غني عن الإبانة ما يحظى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكانة عالية عند الله وعند الناس، وما يجب في حقه من الإجلال، والتقدير، والتعظيم، والتوقير، والتبجيل... عملا بقوله تعالى: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} (المائدة، الآية: 92) التي تكررت في القرآن مرات عديدة، وكذلك قوله سبحانه:
{يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} (الحجرات، الآية: 2)
ومن هنا فإنه من الطبيعي أن تكون لدى المسلمين في كل عصر وطور حساسية مفرطة كلما مس الجناب السامي لسيدنا رسول الله – عليه من الله أكمل الصلاة وأتم التسليم – بسوء، ومن ثم يمضون مرددين بلسان الحال قبل لسان المقال قول حسان بن ثابت رضي الله عنه مخاطبا واحدا من الكلاب التي تنبح السحاب، وهل يضر السحاب نبح الكلاب؟
أتهجوه ولست له بكفء؟ == فشركما لخيركما الفداء
فإن أبي ووالده وعرضي == لعرض محمد منكم وقاء
ومن الواضح أنه منذ القدم كان هناك أشرار ينبحون كالكلاب المسعورة على كل من يقوم بتحريك التاريخ باتجاه مسار يخالف المسار الشرير الذي عهدوه، وكان نصيب محمد صلى الله عليه وسلم – وهو أعظم مصلح وأفضل نبي عرفه التاريخ – من بذاءة هؤلاء المهرجين الأشرار الذين يستميتون في جر البشرية إلى الوراء، كان نصيبه عليه الصلاة والسلام من بذاءتهم كبيرا، ولا عجب في ذلك فهو نقيضهم في كل شيء؛ هو الأفضل وهم الأتفه... هو المهتدي المرسل، وهم الضالون الذين {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون} (البقرة، الآيتان: 17 – 18)... هو الداعي إلى الخير والنور والهدى والعدل، وهم الدعاة إلى الشر والظلام والضلال والطغيان... هو الإنسان الإيجابي المحرك الباني، وهم السلبيون المثبطون الهادمون الذين مثلهم {كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا...} (الأعراف، الآية: 176)
وكانت قريش رأس الحربة في هذا الحراك الآثم الذي يتغيا محاربة الحق والدفاع عن الباطل، والوقوف في وجه الفضائل من أجل الإبقاء على الرذائل، ومن هنا كانت هجماتهم العنيفة على شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيلا إلى الوصول إلى أهدافهم المنحطة، ولكن أنى لهم ذلك؟
كناطح صخرة يوما ليوهنها == فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
إن من يتجه بالإساءة إلى محمد بن عبد الله الكامل المبرئ من كل عيب كمن يتجه ببصاقه إلى السماء، فهل ينال السماء من ذلك شيء؟ لا. وكذلك محمد، فمهما كثر المرجفون والمهرجون الحاقدون في كل زمان ومكان سيبقى محمد قامة سامقة لا تدانيها قامة في تاريخ البشر، وسيبقى عظمة ما مثلها عظمة مهما طال الزمان وانفسح المكان عليه صلوات ربي وسلامه...
إن حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أحس – هو نفسه – بعدم جدوائية هذه الصيحات النابية الممتلئة بالحقد والكراهية التي يطلقها باتجاهه أعداء الله وأعداء الحق والنور... فقال ذات يوم: (صحيح البخاري). نعم لعمري إنك لمحمد ومحمود في ذاتك وفي صفاتك وفي أفعالك... وما ذا يعنينا من نباح أولئك الساقطين التافهين الذين يلغطون خلف كل عظيم يتكلف صعود الجبال؛ لسبب بسيط وهو أنهم لا يحسنون الصعود؟! أجل! ما ذا يعنينا من نباحهم خلف محمد وقد قال الله له: {إنا كفيناك المستهزئين}؟!(الحجر، الآية: 95)
وبما أن لكل عصر طريقته وآلياته التي يعبر بها عن استيائه أو موافقته إزاء قضية ما فإننا في عصر "الرقمنة" والاتصال الذي للجماهير فيه كلمة وموقف يهابهما الحكام، وبالتالي يؤثران في صنع القرارات، يجب علينا أن نستخدم كافة الوسائل التي يتيحها لنا العصر في سبيل نصرة أسوتنا وقدوتنا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم، فمن يقول بأن تظاهرات النصرة قد تجاوزت الحد وأنها لا داعي لها هو مثبط ومتهم في ركونه إلى مصالح الدنيا الزائلة ومتاعها القليل... فقضاؤنا بحاجة إلى من يذكره بالواجب تجاه من يتطاول على أفضل البرية، وأكرم الخلق... قضاؤنا – للأسف – ليس مستقلا بل يوجهه الموقف السياسي الذي ربما يتعرض لضغط دولي عنيف في هذه المسألة
صحيح أن نصرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يجب أن تتطهر من النوازع والميولات الشخصية، فلا نتخذها كموجة نركبها لمآرب وأهواء سياسية مجانفة – في كثير من الأحيان – لما قال الله وقال رسوله، وإنما نمحضها لنصرة رسولنا والذب عن جنابه الكريم من خلال المطالبة بقضاء عادل مستقل يحق الحق ويحفظ المقدسات...
النصرة يجب أن تكون بمثابة خطوة نخطوها في سبيل إعلاء كلمة الله، وإحياء تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفوسنا وفي مجالات الحياة المختلفة من حولنا...؛ ليحق الحق ويزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.