الإنسان بدون أخلاق مجرد أصفار/ محمد ولد الطالب ويس

في التربية نعتمد أساسا على البعد الفكري، أي حشو العقل بما تيسر من المعارف والعلوم، والحقيقة أن أبعاد النفس ثلاثة نحتاج في التربية لتعهدها بشكل متساو إذا أردنا شخصية متزنة متوازنة.
لا شك أن العلوم هي مصابيح الحياة،

 بها يستنير العقل ويتسامى ويبدع، لكن هذه العلوم إذا لم يستفد منها الإنسان في حل مشاكل الحياة المعقدة المتجددة ستبقى مجرد أسفار يحملها حمار، وإننا لنعاني من هذه المشكلة في حياتنا اليومية، فكم من عالم لغوي لا يستطيع تحرير كلمة ولا إلقاء خطاب! وكم من فقيه يقف عاجزا أمام تطبيق بعض الأحكام، وكم من طالب تسرب أو تخرج بعد أن أكمل دراساته ووقف عاجزا أمام إكراهات الحياة لم يفده حصاد السنين من العلوم والمعارف في حل مشكلة!، وكم وكم...، لا تعوزهم المادة الفكرية، ولكنهم يفتقرون للمهارة،؛ من هنا تأتي أهمية البعد العملي أو المهاري، فأي تربية لا تخطط لتحويل المعارف إلى مهارات لدى المتعلمين تظل تربية فاشلة غير قادرة على إعداد الإنسان لمتطلبات حياته، وقد تنجح التربية في تحويل المعارف إلى مهارات، فتنتج إنسانا عالما عاملا، قادرا بذلك على إدارة دفة الحياة، لكن هذا الإنسان إذا لم يكن له وازع خلقي قد يكون علمه المهاري وبالا عليه وعلى الناس، فالعالم أقدر على الشر من الجاهل، من هنا تأتي أهمية الجانب الخلقي في التربية، ذلك الجانب الذي تمكن تنميته بالدروس الدينية، وقصص الصحابة وسير الأنبياء والقادة والصالحين بطرق فنية تجعل المتعلم يتمثل هذه المواقف ويعيشها كجزء من حياته، من هنا يمكننا أن نجد إنسانا عالما، عاملا، ذا خلق رفيع يكبحه عن فعل الشر ويعطيه قيمته كإنسان، لكن هذا الإنسان العالم العامل ذا الخلق الفاضل قد يكون خشبي الوجدان إذا لم يتمتع  بحس فني رفيع يوجه خطاه إلى فعل الجمال وحب الجمال وفعل الخير وحب العدل والحق، من هنا تأتي أهمية تنمية الحس الفني،؛ إن قراءة الأدب الرفيع، والاستماع إلى الموسيقى الراقية، والنظر في الصور الجميلة، والتمتع بالمناظر الطبيعية البديعة... جميع هذه تصقل الحس، وترفع النفس، وترهف الشعور، والتربية التي لا تأخذ هذه الروائع الفنية بعين الاعتبار تقصر في تأدية وظيفتها على أكمل وجه؛ والتربية التي لا تراعي جميع أبعاد النفس البشرية أثناء إعدادها للإنسان تبقى تربية عرجاء لا غرابة إذا كانت مخرجاتها مصابة بالكساح،؛ وصدق الخوارزمي عالم الرياضيات الشهير في معادلته للإنسان حين قال: الإنسان بالأخلاق يساوي1 وبالعلم يضاف له 0 فيصبح 10 وبالحسن والمال يضاف له 0 فيصبح 100 وبالحسب والعمل يضاف له 0 فيصبح 1000، وإذا ما نزعت الأخلاق من الإنسان بقي مجرد أصفار.  
وخلاصة القول للذين يحبذون مكننة الإنسان أننا إذا ما افترضنا أن الإنسان سيارة رباعية الدفع، فاخرة، أنيقة، خرجها للتو مصنع التربية العملاق، فإن هيكل السيارة وكوابحها هي الأخلاق، وإن محركها هو العلم، وإن صندوق سرعتها هو العمل، أما مقودها فهو بيد الحس المرهف والذوق الرفيع.
شفى الله تعليمنا

18. يناير 2017 - 7:23

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا