يقيم أصحاب الرأي الرامي إلى تسفيه وساطة عزيز بين الغامبيين على أساس أحد الآراء الثلاثة:
- 1 الرأي القائل بأنها جاءت لإنقاذ صديقه في اللحظات الأخيرة.
- 2 الرأي القائل بأنها منحت فرصة لدكتاتور كي تنهب خزائن الدولة.
- 3 ثم الرأي القائل بأنها أولى أن تكون موجهة لخدمة الوفاق الوطني وتعزيز وحدة الجبهة الداخلية .
وهذا كله صحيح، لكن هل يدرك هؤلاء أنهم بالغوا في مدح الرجل من حيث أرادوا تسفيهه .
· أو لم يكن الوفاء أساس القيم ومعيار النبل وأجمل الصفات الإنسانية ، لاسيما إذا كان في حق صديق .
فعلاً لقد نصر محمد ولد عبد العزيز أخاه يحيى جامي ظالماً ومظلوماً .
ففي الأولى : رفض يحيى جامي التنازل عن السلطة لرئيس منتخب فاز عليه واعترف هو نفسه بذالك، وهذا ظلم قبيح لا يقبل به عدو ولا صديق. فانبرى صديقه محمد ولد عبد العزيز لينصره بالنصح والعدول عن هذا الموفق الجائر، وقد وفقه الله في ذالك.
وفي الثانية : خاض يحي جامي انتخابات ضد منافسه آمادو بارو وانتصر هذا الأخير فهنأه يحيى اعترافاً له بالفوز في مشهدٍ تناوبي غير شائع في الديمقراطيات الإفريقية، كان من المفترض أن يشكر عليه يحيى جامي ويهنأ عليه ويكرم من أجله ، بدل التلويح له بالسجن والعقاب والانتقام في خطوة لا يمكن أن توصف بأقل من السفاهة وقلة الحكمة . ولولا انتصار محمد ولد عبد العزيز لصديقه الرئيس السابق يحيى جامي وخلفه آمدو بارو والشعب الغامبي الشقيق، لتسببت هذه الخطوة في هلاك الحرث والنسل ، ولم يجد آمادو بارو دولة يترأس عليها.
· أما الرأي الثاني ؛ فمع أن نهب خزائن بانجول شأن غامبي داخلي صرف ليست له انعكاسات أمنية أو سياسية تذكر على السنغال أو موريتانيا، لكن هذا الدكتاتور المتغطرس - حسب رأيهم - المتربع على عرش دولة منذ 22 عاما ، بجيشها ، وقوات أمنها، وميليشياتها وكلهم من ذويه وأقاربه وحاشيته ، وكان قد قرر التمسك بالسلطة بحجة حماية كل ما ذكر، ولا رغبة في بقائه ، فليس لإزاحته سوى أحد أمرين: العنف ، أو السلم ، وكلاهما له ثمنه . ولا شك أن نهب خزائن الدولة عمل سيء ولو كان ثمنا للسلم ، إلا أن نتائج العنف ليس نهب خزائن الدولة فحسب بل دمار الدولة وقتل وتشريد الأنفس وزعزعة أمن الجوار ، وإنهاك القارة بتصدير ويلات الحروب التي لا حدود لها ، وهذا يعني بكل المقاييس أن خيار العنف هذا أسوأ من خيار السلم ذاك ، وليس سفيها من قبل بالسيئ مقابل تفادي الأسوأ .
· وإذا خلا الرأي الثالث من الغمز في غير محله ، و الإسراف في النقد الشائع لدى بعض جيوب معارضتنا كنوع من ممارسة سياسة الجحود . فإنه توجيه موضوعي يفضي بالتأكيد إلى إثارة أسئلة أساسية حول أهم مبحث في مسألة الوفاق الوطني ومسألة التسوية الاجتماعية . وهذا طبيعي جداً لأن من أهم المبررات التي تدفع إلى الحديث عن التسوية الاجتماعية والتوافق الوطني ، هو هول الحروب الأهلية وفظاعة الانقسام الداخلي والتفويت في السيادة الوطنية وعدم استقلالية القرار السياسي ، وهذا ما كانت جارتنا غامبي منه قاب قوس أو أدنى لولا تدخل الرئيس محمد ولد عبد العزيز.