تراجع الحديث خلال الأيام الأخيرة عن قضية التعديلات الدستورية المثيرة للجدل في موريتانيا، وكذا الآلية التي ستمرر بها بعد موجة تأكيدات رسمية على الاتجاه إلى اعتماد خيار المؤتمر البرلماني ترشيدا للنفقات. ذلك ما أكده الوزير الأول خلال لقائه ببرلمانيي الأغلبية، وناقشه رئيس لجنة متابعة
نتائج الحوار، الوزير الأمين العام للرئاسة مولاي ولد محمد الاغظف، مع اللجنة. وأكثر من ذلك، أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة تنظيمه قريبا.
غير أن مؤشرات التراجع عن القرار، أو على الأقل الارتباك الحكومي في تطبيقه، بدأت تلوح في الأفق بعد رفض المعارضة المحاورة له وتمسكها بمبدأ الاستفتاء الذي جرى الاتفاق عليه خلال الحوار على أنه احد المخرجات التي يجب تطبيقها، وكذا عدم تحديد رئيس مجلس الشيوخ، محسن ولد الحاج، لموعد الدعوة التي أعلن عن تنظيمها للبرلمانيين لنقاش الموضوع، وربما تراجعه عنها، إضافة إلى غياب الحديث عن التعديلات في المؤتمر الأسبوعي الأخير للحكومة. وقد أكدت التسريبات المتداولة عن لقاء ولد عبد العزيز بولد بو الخير أن الأول تعهد بالنظر في مراجعة الموضوع بعد تأكيد الثاني أن الاستفتاء يعد أحد بنود الاتفاق وأن البرلمان صادق على مخصصاته المالية وأنه من غير المقبول التراجع عنه الآن.
ويرى بعض المراقبين ان النظام يهدف من خلال الحراك الحالي إلى أمور منها:
-أولا: قطع الطريق على أي تحالف محتمل بين الشيوخ، الممتعضين من حل مجلسهم، والمعارضة الموريتانية، وذلك بعد سيل البيانات التي أصدرتها التشكيلات المعارضة سواء منها الراديكالية المقاطِعة أو "المعتدلة" المحاورة، تصفهم فيها بفاقدي الشرعية، ليقتنع الشيوخ بأنه لا مكان لهم في المعارضة، وأن حاضنتهم الطبيعية هي الأغلبية.
ثانيا: محاولة التملص من نتائج الحوار الجزئي الذي قاطعته غالبية الأحزاب والتشكيلات المعارضة مما دفع الشركاء - خاصة في الاتحاد الأوروبي- إلى عدم الترحيب بنتائجه ورفض تمويل الاستفتاء لترسيم مخرجاته. وتكون عملية التملص بجر المعارضة المحاورة إلى أن تكون هي من يرفض صيغة المؤتمر البرلماني وربما مطالبتها بحوار جديد.
ولاشك أنه بتحقق الهدفين سيكون النظام قد ربح المعركة من خلال تحصينه الشيوخ ضد المعارضة وتمكنه من الخروج من مأزق تطبيق المخرجات الهزيلة للحوار.
يأتي ذلك في وقت ترسل فيه العديد من الأطراف المعارضة رسائل مصالحة ودعوات واضحة للحوار قد يجد فيها النظام مخرجا جديدا، إذ دعا رئيس حزب تواصل (أحد أهم أحزاب المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة) إلى التهيئة والتحضير الجيد لانتخابات 2019 مؤكدا قناعته الراسخة بأن الرئيس ولد عبد العزيز لا يريد البقاء في السلطة. وجاءت رسالة نائب رئيس تواصل، محمد ولد غلام، أكثر وضوحا عندما كتب على صفحته الشخصية مُـثـَـمّنا وساطة ولد عبد العزيز في الأزمة الغامبية وداعيا إياه إلى إطلاق حوار جديد.
أما مبادرة إيرا، التي تمثل أهم حركة معارضة جماهيرية في البلد، فقد عبرت هي الأخرى عن استعدادها ودعوتها لحوار يشارك فيه الجميع. ينضاف إلى ذلك استعداد بعض الأحزاب للدخول في أي حوار يحظى بأبسط مستوى من المصداقية، مثل اتحاد قوى التقدم الذي دفع ضريبة المقاطعة من حجم حضوره السياسي بفقده المنبر البرلماني الذي شكل لعدة سنوات قناة وحيدة لتوصيل خطابه، وحزب عادل الذي كان في طليعة الداعين إلى المشاركة في الحوار لأسباب تظل مرتبطة بماضي العلاقات مع السّلـَـط كما هو شأن العديد من النافذين فيه.
وعلى المستوى الخارجي، أصدر الاتحاد الأوربي، بوصفه أهم شريك لموريتانيا، بيانا بعد الحوار الأخير دعا فيه لإطلاق حوار شامل في موريتانيا يأخذ في الحسبان كل المناحي: سياسية كانت أم اجتماعية...
فهل تدفع كل هذه المعطيات بالنظام إلى محاولة أخيرة لإطلاق حوار جديد يحظى بمشاركة مقبولة بغية توسيع دائرة حضور الموريتانيين ما أمكن في رسم المرحلة المقبلة؟.