أحيانا بدافع الفضول أقوم بجولة استطلاعية لفضاء مارك، أو أمر لماما ببعض المقاهي التي يتخذ منها الشباب فضاء للنقاش الحر؛ فألاحظ أن رواد هذه الفضاءات تسكنهم أسئلة جامحة، عن المجتمع والحياة السياسية والدين، ويخيل إلي أن الكثير من هؤلاء طيبون لكن جهاز مناعتهم المعرفي ضعيف،
وفي المقابل غالبا ما يكون مروج الإلحاد ـ من بينهم ـ مطلعا ومفوها وخبيثا ماكرا؛ فيحاول مع الوقت توجيه النقاش إلى الفضاءات الموحشة علميا بالنسبة لهؤلاء حتى ينبتوا أو ينبت أغلبهم من كل مبادئه ومقدساته، فيضحي صفحة بيضاء فيهوده الملحد أويمجسه.
في الغالب تبدأ الأسئلة بموضوع الساعة، ومع الوقت يتمحض الحوار لنقاش آراء الفقهاء ومواقفهم من مجريات الحياة، وهنا تبدأ رحلة التيه!!
مع الوقت يقتنع المتحاورون أن الآراء الفقهية هي مجرد آراء بشرية تحتمل الخطأ، وهذا ليس أمرا مقلقا، في حد ذاته، بل إن أبا الفقهاء مالكا رضي الله تعالى عنه، وهو إمام المذهب في البلد يقول: " كل يُؤخذ من كلامه ويُرد إلا صاحب هذا القبر"، وشيئا فشيئا ونظرا لكثرة " الأخطاء" التي يستدركها "الملحد" على المشائخ الأفاضل ، يهون أمرهم، وبالتالي يصبح اتهامهم بأبشع الأوصاف، بل وتخوينهم أمرا مستساغا!
في اليوم الموالي، وتبعا للحجة الاستنباطية عند المناطقة، يتطور النقاش ليشمل حجية أقول الإمام مالك رضي الله عنه نفسه!
ليصل الأمر لاحقا إلى الشك في صحة حديث رسول صلى الله عليه وسلم، والطعن في الصحابة العدول!!
ما يقلق في الأمر أكثرـ وكله مقلق ـ هو أن الطعن في الفقهاء وهم حراس الدين وحملته هو في المحصلة طعن في صدق نسبة النصوص الدينية إلى المشرع، لأنها في الواقع لم تصلنا إلا عن طريق هؤلاء عبر تواترهم، وأي قبول لإضعاف حلقة من حلقات التواتر هو محاولة مستهجنة لإضعاف نسبة النصوص الدينية إلى مصدرها، وهذا ما يسعى إليه أعداء الدين الملاحدة، وينبغي أن نستشعر خطره!!
ختاما أعتقد أنه بات من اللازم الإسراع في الرد على مثل هذه الشبهات عبر وسائل الإعلام المختلفة ووسائط التواصل الاجتماعي وفي المقاهي المشار إليها من طرف فقهائنا البررة، وفق سياسة إعلامية ينبغي أن تكون دعامة من دعائم سلطة الفتوى والمظالم؛ كما أهيب بالسلطات الوطنية من أجل الضرب على يد كل من تسول له نفسه النيل من ثوابتنا ومقدساتنا الدينية؛ مهما كانت غاياته ومراميه.
حفظ الله بلادنا من كيد الأعداء والمتآمرين والغلاة والملحدين، وأجارنا من شرورهم.