أجل! إنها نصيحة إلى فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز.. دوافعها متعددة وأسبابها متنوعة؛ أولها أن فخامته رئيسُ بلد أعتز بالانتماء إليه وأذوب من الشفقة عليه.. وثانيها ما يربطني به من روابط أسرية ووشائج اجتماعية..
وثالثها أن أمر النصيحة متعلق بشائعات أصبحت تتعزز - يوما بعد يوم – عن محاولات لتوريطه في فخ الصدام مع حمَلَة المشروع الإسلامي المعتدل في موريتانيا، بما يمثلونه من رمزية علمية ودينية وأخلاقية وسياسية جادة، في نفوسنا معشر الموريتانيين...
ما أشبه الليلة بالبارحة.. أعادت حلقة برنامج "مقاربات إسلامية" التي بثها التلفزيون الموريتاني - الجمعة الماضي 06/01/2012م – والتي استضاف فيها كلا من الشيخين حمدا ولد التاه وسيدي محمد ولد الشواف، أعادت إلى الأذهان أياما ظنناها ولت إلى غير رجعة، ومصطلحات تبديعية وتفسيقية وتجهيلية حسبنا أنها اختفت مع فشلها في تجربتها الأولى أيام الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع.. بل إنني – شخصيا على الأقل – كنت أعتقد أنها أصبحت تشكل مركب نقص وعقدة ضمير لأصحابها الذين ملأوا بها الدنيا نصرة للرئيس معاوية، ثم كانوا أول المبتهجين بسقوطه والداعمين للمنقلبين عليه!! ما يجعل من المناسب للمقام أن ننصح السيد الرئيس وأن نذكره – وهو أعلم – أن نفس الاستديوهات التي احتضنت الحلقة، قد انطلقت منها نفس العبارات ومن نفس تلك الشخصيات (مع الاحترام المستحق) مستهدفة نفس التيار، في عصر ولد الطائع وأنها (الاستديوهات والشخصيات..) كانت أول المتنكرين لولد الطايع، وأولَ الخارجين (حتى لا أقول الخوارج) نصرة للمنقلبين على الرئيس معاوية - يوم دارت دائرة السوء عليه - دون أدنى ذرة من الحياء أو شعور بالخجل!
مكان "الكبش".. في تعريض أوضح من التصريح وتهديد تخطى مرحلة التلويح، كانت كلمات ضيفيْ الحلقة الكريميْن وأسئلة مقدمها، تخلع الأوصاف غير المنطبقة وتتوعد بعظائم الأمور، تجاه حَمَلة َ المشروع الإسلامي المعتدل في موريتانيا؛ وعلى رأسهم علامة ُ العصر ومفخرة بلاد شنقيط الشيخ محمد الحسن ولد الددو، على خلفية تصريحاته الأخيرة التي وقف فيها موقفا من مواقفه المعهودة؛ صدحا بكلمة الحق ونصرة ً للمظلوم وأخذا على يد الظالم دون أن يخاف في الله لومة لائم... دون أن تنسى التعريض بدعاة الإصلاح السياسي من هذا التيار في حزب "تواصل" على خلفية جديتهم في الدعوة إلى الإصلاح واعتدالهم في الطرح، وتبنيهم لهموم الشعب الموريتاني والدفاع عن قيّمه ومصالحه بالحجة الرصينة والعمل السياسي الواعي.. قد يكون السيد المدير يرى أن من حقه/ واجبه أن يوجه تهديدا لحَمَلة المشروع الإسلامي الموريتاني - بوصفه الرسمي – بأن عليهم أن ينتظروا من الحكومة التي يمثلها جرَّهم "بلحاهم" إلى صناديق سيارات الشرطة (طبعا في طريقهم إلى السجون) ويرى الشيخ حمدا أن من حقه أن يقاطعه - ضاحكا - بأنهم سيوضعون في مكان الكبش (لا أعتقد أنه يقصد بالكبش البطل! وإن كان بطش السلطات الغاشمة يحول المصلحين إلى أبطال ورموز في أعين الناس وفم التاريخ) غير أننا ننبه السيد الرئيس إلى مغالطة يراد جره إليها؛ مفادها أن العلماء السائرين على "منهج أهل السنة" خصوصا المذهب المالكي لا يتحملون أن تمس "أبهتهم العلمية" ومكانتهم في المجمع - كما يقول السيد المدير - في سبيل نصرة الحق والصدح به، وأن كل ما على السيد الرئيس هو أن يستخدم العنف بأنواعه مع حمَلة المشروع الإسلامي المعتدل في موريتانيا، حتى يحسوا بتهديد "لأبهتم العلمية" ومكانتهم الدعوية لينكسروا ويتدجنوا.. وإذا كان مروجو هذه الأطروحة ينطلقون في إثباتها من إسقاطات ذاتية لديهم، فإن ما يهمني هنا هو تذكير السيد الرئيس بأن سيَر العلماء والدعاة والمصلحين على مر العصور؛ وعلى رأسهم الأنبياءُ والرسل وعلماء الأمة تدحض هذه المقولة وتنقض هذا الطرح.. وبما أن اسم الإمام مالك رحمه الله قد تردد مرارا في هذه الحلقة - كما تردد من قبلُ في أخواتها أيام ولد الطايع – فإنني أذكر أن الإمام مالك قد امتحن (في قضية يمين المكره) وجلد وسجن وشهر به، دون أن يرده ذلك عن كلمة الحق، أو يزيد الناس إلا تمسكا بعلمه وإكبارا لشأنه!
قوموا إلى الصلاة.. قدم الشيخ حمدا خلال الحلقة نموذجا متقدما من الاعتدال والتفهم (وإن لم يستفد منه من اعتبرهم في الحلقة خصومه من حمَلة المشروع الإسلامي المعتدل في موريتانيا) وقد لخص هذا النموذج في تأكيده أن لديه في بيته عيالا، وأنه عندما يقوم إلى الصلاة يكتفى بأن ينبههم بقوله: "قوموا إلى الصلاة" ثم يخرج إلى الصلاة.. فمنهم – والكلام للشيخ حمدا – من يصلي ومن لا يصلي!!! ومع احترامنا للشيخ حمدا وما يختطه لنفسه من خط في الدعوة والإرشاد، فإن لنا أن نطالبه باحترام المخالفين (أقصد حَمَلة المشروع الإسلامي المعتدل في موريتانيا) إذا رأو أن واجبات العالم والمصلح والداعية تتعدى كلمة "قوموا إلى الصلاة" لأهل بيته – على أهميتها- تتعدى ذلك، إلى القيام بتعليم الجاهل ووعظ العالم وتنبيه الغافل، والقيام أو القول بالحق دون أن يخشى في الله لومة لا ئم... وهنا نحتاج كذلك إلى تنبيه السيد الرئيس إلى أنه أمام نموذجين في الساحة العلمية والدينية والدعوية، وأن عليه أن يكون رئيسا للجميع.
المغرور من غررتموه.. وحتى لا أطيل – وقد أطلت – فإنني أختم بتذكير فخامة الرئيس (والشيء بالشيء يذكر) بكلمة أمير المومنين هارون الرشيد الشهيرة عندما حاول بعض جلسائه تحريضه على النيل من الإمام سفيان الثوري بعد نصيحة حادة وجهها إليه. فقالوا: "يا أمير المؤمنين، قد اجترأ عليك سفيان، فلو وجهت إليه فأثقلته بالحديد، وضيقت عليه السجن، فجعلته عبرةً لغيره! فقال هارون: اتركوا سفيان وشأنه يا عبيد الدنيا، فالمغرور من غررتموه والشقي من جالستموه". ولله الأمر من قبل ومن بعد. د. محمدن ولد محمد غلام.