ظاهرة التسول في موريتانيا التشخيص والعلاج / بون عمر لي

-  التسول هو اتخاذ سؤال الناس حرفة لكسب المال النقدي أو العيني ، باستمالة عواطف الناس واستجداء كرمهم  واستعطاف مروءتهم ،
- التسول ظاهرة  خطيرة مقيتة منتشرة في جميع المجتمعات بأنماط وأشكال مختلفة تتمظهرفي المدن على الشوارع ، واشارات المرور ، أمام المساجد والمؤسسات  

، والأضرحة ، وتتفاقم في المواسم الدينية : رمضان ، الجمع ، الأعياد ...وهي داء عضال ، إذا لم يكافح نشر في المجتمع الذل والهوان، والآوبئة والآمراض.
* الرؤية الشرعية :
        يفرق الشرع الاسلامي بين السؤال الاضطراري الحاجي العارض واتخاذه حرفة للتكسب والهواية، نستجلي ذلك من الآتي:
        * يقول صلى الله عليه وسلم :
- إنه من سأل وعنده ما يغنيه ، فإنما يستكثر من نار جهنم ، قالوا يا رسول الله وما يغنيه ؟  قال : ما يغذّيه وما يعشّيه
- من سأل وله أوقية فقد ألحف  , رواه أبو داوود والنسائي
- عن ثوبان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يتكفل لي أن لايسأل الناس شيئا ، وأتكفل له بالجنة ؟ قال أنا يارسول اله ، فقال : لاتسأل الناس شيئا ، فكان لايسأل أحدا شيئا  ,            رواه أبو داوود البيهقي,
* رأى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه سائلا يقول من يعشّيني ؟ من يعشّيني ؟ فقال عشّوه ، ثم وجده بعد ساعة يمشي في الشارع يقول من يعشيني ؟ فسأل عمر ألم آمر بأن تعشوه ؟ قالوا عشيناه يا أمير المؤمنين ، فأتى به عمر وقال له لست بسائل ، أنت تاجر ، فضربه وأقسم عليه بعدم تكرارها ,
- ظهر من ذلك أن السؤال بدون حاجة ضرورية حكمها المنع ، وأما االمسألة  لحاجة وضرورة فحكمها الجواز المقيد بمقدار الضرورة ، فقد ورد في صحيح مسلم عن قبيصة بن مخارق الهلالي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن المسألة لاتحل لأحد إلا لثلاثة : رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها فيمسك ، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله ، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ، ورجل أصابته فاقة ، فقال ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلانا فاقة ، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ، ثم قال: ما سواهن من المسألة ياقبيصة سحت يأكله صاحبه سحتا .
- نعم يحث الإسلام على الصدقة ففي الحديث (إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حرّ القبور، وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته ) ولكن الذين يستحقونها هم المساكين المحتاجون الموجودون في الأحياء لايجدون ما يأكلون و لايسألون الناس إلحافا،  
* أسباب ظاهرة التسول :
أ‌) الأسباب العامة : ظاهرة الجفاف التي ضربت البلاد وأهلكت الحرث والحيوان
- ظاهرة الهجرة من الريف إلى المدن الكبرى  ، مما أدى إلى تغير المنظومة الأخلاقية ، وخفة الترابط الاجتماعية.
- تغير بنية المجتمع التقليدي وطغيان العلاقات المادية
- فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية في امتصاص جيوب البطالة والفقر
- وراثة الحرفة  التقليدية من الآباء 
- غياب الرادع القانوني، وضعف الوازع الديني
ب) الأسباب الخاصة :
- الفقر والبطالة بسبب الكسل والاتكالية
- اللجوء الى التسول الاضطراري في البداية ، نتيجة الفقر والمرض ، ثم يحترفه هواية بسبب  طعم الدخل المرتفع .
- تشرّد الأطفال في الشوارع  بسبب سوء التربية ، والتفكك الأسري ، والتسرب المدرسي ...
- كتاتيب المدارس القرآنية (ألمودات)، التي نقلت العادات التقليدية في الأرياف إلى وسيلة الارتزاق في المدن لصالح المدرس على حساب التحصيل الدراسي وإسعاد الطفل.
- سيطرة عصابات القهر على الأطفال ، وممارسة السخرة عليهم
* لقد تطورت الظاهرة المهنية في التسول اليوم إلى: توظيف من يعمل معهم ، استئجار الأطفال ، والرضع ، وذوي الإعاقة ، والعاهات الإصطناعية...
* خطورة الظاهرة :
- تشويه صورة الإسلام ، ومثله العليا ، وإحراج أصحاب المروءات ,
- شيوع الإتكالية في المجتمع ، والاسهام في ضعفه وهوانه  ، وتشويه صورته
- إهدار الكرامة الإنسانية ونزع جلباب الحياء( لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله ، وليس في وجهه مزعة لحم ) متفق عليه
- شيوع الإنحراف السلوكي ، وإقامة علاقات مشبوهة، وانتشار الجريمة، فقد ضبط  مرارا موزعوا الممنوعات تحت ستار التسوّل.
- إحراج المارة والتشويش على السيارات، والإيذاء بالشتم والسخرية لمن لايتصدق عليهم
- تعذيب الأطفال بسوء المعاملة والاستغلال السيّئ، وتعريضهم للبرد القارس وحرارة الشمس، والأماكن الموبوءة، وحرمانهم من التعليم.
* أنواع المتسولين :
- متسولوا الشوارع والأماكن العمومية : عجزة ، أطفال ، معوقين...
- متسولوا المناسبات ، والعرف التقليدي
- متسولوا الحيل : ادعاء المرض، وحاجة السفر ، بناء مساجد ...
* أنماط التسول :
* من حيث الوجه
- التسول المكشوف : السؤال المباشر الواضح
- التسول المقنّع : المتستر وراء أنشطة تافهة ، وخدمات غير مطلوبة منه
* من حيث الزمن :
- التسوّل اليومي
- التسول الموسمي : في الأعياد وشهر رمضان...المناسبات الاجتماعية والسياسية
* من حيث الدافع:
- التسول العرضي : الناتج عن ظروف استثنائية مؤقتة
- التسول الاحترافي : اتخاذه حرفة وهواية
- التسول الاضطراري : كالفقيرالعاجز عن العمل غير واجد كفيلا
- التسول القهري : دفعه الغير إليه ، كتلاميذ الكتاتيب القرآنية (ألمودات)، ومن دفعهم ذووهم للتسوّل
* معالجة الظاهرة :
أولا: على مستوى الدولة :
- العمل على مكافحة مخلفات الرق وآثار الجفاف والتصحر
- وضع سياسات جادة لمكافحة الفقر
- تحقيق التنمية المتوازنة بين المراكز والأطراف الريفية
- تنظيم العمل الخيري وتوجيهه وتنسيق جهوده للقضاء على الفقر
- خلق فرص العمل لمحاربة الكسل والبطالة ، ففي الحديث : لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا ، فيعطيه أو يمنعه .(متفق عليه) ، وروي عن أنس بن مالك أن رجلا من الأنصار أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله ، فقال : أما في بيتك شيء ؟ قال : بلى ، حلس (كساء) نلبس بعضه ونبسط بعضه ، وقعب (قدح) نشرب فيه الماء ، قال: ائتني بهما ، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال من يشتري هذين ؟ قال رجل :أنا آخذهما بدرهم، وقال :من يزيد على درهم ؟ مرتين أو ثلاثا : قال رجل : أنا آخذهما بدرهمين ، فأعطاهما الأنصاري وقال، اشتر بأحدهما طعاما وانبذه إلى أهلك ، واشتر بالأخر قدوما ، فائتني به ، فشد رسول الله عودا بيده ثم قال : اذهب فاحتطب وبع ..
- توفير الضمان الاجتماعي للعاجزين عن العمل لمرض أو شيخوخة ، فقد رأى عمر رضي الله عنه شيخا يهوديا يتسول فقال : لا والله ما أنصفناك ، إذ أخذناها منك شابا ، ثم ضيعناك في كبرك ، ، فأمر له بعطاء
- سن قوانين صارمة لمكافحة الظاهرة ، وإلزام ذوي المتسولين بكفالتهم
- تنظيم الكفالات المحظرية ، وتشجيع مراكز رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة
- التطبيق الصارم لقانون إلزامية التمدرس لإنقاذ الأطفال من براثين الشوارع
- إنشاء مراكز التأهيل المهني
ثانيا : على مستوى منظمات المجتمع المدني، والأفراد الخيرين :
- دعم جهود الدولة في مساعدة الفقراء والمساكين بطريقة مشرفة.
- القيام بحملات توعية مكثفة لنشر الوعي الديني والاجتماعي في صفوف المجتمع ، لتغيير العقليات الاتكالية
- إقامة أوقاف  وتنظيم الزكاة ومشاريع خيرية جادة في محاربة الفقر 
- إنشاء محاظر نموذجية لتحفيظ القرآن يمولها الآباء تكون  بدائل مناسبة عن تسول ألمودات.
*عوائق:
لقد بذلت الدولة جهودا كبيرة من أجل القضاء على الظاهرة ولكن ثمّة عوائق لا بدّ من ذكرها:
- صعوبة تنظيم المساعدات التي تقدمها الدولة للفقراء لعدم إمكانية ضبط الإحتياج الأسري، مما تسبّب في مزاحمة الأقوياء للضعفاء
- الخوف من إثارة المجتمع بسبب الضغوط الإجتماعية التقليدية.
- كثرة مردودية التسول على المتسولين فمنهم من امتلك سيارات وعقارات...
-  انتشار التحايل والمجاملات واللامبالات في المجتمع
- مشكلة الإدمان في التسوّل يجد المتسولون متعة في نوادي التسول من صداقات وملح وذكريات...
* تجربة واقعية:
فتحت الدولة منذ سنوات مراكز لإيواء المتسولين في مقاطعات العاصمة، ونظمت الشرطة حملة لاقتياد المتسولين من الشوارع إليها، وكانت المراكز توفرلهم التغذية وتدرب بعضهم على المهن كالخياطة ونسج الشبكات... وتقدم لهم دروسا من الأخلاق والدين، وتزودهم بمبالغ للاستثمارات البسيطة تحت رقابة المركزومساندته ولكن ماذا حدث؟ 
- يستفيدون من الخدمات ويعودون إلى الشوارع
- بدأت وساطات المواطنين الذين لم يكونوا متسولين للتقييد في المراكز بغية الإستفادة
- بل أصبح الذين يريدون التسجيل في المراكز يخرجون للتسول في الشوارع لتقتادهم الشرطة إلى المراكز، فبدلا أن تكون العملية للامتصاص صارت توالدية، فالمسألة محيّرة ولكن لا بدّ من البحث عن حلول ناجعة، وليست عندي، ولكن المقاربة القانونية الصارمة مطروحة للنقاش.

1. يناير 2017 - 13:19

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا