قال "رئيس العمل الإسلامي" محمد ولد عبد العزيز وهو يرتدي عمامته الزرقاء بأن موريتانيا ليست دولة علمانية، قالها أكثر من مرة، وفي أكثر من خطاب، أمام حشود شعبية تظاهرت مرة ضد حرق الكتب الفقهية، وتظاهرت مرات أخرى ضد كاتب المقال المسيء.
قال "رئيس العمل الإسلامي"
تلك العبارة لأول مرة في يوم 29 ابريل 2012 عندما استقبل مسيرة حاشدة أمام قصره جاءت للتنديد بحرق الكتب الفقهية، يومها قال مخاطبا الجماهير المحتشدة أمام القصر الرئاسي: " إن الجمهورية الإسلامية الموريتانية جمهورية مسلمة وليست علمانية، وهذا ما يحتم علينا جميعا قمة وقاعدة حماية هذه المقدسات، وهو الواجب الذي يقع كذلك على عاتق العدالة الموريتانية إحقاقا للحق. ونحن جميعا على استعداد للتضحية من أجل ديننا وأن نضرب عرض الحائط بالعلمانية التي لا نقيم لها وزنا."
وقالها للمرة الثانية في يوم 10 يناير 2014 عندما استقبل أول مسيرة شعبية خرجت إلى القصر الرئاسي للمطالبة بمحاكمة كاتب المقال المسيء، يومها قال : "أيها المواطنون، أيها المسلمون، أشكركم كل الشكر على تواجدكم في هذا المكان تنديدا بهذا الإجرام الذي اقترفه شخص في حق ديننا الإسلامي، دين دولتنا، دين الجمهورية الإسلامية الموريتانية. وكما أكدت لكم في الماضي أؤكد لكم اليوم مجددا أنها ليست دولة علمانية وأن ما قمتم به اليوم هو أقل ما يمكن القيام به، رفضا لهذا الإجرام في حق ديننا الحنيف، وأطمئنكم أنني شخصيا والحكومة لن ندخر جهدا من أجل حماية هذا الدين ومقدساته، وعلى الجميع أن يفهموا أن هذه الدولة دولة إسلامية وأن الديمقراطية لا تعني المساس بالمقدسات.".
تلكم كانت فقرات من خطابين ل"رئيس العمل الإسلامي" كان قد ألقاهما أمام حشود شعبية جاءت إلى القصر الرئاسي في مسيرتين حاشدتين، ومن المؤسف بأنه سيتضح فيما بعد بأن تلك الخطابات لم تكن خطابات جدية، ولو أن تلك الخطابات كانت جدية لكان شرع الله قد تم تطبيقه منذ مدة في كاتب المقال المسيء، ولو أن تلك الخطابات كانت جدية لما تم استقبال مسيرات النصرة في أكثر من مرة بالقنابل المسيلة للدموع.
موريتانيا ليست دولة علمانية هذه ما سمعناه أكثر من مرة من "رئيس العمل الإسلامي"، ولكن وعلى الرغم من ذلك فها هي لجنة الشؤون الاجتماعية في الجمعية الوطنية تناقش يوم الجمعة 31 ـ12 ـ 2016 مشروع القانون المتعلق بالعنف ضد النوع، وذلك بعد أن ألغي التحفظ على الكثير من مواده باستثناء ثلاث مواد فقط، وسيتم تقديم مشروع القانون هذا على النواب في جلسة علنية للمصادقة عليه، وذلك بعد أن صادق عليه مجلس الشيوخ في جلسته ليوم 22 ـ 12 ـ 2016.
مشروع قانون العنف ضد النوع والمكون من 74 مادة موزعة على خمسة فصول، ورغم أهمية بعض مواده إلا أنه في مجمله يدخل في إطار تنفيذ الوثائق والتوصيات التي تسعى الأمم المتحدة إلى فرضها على دول العالم، وعلى رأس تلك الاتفاقيات اتفاقية "سيادو" التي تطالب بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، بما في ذلك التمييز القائم على أساس ديني، ومن بين أشكال التمييز التي تسعى الأمم المتحدة للقضاء عليها: الولاية فبما أن الرجل لا ولاية عليه فإن المرأة يجب أن لا تكون عليها ولاية؛ القوامة؛ العدة؛ تعدد الزوجات؛ الزواج المبكر؛ إعطاء المرأة حق التصرف في جسدها؛ تقييد حق الزوج في معاشرة زوجته؛ تشريع الزنا، بل وتشريع العلاقات بين شريكين من جنس واحد..
وبالعودة إلى مشروع قانون العنف ضد النوع فإنه سيعني إن تمت المصادقة عليه من طرف البرلمان الموريتاني بأن هناك عقوبة قد يتعرض لها الولي الذي يزوج من يقل عمرها عن 18 سنة، وهذه العقوبة تم تحديدها في المادة 21، وهذا نصها: "إذا زوج الولي فاقد الأهلية دون احترام القانون، اعتبر هذا الزواج شرعيا، غير أن الولي يعترض للسجن من ستة أشهر إلى 5 خمس سنوات، ولغرام من 150.000 مائة وخمسين ألف أوقية إلى 300.000 ثلاثمائة ألف أوقية، إذا كان تصرف لمصلحته". الأخطاء اللغوية الموجودة في نص المادة هي من المصدر.
كما أن هناك عقوبة أخرى تنتظر الزوج الذي يمنع زوجته من ممارسة حرياتها العامة، والحريات العامة تعني من بين أمور أخرى أن تخرج المرأة من البيت متى شاءت وكيف شاءت وإلى أي مكان تريد. جاء في المادة 19 من مشروع هذا القانون: "يعاقب من سنة إلى سنتين حبسا كل زوج يمنع أو يقيد شريكه عن ممارسته لحرياته العامة".
هذه مجرد أمثلة من بين أخرى لم يتسع المقام لبسطها وهي تعكس في مجملها بأن مشروع القانون هذا يخالف بشكل صريح مبادئ الشريعة الإسلامية والتي يجب أن تظل هي مصدر التشريع الأول في هذه البلاد. فهل ستمرر الغرفة الثانية من البرلمان الموريتاني مشروع القانون هذا كما مررته الغرفة الأولى؟ وهل سيتحرك الشعب الموريتاني المسلم ضد هذا القانون المخالف لمبادئ الشريعة الإسلامية إن تمت المصادقة عليه من طرف البرلمان الموريتاني؟ وهل سيضطر "رئيس العمل الإسلامي" في الأيام القادمة إلى لف رأسه بعمامته الزرقاء؟ وأن يقول من جديد بأن موريتانيا ليست دولة علمانية؟