يوما بعد يوم تتوسع الهوة بين نسخة الدين المقدمة من رجال انقطعوا عن الانتاج الفكري للبشرية منذ اكثر من سبعة قرون ممن يعتبرون مختصر خليل من أعمال ما بعد الحداثة و بين أجيال تعيش في عصر انفجار المعلومات والإغراق بمختلف المشارب الفكرية و الفلسفية .
ما لا يدركه الكثيرون أن التطور التكنلوجي الهائل في الاتصالات و الطب و الصناعة بمختلف انواعها صاحبه تطور هائل في البحوث الفلسفية و الفكرية ، كما ساهمت و سائل الإعلام و الإنترنت في جعل المعارف متوفرة بشكل غير مسبوق حيث يحصل الفرد العادي على كم و نوع من المعلومات لم يعرف التاريخ له مثيلا.
هذا الصبيب المعرفي أدى الى خلق أجيال تختلف مشاكلها و حاجياتها و مداركها عن الأجيال السابقة و يصعب بل يستحيل إقناعها بنفس الأساليب التي مورست من آلاف السنيين على مجتمعات مختلفة .
الأمر الآخر الذي لا ينتبه له البعض ان التطور لم يقتصر على العلوم و الأفكار بل وصل للوجدان الإنساني.
في الماضي كانت العبودية أمرا مقبولا بل طبيعيا فلا تجد تناقضا بينها مع التقوى ، كما كان صلب المخالف للسلطان و سمل عيونه و تقطيعه أمام العامة ممارسة تقليدية و حقا طبيعيا لأولي الأمر، كما كان استحواذ الحاكم على اموال الدولة تصرفا مقبولا و كم تزخر كتب التاريخ و الأدب بمدائح لسلاطين بذلوا اموال الأمة في العطايا لشاعر منافق أو إرضاء لزوجة غيور من جارية رومية جلبها النخاسون.
البعض يحاول أن يسد الهوة العقلية و الوجدانية من خلال التكفير و التخويف و المؤلم اننا نسمع من رجال دين دعوات للقتل بحجة وقف الشباب عن موجات الإلحاد ، و هي إن نجحت فستخلق مجتمعا منافقا يظهر إيمانا زائفا خوفا على سلامته البدنية.
تعلمنا التجربة التاريخية كيف قامت محاكم التفتيش في اوروبا بانتهاج التخويف و القتل كأسلوب لفرض الدين و كيف ادى الى النقيض تماما لتزول هيمنة الكنيسة و يتقلص الدين بشكل غير مسبوق.
نفس الأسلوب انتهجه الرومان لفرض معتقداتهم حيث قدموا كل من رفض آلهتهم الى الأسود لتلتهمهم امام جماهير روما المنتشية بالدم و هو ما تكرره داعش يوميا بصلب المخالفين و التفنن في قتلهم بأبشع ما تفتقت عنه المخيلة و الذي لم يؤد الى تقوية ولا انتشار العقيدة بل تحول الى أحد أكبر أسباب الكفر بالدين و أكثرها فعالية.
الحل لهذه المشكلة هو ما يحاول بعض المفكرين المجددين تقديمه من أمثال عدنان ابراهيم و محمد مختار الشنقيطي ممن جمعوا بين المعرفة الدينية و تشربوا بالفكر الحديث ، فهم القادرون على الإجابة على تساؤلات أجيال اليوم من أصحاب العقول الشكاكة و الضمائر المشبعة بقيم المساواة و الحرية و الإنسانية.