هل انتهت الأزمة الغامبية، أم دخلت في أوج غموضها، ولعل هذا درس من خطورة المسألة السياسية في الحيز الوطني.
فعندما تفشلُ الأطراف المحلية في حلحلة الأزمة الداخلية، قد تدفعُ أطراف أُخرى إقليمية ودولية، وإن نادرًا، الوضع إلى تحقيق تناوب لصالح المشروع الديمقراطي الوطني،
لكن بأثمان باهظة، أقلها الاحتلال والتدخل الأجنبي المتنوع، ليصبح المكسب السياسي، أو التناوب المشوب الملطخ، في أسفل لائحة ما قد يُدعى أنه مكاسب، وبإصرار يحيى جامي، ولو مؤقتًا، على رفض النتيجة الانتخابية، حققت السنغال وبعض الدول الإفريقية الإقليمية، ما عجزت عنه طيلة حكم 22سنة من استبداد يحيى جامي وتفرده البشع بالحكم.
غامبيا أصبحت قاب قوسين من وضع الاحتلال، على يد جارتها السنغال، ومهما كانت نتيجة وساطة الرئيس الموريتاني ونظيره الغيني، فإن الجالية الموريتانية، ربما تتضاعفُ مُعاناتُها في وقت ما، لأن بعض السنغاليين يتمتعون بحقد تقليدي، ضد الموريتانيين، بُعيد أحداث 89 المؤسفة المؤلمة.
لقد كان تحرك عزيز في وقته ربما، لإنقاذ صاحبه المُستبد يحيى، والتلويح الإيجابي، لصالح جاليتنا الموريتانية الغالية.
وإن دخل دور الوساطة في سياق الأمانة العمومية التي تجرأ عليها، لكن بغض النظر عن التفاصيل ومختلف التأويلات، فقد كان تحركه مسؤولاً ووطنيًا، لأنه مثل رسالة تضامن وحماية مباشرة لصالح جاليتنا في غامبيا، وقبل وقوع ما لا تُحمدُ عُقباه، لكن غيرة السينغاليين من الوساطة الموريتانية، فجر بعض المكتوم المعروف، من استخفاف بالوطن الموريتاني عمومًا.
وزير الخارجية السنغالي يستخف بالاتفاق الناجم عن تدخل الرئيسين، الموريتاني والغيني، وصحفي قبل ذالك، على شاشة محلية سنغالية، يدعو جهاراً إلى حل مشكلة العبودية عندنا، حسب دعواه، باستخدام القوة.
إن الشعب السنغالي المجاور، شعب شقيق، ولكن ثمة أقلية مُحرضة، تعمل دون كلل، لصالح أجندة عُنصرية عدوانية معروفة، حركت مشاعرها في الوقت الحاضر حالة التأزم والتفاوض في بانجول.
وفي هذا الجو نجدُ أنفسنا، مدعويين شعبيا ورسميًا، لعدم التلاعب مُطلقًا، بالعلاقات الإستراتيجية مع الجارة الغالية السنغال، ولكن مع الحزم باختصار.
فموريتانيا دولة مُسالمة، دون أن تكون مُستباحة لأمراض من غلبت عليه شقوته، والكلمة بالكلمة فحسب.
كما أن الجاليات في غرب إفريقيا عمومًا، بما في ذالك طبعًا غامبيا، ينبغي أن تأخُذ العبرة من أحداث 89 بالسنغال، ومن بعد ذالك أحداث ساحل العاج وآنغولا وغيرها.
فالوطنُ غفور رحيم كما قال أحدُ الزعماء المعروفين، والأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية، في العالم عمومًا والبلدان المجاورة أصبحت أكثر تعقدًا وخطورة، والسعيد من اتعظ بغيره، قبل حلول تحديات غير مُستبعدة.
والدولة والرأي العام الوطني جدير بتفهم المخاطر قبل وقوعها، ورسم الخطة "ب" قبل فشل الخطة "ا".
فالتناوب في غامبيا، قد يتم يومًا ما، لكنه هش وملغوم بامتياز.
ومن وجه آخر درس وإنذار مباشر وبصوت مُرتفع سمعه العامي قبل النُخبوي، وردده جميع الموريتانيين على ألسنتهم، لرافضي التنازل عن الكراسي.
فالاستبداد أصبحت فُرصه في ديارنا الإفريقية ضيقة ومحفوفة بمختلف المخاطر.
فهل يعي جميع المعنيين ذالك، قبل وقوع أُمور وتحقق أحوال مُحرجة قد لا تسر أنصار الاستبداد والمأموريات المفتوحة.
وبصراحة رسالة بانجول موجهة لرأس النظام عندنا وعند غيرنا، بأن لا معنى للتشبث الأعمى بالسلطة، كما أنها موجهة للجاليات للتأمل وكامل الحذر، قبل فوات الأوان.
وفي رسالة بانجول عمومًاّ، من المعاني المتنوعة المتعددة، ما يصعب فك شفرته أحيانا، وما يسهل ربما تبيانه أحيانا أُخرى.
فلنتأمل جميعًا، وهل صحيح أن يحيى جامي اصطحب معه كامل محتوى الخزانة ولم يترك، دولارًا واحدًا، ليصح ما اتهمته به معارضته من الاستحواذ على 11مليون دولار إبان مغادرته لبانجول.
وهل هي سياسة الأرض المحروقة، التي قد يُمارسها كل مُستبد على طريقته، مهما تظاهر به من وطنية حقيقية أحيانًا، أو مفبركة أحيانًا أُخرى، للطمس مؤقتًا على فضائح جمة يصعبُ إخفاؤها على ذوي الألباب والفهوم السليمة الحية بوجه خاص.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.