يعتبر مثول الوزير الأول أمام البرلمان لتقديم تقرير سنوي عن عمل الحكومة، وآفاقه خطوة تقليدية، تقتضيها القوانين المعمول بها، وفي الغالب كان معظم رؤساء الحكومات الموريتانية يلجؤون إلى خطابات رنانة، إنشائية، عمومية في مضمونها، غامضة في أهدافها، هلامية في معطياتها.
ومع تعيين الوزير الأول المهندس يحي ولد حدمين على رأس الحكومة، قرر الرجل القطيعة التامة مع سياسة الغموض هذه، وجعل من التقرير السنوي للحكومة وثيقة حقيقية، تقدم المشاريع (المنجزة، وقيد الإنجاز، وفي طور الدراسة) ترسم الأهداف بدقة، (القريبة، والمتوسطة، والبعيدة) تنطلق من مقدرات الدولة، لتحدد أولويات التنمية، واحتياجات المواطن.
ولعل قراءة أولية لتقرير الوزير الأول هذه السنة أمام البرلمان تمكن من استنتاج الملاحظات التالية:
أولا: تقييم للواقع، واستشراف للمستقبل..
حيث قدم ولد حدمين أمام نواب الشعب المشاريع التي تنجزها الحكومة، أو التي أنجزتها خلال 2016 بلغة الأرقام، والمعطيات الفنية، ولم يتجه الرجل للقول إن حكومته حولت موريتانيا إلى جنة خضراء بين ليلة وضحاها، فالرجل بطبعه "مهندس" يحترم الأرقام، ويقدس الالتزام، ويميل إلى الواقعية، بحكم تكوينه، ومسيرته المهنية.
ثانيا: الشمولية..
فمن يتابع التقرير بدقة سيجده أخذ من كل قطاع بطرف، ولم يستثن أي مجال من مجالات العمل الحكومي إلا غطاه، مع التركيز بالطبع على القطاعات الخدمية التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر (الصحة، التعليم، الأمن،الزراعة، الثروة الحيوانية، الصيد، المياه والكهرباء، البنية التحتية..الخ) فما من مجال من هذه المجالات إلا أوضح التقرير ما تحقق فيه خلال 2016 وما تعمل الحكومة على إنجازه 2017 وكان واضحا من خلال التقرير أن الحكومة تسعى لنقل الخدمة العمومية إلى المواطنين في أماكن تواجدهم، تكريسا لمبدأ تقريب الخدمة من المواطن، ولا مركزية التنمية التي رفع الرئيس ولد عبد العزيز لواءها منذ وصوله سدة الحكم في البلد.
ثالثا: التكامل..
من خلال تقرير الحكومة لهذه السنة يتضح جليا مدى التنسيق، والتكامل الذي يطبع قطاعات الحكومة، مدنية، وعسكرية، وهو ما يعكس الانسيابية، والمتابعة الدقيقة التي يتم من خلالها تسيير عمل الحكومة، وكان واضحا في تقرير الوزير الأول هذه السنة إبراز دور الجيش الوطني، وقوات الأمن، ليس فقط في الدفاع عن الوطن، وضمان أمن المواطن فحسب، بل بالمساهمة الفعالة في جهود التنمية، وهي مقاربة جديدة، وفهم معمق، وتطوير لدور المؤسسة العسكرية، التي شهدت قفزة بكل المقاييس خلال السنوات الأخيرة.
إن على الجميع أن يدرك أن التقرير السنوي للحكومة أمام البرلمان هو بالأساس "وثيقة فنية"، وليس خطابا سياسيا، والفرق شاسع بين الإثنين، ومن يريد أن يحاكم وثيقة فنية، بقوانين الخطاب السياسي سيظلم نفسه، قبل أن يتجنى على الآخرين.
فالوزير الأول المهندس يحي ولد حدمين يوجه خطابه لكل المواطنين، من هم في المدن، ومن هم في الأرياف، ومن يمارسون الزراعة، وموظفي القطاع العام، والخاص، والأسر، والعاطلين عن العمل، .. الشباب، والنساء، والمتقاعدين، وحتى الأطفال، بل والسجناء... كل هذه الفئات وجدت شيئا يهمها، ويقدم لها الجديد المفيد في تقرير الوزير الأول أمام البرلمان هذه السنة، وهنا تكمن أهمية التقرير، وسر نجاحه، أما التأويلات المتحيزة، والمواقف المسبقة، والانتهازية السياسة فتلك أمور لا نتوقع أن يسلم منها تقرير الوزير الأول أمام البرلمان، إذ لم يسلم منها الإسلام، والقرآن، فبنظر البعض كل شيء يقاس نجاحه، وأهميته بقدر ما يمكن أن يـُستغل سياسيا، وليس بقدرما يعود بالفائدة على الوطن، والمواطن.