إننا مدعوون معشر المسلمين لتوطيد الصلة بيننا في إطار سياق أوسع، بشريا وجغرافيا، تكريسا لقوله تعالى "وَاعْتَصِمُوْا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيْعًا وَلاَ تَفَرَّقُوْا" ولقوله جل شأنه "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُم"
ووصولا لقوله تعالى "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ" وقوله سبحانه وتعالى "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ".
ولكن انتظارا لتهيئ الفرص لقيام دولة الخلافة هذه، الواسعة النطاق، والتي تبشر بها في آخر الزمان أحاديث نبوية صحيحة عدة، يلزم المسلمين في حيز كل قطر التمسك بعروة الوطن حبا وخدمة وولاءا ونعمة متنوعة المنافع، ظاهرة الضرورة، ينبغي الحرص عليها وعدم التغاضي عن أولويتها وعدم تفضيل انتماءات أخرى أضيق، في سياق عدم الترتيب، والتساهل في حق الوطن وخصلة المواطنة الايجابية الجادة، لصالح العرقية أو الجهوية أو المقاطعية أو القبلية، ولقد باتت هذه عند جل الموريتانيين أعز وأغلى، في جو فوضوي من عدم إدراك قيمة الوطن والمعني العمومي الموحد المقارب لثقافة المواطنة، حين تؤخذ وتطبق في السياق الصحيح، مع أن هذا لا يمنع من الاهتمام اللحظي واليومي بالشأن الانساني العالمي والإسلامي بوجه خاص، تعاضدا مع آلام وآمال الإنسانية جمعاء والأمة المسلمة بوجه خاص، تناغما مع قوله صلى الله عليه وسلم، مما روي عنه من حديثه صلى الله عليه وسلم "من أصبح ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".
ولاشك أن تفضيل البعض للانتماءات العصبية الضيقة على حساب الانتماء الوطني القطري الجامع، يعد تلاعبا بمصلحة قطاع كبير من المسلمين، اجتمع تحت راية موريتانيا بقاسم مشترك، هو الاسلام، وفي حيز جغرافي، هو اقليم الجمهورية الاسلامية الموريتانية، المعترف بها دوليا، ضمن حدود ترابية متعارف عليها دوليا كذلك.
وإن حبذ البعض خدمة أسرته أو قبيلته أو مدينته أو ولايته أو جهته، فلا ينبغي أن يغفل عن ضرورة توازن ذلك مع الصالح العام الأولى والأحرى في فضاءات عدة ومسؤوليات واضحة، تفرض في أحايين كثيرة نكرانا للذات، فمن باب أولى المصلحة القبلية والجهوية، بالمقارنة مع المصلحة الوطنية الجامعة والأكثر الحاحا وإلزاما.
فعندما يصطفى رئيس أو وزير أو مسؤول عمومي، فلخدمة الوطن أولا، قبل الاعتبارات الأخرى، التي قد يحق له أن يعطيها من ماله الخاص أو جاهه الخاص، وليس مما يتعلق بالخزانة العامة أو معاني الوظيفة العمومية، فتلك ينبغي أن تسير وتسيّر وفق حق المواطنة والانتماء العام وليس تبعا للأطر الضيقة.
إننا جميعا معشر المواطنين بغض النظر عن ألواننا وأعراقنا وقبائلنا وجهاتنا مدعوون للارتفاع بمفهوم المواطنة الصحيح، فهما وتطبيقا سليما، أصبح في ضوء انتشار المفاهيم القبلية والجهوية، والتأثر بالأطر الضيقة والضيقة جدا أحيانا، أكثر الحاحا وضرورة.
إن المتتبع لعقليات الناس بصراحة وشفافية وجرأة يكاد يكتشف ما يثير الصدمة.
فحتى النخبة من ذوي العلم والرأي والنفوذ والدثور أكثر تشبثا وتأثرا أحيانا، بالانتماءات الضيقة من مفهوم الوطن الواسع والمواطنة الجامعة الجادة المتوازنة!.
إن هذه المبادئ والمفاهيم الوطنية الجامعة، هي ما يجمعنا وليس انتماءات أخرى أضيق، وإن كانت مهمة في سياقها.
إن ما يجمعنا تحت راية هذا الوطن حسب رأيي الخاص هو الاسلام "المنهاج الرباني الدستوري الشامل لكل ما يهم حياتنا في الدارين" واللغة العربية لغة القرآن، وحوزة موريتانيا الترابية الموحدة المقدسة، مع اعتبار سائر التراث المتنوع واللغات المحلية ومختلف التقاليد والأعراف، التي لا تتناقض مع قيم الدين الاسلامي.
إن الاستخفاف بهيئة الرئاسة أو الحكومة أو القضاء أو البرلمان أو الجيش والجهات الأمنية والصحافة ومنابر الرأي والتوجيه السليم والمقرات العامة الدينية أو الخدمية، من مساجد ومحاظر وطرق عمومية ومستشفيات وجامعات ومدارس وغيرها، يعتبر نقصا كبيرا في الوعي الوطني والممارسة السليمة لثقافة المواطنة المتوازنة الجادة، والمطلوبة شرعا بإلحاح واستعجال.
إننا مدعوون جميعا للحض على هذه المواطنة والحثّ على السمو إلى معانيها الجامعة الأكثر ايجابية وعمومية من الأطر الضيقة، مهما كانت نتائجها وثمارها.
ولا يكاد الأمر تكفيه السطور أو المجلدات ربما، لأن موريتانيا مشروع دولة حتى الآن فحسب، إذا أردنا الوقوف بدقة عند مفهوم الدولة الحقيقية، كما يمكن القول للأسف أن دولة موريتانيا أرض لها سكان وليس مواطنين بمفهوم المواطنة الحقيقية، بما تحمل من استيعاب وشحنة والتزام وسمت وأداء ودور وطني مطلوب باستمرار، وبسلمية وتوازن ومسؤولية عالية.
إن شئنا أيدنا أو عارضنا، ولكن دون استهداف الصالح العام، ودون اضعاف الدولة أو بعض مكوناتها، مهما كانت نواقصها أو عورها، ودون الجنوح للعنف، ولا يعني هذا اقرار السلطان على جوره، ولكن يعني المواطنة والمسؤولية وعدم الخروج عليه إلا تحت طائلة شروط قاسية، يحددها المعنيون، من ذوي الفهم والعلم الشرعي الواسع، ولعل هذا يؤكد على العلماء العاملين العارفين والفقهاء المتمكنين الواعين، ضرورة وقوفهم عند مهامهم من تبيين الحق وعدم كتمه وعدم المهادنة فيه.
إننا للأسف باختصار في موريتانيا، أبناء قبائل وجهات وأعراق ومدارس صوفية أحيانا وأتباع مشايخ أوهواة اديولوجيا غالبا خارجية، أما عندما يتعلق الأمر بالوطن الموريتاني فأبناؤه البررة قلة، رغم عراقة هذا الوطن وجمال تنوعه، سواء البشري أو الجغرافي أو التاريخي.
وبكلمة واحدة الوطن الموريتاني يستحق علينا من التراحم في ما بيننا وخدمة أرضه وحاضره ومستقبله، أكثر مما نحن منشغلون به من معارك صغيرة ومصالح ضيقة، وانتماءات محدودة، لم نحسن توظيفها، ففرقت أحيانا ومزقت النسيج الوطني الواحد، أكثر مما خدمته.
فهل من لفتتة جادة لهذا الوطن وخصلة المواطنة الناقصة المهملة!.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.