من يلقي نظرة على تنوع ثروات وطننا، يندهش، لفقر شعبه، وتكرر حالات المجاعات بين السكان. ففي شمال الوطن توجد اسنيم مع ثروة حديد معروفة على الصعيد العالمي. وعلى طول الشاطئ البالغ 720 كلم، توجد ثروات كبيرة من أجود الاسماك عالميا.
وفي تازيازت، الذهب الذي بدأ يصل الى كميات هامة، بالمقياس العالمي. وفي أكجوجت النحاس، وفرص واعدة ملموسة لاستخراج الحديد والذهب. وفي آدرار واحات نخيل كثيرة متعددة، وفرص لزراعة الخضروات وغيرها من المنتجات التي تصلح لمواكبة الواحات، وتحصد أحيانا بكميات معتبرة في حالة نزول كميات مقبولة من الأمطار الموسمية، كما توجد مؤشرات لوجود الغاز والنفط في حوض تاودني بولاية آدرار، حيث تواصل توتال التنقيب والبحث. وفي آدرار أيضا وإنشيري، تنتشر السهول المدرة للمحاصيل الزراعية (المسماة محليا لكراير). ومن أبرزها أكدس (التابع لبلدية إطواز) ضمن مقاطعة أطار، وكذلك يغرف، و"اكرارت المرفق" في أوجفت. وفي ضواحي أكجوجت، دمان ولمدن. وعلى ضواحي نواكشوط العاصمة، يوجد معدن الجبس، وفي عرض البحر تدل البحوث على إمكانية العثور على كميات كبيرة من النفط، قد تحول واقع البلد إلى وجهة اقتصادية، مغايرة للواقع الراهن. وتتمتع الدولة بقدرات مينائية مريحة، تبعا لشواطئها الهادئة، في أغلب الأحيان، مما يدفع بلدنا إلى ارتقاء مرتبة تجارية معتبرة، من بين سائر دول المنطقة. ويسكن وطننا شعب مسالم، ذكي رغم كسله. رأينا بعض نشاطه ومساهمته في بناء الدولة رغم النواقص، وكان ذلك واضحا، خصوصا فترة الرئيسين السابقين المختار ومعاوية. ورغم مصاعب وقلاقل العهد الحالي، إلا أن الموريتانيين صبورين، وأقل مشاكسة من سائر الشعوب، وتنخفض بيننا معدلات الجريمة بشكل ملحوظ. وفي اترارزة توجد فرصة زراعية كبيرة على طول الشاطئ النهري، وقد لوحظت زراعة الأرز، بشكل ناجح نسبيا، وإن كان الإنتاج أقل من المأمول. وفي بوكي على شاطئ النهر، توجد نفس الفرصة، مع ضعف واضح في الاستغلال. ولا تخفى ثروة الماشية في اترارزة، خصوصا من الأبقار، مما يدفع بعض التجار إلى إنتاج كميات متوسطة من الألبان المعلبة، المستهلكة على الصعيد المحلي، بصورة مشهورة. ولا تكاد تخلو منطقة من ماشية الماعز والضأن والإبل، من سائر التراب الموريتاني. ولو تضاعفت الأعداد، خصوصا في ولايات الحوض الشرقي والغربي ولبراكنة وغورغول. وتوجد كميات كبيرة من الفوسفات في بوفال بلبراكنة. ولا تكاد تخلو منطقة من معدن أو فرصة زراعية مشجعة في حالة التوظيف الفعلي, مثلما نسمع منذ الستينات عن تامورت انعاج (تكانت) مع عدم تحول الكلام في هذا الصدد إلى صيغ عملية ملموسة...!!. ويبقى بلدنا حتى اليوم، ساحة لنهب الثروات الظاهرية والباطنية، بوجه خاص. ومثل هذه المعطيات، دون وصول لمستوى كبير من الشمول, بالنسبة لسائر الولايات، ودون كذلك الوصول إلى قدر كبير من التدقيق، تثير الاستغراب. فهل يعقل جوع وحرمان، مع هذا المستوى من التنوع والثراء البيئي؟!. وقد لا نلغي من الحسبان القدرات السياحية في مختلف بقاع الوطن، التي قد تدر مالا معتبرا في حالة استغلالها بشكل جيد. ثراء واضح بين من جهة الأرض، رغم اضطراب التساقطات المطرية، التي قد تسبب من حين لآخر جفافا مؤذيا للإنسان والحيوان والبيئة على السواء. ويبقى السؤال الكبير دون جواب مقنع، ماذا يفيد هذا الثراء في البر والبحر إن لم ينعكس إيجابيا على الساكنة؟! وماهي معوقات استثمار هذه الثروات المتعددة؟ وهل القصور في المواطنين عموما، أم في السلطات المتعاقبة، وأيهما يتحمل العبء الأكبر؟. لا شك أن الاستبداد يمنع النمو، ولا يسمح بتكافئ الفرص، لا في التعليم، ولا في تداول الوسائل المختلفة، الموصلة للتنمية، ولكن تكاسل الناس، وعدم بذل الجهد، وحتى التفكير (الجاد) في محاولة إيجاد مخرج، قد يكون له الإسهام الكبير، في استمرار التخلف، واتساع الهوة بين مستوى السكان وثراء الأرض. هذا التناقض أصبح مثار نقاش في أوساط مختلفة من مجتمعنا. ولا بأس أن يكون الحل، بالتوجه إلى الثغرات المحتملة، بملئها كلها أو جلها، عسى أن نستفيد مما فوق الأرض وتحتها من خيرات، لعل يوما أن لا نبقى عالة على غيرنا من الدول والهيئات الدولية. فالاستبداد وفساد جهاز الحكم السياسي والتسييري، قد يكون من أهم الأسباب، إلى جانب العجز وقلة الرغبة في العمل وانتشار روح التواكل والكسل والتفريط. دون أن نغض الطرف عن مستوى التعليم، وضعف أداء الأجهزة الإعلامية الرسمية والمستقلة في هذا الاتجاه المعيشي والتنموي الحساس. ومن جهة أخرى استئثار القلة الحاكمة أو المحظوظة بالثروات، بالمنافع على حساب الأغلبية الساحقة المقهورة. فكثير من الأغنياء يتعامل بشكل وحشي مع الفقراء ومع الموظفين والمستخدمين عموما. فهو لا يساعد ولا يواسي، ولا يفي بالحقوق في بعض الأحيان. مأساة جماعية، يشترك فيها الحكام عبر استبدادهم بالرأي والسلطة وأغلب المنافع والنفوذ، وكذلك الأغنياء عن طريق سلبية متنوعة، لم تعد تخفى على من عايش وتعرف على أبعاد هذا الواقع عن قرب. ومن جهة ثالثة الفقراء والسكان العاديون، لأنهم لا يهمهم الخروج الحقيقي، من هذا الفقر المدقع والهوان المتصاعد. ومن الجدير بأولي الألباب والفهوم أن يتحركوا من أجل إبعاد هذا الخطر (الجوع) عن وطننا، الذي يتحدث الخبراء عن ترشيحه لمراتب مرموقة من الثروة، فالمقاصد لا تتحقق من غير جهد وتأمل وتخطيط وتنفيذ، وإلا بقيت الأمة في مقامها الهجين المقرف. ولا داعي للقول، هذا واقع أغلب الدول الإفريقية وغيرها، ثراء الأرض وفقر السكان، إننا لا نرغب في استنساخ واقع الآخرين والديمومة في حيز الفشل. فكل سبيل شريف آن أن نسلكه، لاستغلال أرضنا وستر عرضنا من التسول والمديونية. ولا يمكن أن يفوتنا في هذا المقام الإشارة إلى خطورة داء الأمية - المنتشر في مجتمعنا -، فهو يمنع صاحبه من كل خير تقريبا، فمن باب أولى الاستفادة من خيرات وثروات، تحتاج أحيانا إلى علم، وتقنية، يؤهل العلم لاستخدامها وتشغيلها. وباختصار الأمر واضح جلي، ثروات لا تكاد تحصى وفقر يصعب تبريره، مع وجود وتنوع الثروات. ولا شك أن لسوء التسيير دورا سلبيا كبيرا، ولسوء طريقة الحكم السياسي -الخالي من الشفافية- دورا أظهر من غيره، مع عدم تكافئ الفرص، إلا أن للكسل والإهمال نصيب معتبر يستحق لفتة واسعة، بغية النهوض من هذه الوهدة الجماعية المعوقة. فكل المبررات لم تعد مقبولة لتسويغ الجوع الجماعي والحرمان الشامل. فإن كان الاستبداد هو الحاجز الأقوى، فنعمل جميعا بصورة حضارية سلمية، خالية من العنف والتشفي وتصفية الحسابات، لإزاحة الحكم الذي يجسد هذا الاستبداد. وإن كانت الأمية وضعف مستويات التعليم، فالنبذل الجهد في هذا الاتجاه الصعب المعقد. ولنفتح قلوبنا وعقولنا متوجهين لصنع المفقود: "التنمية"، المستندة لمفهوم الإسلام الشامل، الذي لا يهمل حقوق الجسد لصالح الجانب الروحي وحده، ولا يترك الأخلاق سدى، بقصد تحصيل مادي لا يتسم بالفضيلة والعفة والالتزام الجاد. ففي هذه الحقبة التاريخية، من يقظة الشعوب العربية المسلمة، تحت عنوان: "الربيع العربي" لم يعد مقبولا إقصاء جمهوريتنا المسلمة العريقة، من هذه التحولات الإيجابية والمطامح المشروعة، نحو التنمية المتكاملة التي لا تسمح بحرمان الشعوب من ثرواتها ومقدراتها، مهما كانت صبغة تلك المقدرات، مادية أو معنوية.