى الرئيس ولد عبد العزيز، ووزيره الأول ولد حدمين شخصيا، وبلغ بهم الأمر حد تحريف تصريحات ولد حدمين في الجزائر، وإخراجها من سياقها، ومع كل ذلك لا تزال موريتانيا تراقب، وتمتص الضربات القادمة من الشمال، لكن للصبر حدود، والأكيد أن موريتانيا – شعبا، وقيادة- تحتفظ بحق الرد بالطريقة، والوقت المناسبين.
صحيح أن موريتانيا تسعى دائما لعلاقات ممتازة مع الشعب المغربي، الذي تربطه بالشعب الموريتاني أواصر قربى، وصداقة تاريخية، لكن ما هو أصح أن حرص موريتانيا هذا لا يضاهيه سوى حرصها على استقلالية قرارها، وسيادتها، والدفاع عن مصالحها العليا.
نحن في موريتانيا لا نستعمل الحشيش، وبإمكاننا كذلك أن نستغني عن البطاطا، والمطيشة والخيزو.
إن على العقلاء في المغرب أن يبادروا إلى وقف هذه الهجمات المستمرة على موريتانيا، وقيادتها، بل والاعتذار عنها، بعد أن صدرت من وسائل إعلام رسمية تابعة للدولة، كما على الرباط أن تكف عن قرع طبول الحرب، فموريتانيا لا يخيفها الضجيج، ولا تستفزها التهديدات من هنا وهناك، موريتانيا حريصة على حسن الجوار مع الجميع، لكن على الجميع أن يدرك أن اليد التي تمتد إلى موريتانيا سيتم بترها فورا، والألسن التي تتطاول على الشعب الموريتاني وقيادته سيتم إخراسها، إذا تمادت في غيها، والأقلام المأجورة التي تكيد لموريتانيا سيتم تكسيرها.
موريتانيا اليوم أصبحت بلدا يتعامل بندية مع كل الدول، يمنحها بقدر ما تعطيه، ويعاملها بالمثل في كل مجال، ولا ننصح أحدا بتجربة الصبر الموريتاني.
أيها المغاربة تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، لا تتدخلوا في شؤوننا، ولا نتدخل في شؤونكم، احترمونا، ونحترمكم، أوقفوا حربكم الإعلامية علينا، ضعوا حدا لتشويه بلدنا، توقفوا عن مهاجمة رئيسنا، ورئيس حكومتنا، فبعد اليوم اعلموا.. أن العين بالعين، والسن بالسن، والبادي أظلم.

25. ديسمبر 2016 - 11:52

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا