يالرزام اتكلم / محمد سالم ولد محمدو

altشمرت السيدة الخاتون الفاضلة سيسة منت بيده مد الله في عمرها ويسر كل أمرها وزان بها سعد البلاد، عن ساق الجد وذراع الإيجابية وهي تقود الناس أو تسوقهم إلى مهرجان المدن القديمة في ودان، وهو أمر يستحق من الجميع الإشادة، ويتطلب منه المساندة.

 فقد يكون في العناية بالمدن القديمة عوض عن هدم أحلام المدن الجديدة التي وعد بها الرئيس في حملاته ووزير الإسكان في خرجاته، ثم لم تكن الأولى ولا الأخيرة، إلا "مدائن ريح" لا وجود لها إلا في كتاب الحملة المكتوب بليل. ولقد نمت إلينا الأخبار أن الوزيرة خصصت صررا من المال عظيمة، ومصاريف ضخمة لاحتفالية ودان واستدعت لها كل عالم متحرر أو زميت وكل شاعر أو زامر، قبل أن يفتتح الرئيس المهرجان ويجول بين آثار قديمة، ومعالم جليلة من بينها طبل "الرزام" ذو المقام الرفيع والصوت الجليل في تاريخ موريتانيا، المتناغم في الاسم مع دلالته الأصلية في اللغة العربية التي تعني "الإرزام" والهدير وهو الصوت الثقيل المرعب المناسب للحروب وإيقاعها، والمتناغم مع وقفة الرئيس في "ساحة الرحبة". وللطبول قديما حضور راسخ في حياة الموريتانيين، فلقد كان يقرع للسلم والحرب ولإرشاد الضوال وجمع أهل الحل والعقد، فكان بوق إنذار ووسيلة إعلام، بل صار في بعض الأحيان علما على الجيوش، فمن كان أكثر " طبولا" كان أكثر عددا وأكثر مقاتلين، بل قد يستخدم الطبل في قضايا أخرى غير "أمنية ولا سياسية"، بل قد يكون كناية عن بعض المراسيم الاجتماعية كالزواج مثلا وأذكر جارا لنا كان شيخا متصابيا حلف لي مرة - ولم استحلفه- إنه لذو سبع طبول. كما أن للطبل اليوم والتطبيل حضورا بارزا في الحياة السياسية اليوم بين من يقرع الطبل ضد الجنرال أو يقرعه من أجله، وقد أحسن الشباب المعارضون يوم أهدوا أغلبية الرئيس في البرلمان طبلا، يعينهم في حفلات "المديح" التي يقيمونها صباح مساء في "مرجع" البرلمان، ثناء على الرئيس ونشرا لما طوى الدهر من فضائله وما لم ير الناس من إحسانه إليهم، وما لم يقرع مسامعهم من تودده الوارد كل بيت الداخل – بدون استئذان – كل قلب مواطن، أو إلى هذا المعنى على الأقل تحيل "اتهيدنات " الأغلبية على الرئيس العزيز. وكأن الدهر يعيد نفسه، والأيام تنشر رميمها فقد كان السلف الصالح يشترطون في الطبال أن يكون طويل القامة جميل السمت، فيبدو قبل أن يدخل جوقة الطبل، وكم من مطبل اليوم طويل القامة جميل السمت وقور هادئ، اتخذ من التطبيل مهنة لا تليق بوقاره ولا طوله ولا بياضه والبياض قليل الحمل للدنس. ومن هؤلاء للأسف من لا تنفعه "الغمزية" فإن أعدتها عليه جاد في تطبيله بأضعاف مضاعفة كما يغمز الطبل. وبين أصوات الطبول المتناقضة يخشى على أذن الرئيس أن تكون "أذن شواط" رغم أن صوره الرسمية أو على الأقل تلك المستخدمة في حملته تقتطع إحدى أذنيه، وتبقى أخرى لعلها التي لا تسمع صرخات الشعب الجائع وأنين المرضى وأصوات "المبكين" الذين يؤكدون بالفعل أن البلد في أزمة وأن الناس في خطر من جفاف ماحق وحرب طحون تشب نيرانها شمالا وجنوبا.  

 

"صالح ذاك الوسات الريح" بل لعل الرئيس وهو يواجه الريح الصرصر تذكر نفاظة سدوم ولد انجرتو رحمه الله، وهو يذكر طبل أمير البراكنة أحمد بن هيبة بن نغماش، وتذكر طبولا أخرى كثيرة، قرعت ذات مرة في فضاء الرحبة أو قريبا منها وفي مواضع وأماكن متعددة من هذا الوطن المستوى على قاع الأزمات استواء جلدة الطبل عليه. أما المعارضة فلا شك أنها تمثلت - وهي ترى الرياح الزعازع تطوي خيام الثقافة وترغم وزيرة الثقافة على التشمير عن ساق الجد لمواجهة هذا الظرف الطارئ القول الذائع المشهور (مع حذف ما لا يناسب حصيرة القراء). مستن حاله تيت انطيح *** اعليه غامزن صالح صالح ذاك الوسات الريح *** وذاك الواس صالح "صالح" وفي الأمر منحى آخر غريب، يذكر بقصة الأحزاب يوم تهاوت خيمها وكفيت قدروها بريح زعزع، جعلت أبا سفيان رضي الله عنه يرتحل جمله المعقول عائدا إلى مكة، كما تعجل الرئيس في عودته إلى نواكشوط. ولقد كانت الريح تمر على أهل ودان دون أن يكترث بها الناس، ودون أن تثير هذا الذي أثارته من الزخم والشغب، ولكن ريح السلطة ليس كريح من سبق، فهي ريح زعزع لا تبقي ولا تذر، ليست من ريح البلاد المعروفة. فمن أنتم إنا نسينا من أنتم *** وريحكم من أي ريح الأعاصر

 

قال الرزام ولو تكلم الرزام اليوم لقال للرئيس محمد ولد عبد العزيز، أنا بقية سلف صالح ومجد غابر وقصة شموخ قديمة، رافقت مغاوير "أولاد امبارك" وجلت بين فجاج العز والشرف كل مجال، ولئن أشاب الدهر ناصيتي، ولئن أصبحت اليوم تحفة تتلهى بها أنت وبنت بيده، ومن يرد المتحف من أطفال المدارس ورواد الثقافة، لقد كنت عالي الجناب مهيب المقام، ولكنه الدهر دول ولو دامت لسادتي الأمراء الكبار لما وصلت إليك، أفتراها تبقى عندك، أو تبقى لك أو تبقى لها، ولم تأتك منقادة ولا وصلت إليك مختارة. وتذكر قول السابق: مَحَد الدِّنْيَ مايْلَ *** شَوْرَكْ و اعْليهَ مايِلْ أعلم بعد انهَ زايْلَ *** وانتَ وَيَّاهَ زايلْ فلا تغضب من قولهم "ارحل" فأنت مهما أطلت المقام راحل لا محالة. ولقد مر علي زمان تعاطاه الناس نعمة وأمنا، فكنت في ظل قوم هم ملجأ الخائف ومأوى الطريد، حماة الضعيف وسند المحتاج، يأمن جارهم بوائقهم، لا يبارزون طواحين الهواء، لا يخلطون بين "التجارة والإمارة". ولو نطق الرزام اليوم لقال للرئيس إن الناس اليوم ينتظرون منك "اراتيم الفزعة" ضد جيش الفقر المعتدي عليهم، ونار البؤس التي تلحفهم، ومقامع الجوع التي منحتهم إياها، أما تراهم كل يوم صرعى فاقة مهلكة، أو وباء قاتل، أو كساد أو جفاف ماحق فإذا شكوا إليك بشرتهم أن البلد بخير، وأن الكواكب والنفاثات في العقد بشرنك أن ماء السماء قريب من الأرض وإن هي إلا أيام قليلة حتى يحصد الزرع، ويدر الضرع، ثم جاءت بعد ذلك شهور محق "صرفن عن الشراء والابتياع". فإذا أعادوا الشكوى إليك عيانا قلت أنك ترعاهم بعين بصيرة، ولو أكملت لقلت: ولكن يدي عن عونكم ونصرتكم "قصيرة" ولئن قصرت يد فخامتكم عن "اراتيم الفزعة" فلا تقصر بك عن "اراتيم اجماعة" فليس بإمكانك أن تسوس الناس لوحدك ولا أن تختار من شيعتك من تهمس في أذنه فيسبح بحمدك، وتحاوره دون غيره، ولأنت اليوم أحوج إلى حوار ينقذك من "أزمة الحكم" منك إلى قوة تردع بها خصمك، فهو يقوى كل يوم وأنت بأنصارك وأغلبيتك ونوابك تواجهون "أزم الدهر والأعوام الشهب" بسياسة النعامة ،(لا شالت نعامتكم). وليس بعد هذين إلا "اخبيط الرحيل"، ولقد يضرب الناس للرحيل طبولهم ثم لا يتاح لكم من ذلك الرحيل عودة، ولا يتاح استدراك، ذلك أن الاستبداد وسوء الإدارة خطر ماحق وسوء تقدير يورد الناس مزالق لا يصدرون منها، فإذا استمروا في غيهم، كانت كل قراراتهم "لبن الرحيل". إن "الرزام" يا سيدي ليس إلا هذا الشعب الخالد الذي تميله يمينا وشمالا يلقاك إذا شرقت مرحبا وإذا غربت تلقاك فرحا مثنيا، هو على ظرافته وأصالته، صلب المراس إذا ما استمر مسلسل تجويعه، وتخريب حاضره ومستقبله، فلا تتوقع منه أن يردد على مسامعك "كان اعكدت اكمامك..الله ادوم أيامك"، بل قد ينشد لك أحراره. يالرزام اتكلم *** شرك ما فيه الهم لابط كون احن *** والغيدات ولخدم. وقد ينطق الرزام / الشعب، وحينها سيقول: أنا الشعب لا أعرف المستيحلا ولا أبتغى بالخلود بديلا.

6. فبراير 2012 - 16:52

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا