كلمة الإصلاح فاجأتها هذه الأيام المواقع التي تـنشر جميع ما طرأ في هذا الكون سواء كان سيئا على المسلمين أو فيه منفعة ، وإن أسوأ جديد على المسلمين هذه الأيام هو هذا القانون الجديد المقدم الآن أمام أعضاء البرلمان المسلمين جميعا ليهلكهم عن بيـنة كما أهلك قبلهم مجلس الوزراء بتوقيعه في سجلهم
الأخروي على هذا القانون، فالله يقول(( ولا تـشتروا بعهد الله ثمنا قـليلا إنما عـند الله هو خير لكم إن كـنـتم تعـملون )) .
فعهد الله إلى العباد ألا يعبدوا الشيطان فهو عدو لهم ، وأكبر عبادة للشيطان أن يتعمد الإنسان إطفاء نور ربه بآراء وقوانين من لا يرجون لقاء ربهم (( يريدون أن يطفـئوا نور الله بأفواههم ويابى الله إلا أن يتم نوره )) .
لأن الله تبارك وتعالى يقول (( يأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبـيـنا )) ويقول ((قد جاء من الله نور وكـتاب مبـين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبـل السلام )) .
فهذا القانون مكتوب بحروف من النار فـقد عمد إلى أكبر تـقـنين قرآني في الإسلام وأكبر توضيح للمولى عز وجل يقدمه إلى عباده للحكم به بين ما يقع بينهم من مخالفات ألا وهو قانون الأسرة أو قانون الأحوال الشخصية كما يسمى تارة فألبس فيه الحق بالباطل .
فهذا القانون أنزل الله فيه سورة خاصة به سميت سورة النساء وفيها كثير من كلمة يسألونك ، ويستـفـتونك وبعدها إجابات واضحة من الله في شأن أحكام الأسرة ، والله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم (( وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تـتـبع أهواءهم وأحذرهم أن يفـتـنوك عن بعض ما أنزل إليك فإن تولوا فأعلم أنما يريد الله أن يصيـبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون )) .
ويلاحظ هنا قوله تعالى (( وأحذرهم أن يفـتـنوك عن بعض ما أنزل الله إليك )) " وليس كله " بمعنى أن ترك جزء ولو قـليل من ما أنزل الله من الأحكام والحكم بغيره فإن الحاكم بذلك سيصيـبه الله بعذاب بسبب هذا العمل مع الحكم عليه بالفسق .
فهذا القانون النوعي المسيء للمسلمين قد ألقت مواده كثيرا من الحكم بآيات الله تعالى التي أنزلها في كتابه ليحكم بها خلفاؤه في الأرض بين عباده كما قال تعالى (( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اريك الله ولا تكـن للخائنين خصيما )) ويقول لنبـيه داوود عليه السلام (( يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس بالحق ولا تـتـبع الهوى فيضـلك عن سبـيل الله )) الخ الآية .
فهذا القانون المسيء الذي أوحى الشيطان به على المسلمين ليضلوا عن سبـيله (وهم مع ذلك يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) لم تذكر في مادة واحدة منه أحكام الأسرة المبثوثة في القرآن ، فـتارة تكون آياتها متـتابعة وتارة تأتي بحسب الموضوع الذي أدرجت في سياقه .
ومن الغلط والمغالطة في الأحكام والفرق الكبـير الذي لا نهاية له (ولا سيما في قضية حقوق الإنسان) عند الله وعند الإسلام هو أن الله يخاطب الإنسان ولا سيما المسلم عن طريق ضميره فيعده بالحساب على هذا الضمير الذي لا يعرف ما في داخله ولا ما في تفكير صاحبه إلا المولى عز وجل ، يقول تعالى (( إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله )) الخ الآية ، ولذا حرم أمراض القـلوب بين الإنسان والإنسان مثـل : البغض والحسد إلى آخره .
وقانون البشر لحقوق الإنسان يخاطب الناس بكتابة مواد عقوبة مخالفتها دنيوية فقط والتحايل عليها يقع من طرف مرتـكـيـبها ومن طرف القاضي الذي يحكم فيها .
فالله تبارك وتعالى عندما أنشـأ هذا الإنسان ويريد له البقاء إلى أجل مسمى فهو الذي جعله يتوالد ويتكاثر عن طريق إنشاء الأسرة المتكونة من ذكر وأنـثى يقول تعالى (( افرأيتم ما تمنون آأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون )) ويقول تعالى(( يأيها الذين الناس إنا خـلقناكم من ذكر وأنثى )) الخ الآية وفي نفس الوقت جعل بين هذا الكيان الأسري مودة ورحمة يقول تعالى :(( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بـينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتـفكرون)) وهذه المودة والرحمة لا يمكن لمقـنـن حقوق الإنسان أن يجعلوها بين الزوجين لولا خلق الله لها بين كل زوجين ، كما جاء إظهار هذه المودة والمحبة الخالصة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جاءته امرأة وهو قادم من غزوة فنعى لها في تـلك الغزوة أبوها وأخوها فاسترجعت ودعت لهما وعندما نعى لها زوجها في الأخير قامت تولول وتظهر علامات شدة الحزن والألم فقال الرسول صلى الله عليه وسلم عـندئذ إن زوج المرأة عندها لبمكان أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
كما أن الله تبارك وتعالى هو الذي سمى العقد بين الزوجين ميثاقا غـليظا من الله يقول تعالى(( وآتيتم إحداهن قـنطارا فلا تاخذوا منه شيئا أتاخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تاخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذنا منكم ميثاقا غليظا )) كما أوصت الشريعة الإسلامية بوحيـيها القرآني والسني على هذه العلاقة لاسيما جانب الأنوثة منها يقول تعالى : (( ولن تستطيعوا أن تعـدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة )) إلى آخر الآية ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : استوصوا بالنساء خيرا إلى آخر الحديث المفصل لطبيعة النساء الخبـير فيها بوحي من الله ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير .
وبعد هذه العمومية فإني سوف أصل إلى جوهر الموضوع وهو مناقشة وجود أحكام الله مع الأحكام الوضعية .
فأقول أننا نحن الموريتانيـين المسلمين 100% قد أعطانا الله أننا لم يحكم فينا في الأحوال الشخصية إلا بالقانون الإسلامي حتى جاء هذا القانون النوعي المسيء المجانف لحكم الله في الأسرة.
فالقوانين الوضعية بجانب قوانين الله مثـل الربا فهو يشبه البـيع ولكن الله حرمه بل لعن الله آكله وموكله وحامله والوسيط فيه فكذلك القانون الوضعي المخالف لنصوص الله الواضحة سيلعن الله المفكر فيه وكاتبه والمصادق عليه وكل من لا ينـكره حسب درجات الإنكار باليد واللسان والقـلب .
فالاستعمار ترك لنا أحكامنا الشرعية المملوءة منها كتبنا الفقهية الإسلامية وعلماؤنا تضلـعوا من معرفتها حتى النخاع .
وعندما جاءتـنا حكومتـنا الأولى تركتـ لنا تـلك الأحكام الخاصة بالأسرة وجعلت لها قضاة خاصين بها وعندما جاءتنا اللجنة العسكرية تركتـنا كذلك وعندما جاء رجلها المؤمن الموفق الخائف من الله حقيقة محمد خونه ولد هيدالة أعلنها كلمة خالصة مؤمنة أصلها ثابت وفرعها في السماء توتى أكلها حين بإذن ربها .
فلم يقتصر إيمانه بتطبيق قوانين الأحوال الشخصية فقط بل قال للعلماء جملته المشهورة التي سجلت في سجله الأخروي الذي سوف يقرؤه أمام الله (وهو وإن كان الآن رجل عادي يمشي في الأسواق فإنني أرجوا من الله أن يضع رجله في الجنة حتى يسمع الرسول صلى الله عليه وسلم خشخشتها كما سمع خشخشة نعل بلال رضي الله عنه في الجنة نتيجة عمله للإسلام).
فقد نادى هذا الرئيس المؤمن عند ذاك لعلماء البلد المرموقين وقال لهم هذه الجملة الكلية الذهبية : كل حكم كتـبتموه في أي مسألة وقـلتم لي أن هذا هو حكم الله في قضايا هذا الشعب أوقع لكم عليه لتطبيقه في موريتانيا .
فعندئذ تساقطت أصنام القانون الوضعي فجلس العلماء حينـئذ وقـنـنوا القانون الجنائي طبقا للقوانين الإسلامية حتى أسقطوا في آخره الصنم الكبير الذي كان مكتوبا فيه عبارة : كل ما لم يوجد في هذا القانون يرجع فيه للقانون الجنائي الفرنسي فأبدلوها بالكلمة الحسنة التي هي بعشر أمثالها وهي : كل ما لم يوجد في هذا القانون يرجع فيه إلى مبادئ الشريعة الإسلامية .
وهنا أقول للموريتانيـين إن حق ذالكم الرئيس عليكم ستجدونه أمامكم في الآخرة ، فهذا القانون الذي مازال ولله الحمد هو المحكوم به الآن ترك المسؤولية في الأحكام في الآخرة على شخصين فقط القاضي الذي يحكم في الموضوع ورئيس الدولة الذي عليه أن ينـفذ حكم القاضي ولا مسؤولية على الشعب بعد ذلك إلا لهذين المسؤولين ، أما قبـل تـقـنين ذلك القانون فإن جميع الشعب كان آثما على السكوت على الحكم بالقانون الوضعي ، أما الآن فإن الشعب الآن سيأثم بالسكوت على اقرار هذا القانون النوعي الوضعي المسيء المكروه جملة وتـفصيلا .
فهذا القانون المسيء جاء من عند مقدمه مريضا معديا فهو أولا مخالف لكتاب الله وسنـة رسوله صلى الله عليه وسلم بمعنى مواده كتبت ضد الدستور الإسلامي الأخروي ( القرآن ) كما كتبت ضد الدستور الموريتاني الدنيوي.
فالدستور القرآني جاء فيه كثير من الأحكام الإسلامية في شأن الأسرة بعد سؤال الصحابة عن الحكم في قضية تتعلق بالنساء يقول تعالى (( يستـفـتونك في النساء قل الله يفـتـيكم فيهن وما يتـلى عليكم في الكتاب )) بمعنى ما يتـلى عليكم في الكتاب من أحكام النساء هو الحكم فيهن ومـما يتـلى علينا في الكتاب من أحكام النساء هو الحكم بين الزوج والزوجة إذا اخـتـلفا يقول تعالى (( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما )) .
أيها المسلمون أنظروا الفارق بين حكم الله وحكم البشر فالله أشرك الأقارب هنا وأمرهم بالصلح أمام القاضي كما وعدهم بأنهم إن أرادوا الصلح سيوفـقهما الله له ، بينما المادة تقول إذا وجه الرجل للمرأة كلاما يمس بإنسانيتها وكرامتها يسجن من كذا إلى كذا أو يغرم مبلغ كذا فأين المساكنة والمعاشرة بين الأزواج إذا كان أحدهما مسجونا بسبب شكاية الآخر منه ومغرما كذلك بنفس الشكاية فهذا القانون أقرب اسم له هو القانون النوعي لتـفـكيك الأسرة ، فالآية تقول:((والتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعـنكم فلا تبـغون عليهم سبـيـلا )) فالشريعة الإسلامية هي التي تحدد هذا التأديب الذي ينسجم مع ترك الأسرة مترابطة يمكنها استـئناف حياتها كما أقرها الله فالمولى عز وجل خاطب الرجل بأعظم وأحسن وأقـرب عبارة تبـقيه إلى الأبد مع زوجه عندما يطرأ عليه فـكر مفارقـتها يقول تعـالى : (( وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا )) .
وكذلك فإن الأب إذا زوج ابنته القاصرة التي كان ينفق عليها وهو أدرى بمصالحها وأكثر شفقة عليها ، فإن العقد صحيح ولكن وكيل المرأة خالف القانون ويسجن مدة كذا وكذا بمعنى أن الأب يري نفسه سجينا بسبب تصرفه الإصلاحي في نظره على ابنته وفـلذة كبده ( يا لبلادة التـفكير واعوجاجه ) .
كما أن هذا القانون مخالف للدستور الموريتاني الذي هو المهيمن على جميع القوانين سواء كانت صادرة من البرلمان أو عن طريق مراسيم يصدرها الرئيس أو قرارات يصدرها الوزراء الخ .
فكل قانون صدر مخالفا لهذا الدستور فهو يلغي تـلقائيا بقوة قانون الدستور .
فالدستور الموريتاني ينص في ديـباجته على ما يــلي :
ونظرا إلى أن الحرية والمساواة وكرامة الإنسان يستحيل ضمانها إلا في ظل مجتمع يكرس سيادة القانون، وحرصا على خلق الظروف الثابتة لنمو اجتماعي منسجم يحترم أحكام الدين الإسلامي المصدر الوحيد للقانون فهو يتلاءم ومتطـلبات العالم الحديث .
ومعنى هذه الفقرات من الديباجة الدستورية هو أن أحكام الدين الإسلامي وكل ما جاء في هذه الأحكام والعمـل بها في الشعب الموريتاني هو الذي يضمن النمو والانسجام بين أفراده ، وكذلك في هذه الأحكام من الحرية والمساواة ما يغـنى عن غيره ، وعليه فإن مواد قانون النوع المسيء لا مكان لها في التطبيق على الشعب الموريتاني .
فما يعني منها الجنايات والجنح فهو مقـنـن في القانون الجنائي الموريتاني بتفاصيله طبقا للشريعة الإسلامية أما أحكام قانون الأسرة فيحرم تـقـنيـنه مخالفا للشريعة الإسلامية طبقا للشريعة نفسها وطبقا للدستور الموريتاني مثـل : سجن الأب المزوج لابنـته القاصرة ، لأن الشريعة الإسلامية أطلقت لوكيل الأبناء الحرية في التصرف فيهم ومنه تزويج القاصر منهم وعقوبة الأب على ذلك وقعت مخالفة لنص ولا عقوبة إلا بنص .
وفي الأخير فإن هذا القانون بالرغم من موافقة بعض أحكامه مع الشريعة الإسلامية فلابد أن يكون منطلق إرادة التـقـنين له إرادة إسلامية والمواد كذلك شارحة فقط للأحكام الإسلامية ، والحكمة في ذلك أن مواد قانون البشر جامدة لا يجوز للقاضي أن يحكم خارجها والشريعة الإسلامية بما أنها جاءت لمصلحة العباد فـقد تركت للقاضي تميـيز كل قضية على حدة حسب ظروفها بشرط عدم خروجها عن المصلحة العامة وأعطت للقاضي ما يسمى بالتعـزير الذي يمكن تـنويعه في كل قضية بشرط أن لا يتجاوز الحدود الشرعية .
فعلى كل مقـنـن إسلامي أن يتـذكر ساعة تـقـنينه قوله تعالى (( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عـند الله ليشـتـروا به ثمنا قـليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم من ما يكسبون ))