وما مهرجان "عيون المكفة" إلا ككل المهرجانات أسفاً / باب ولد سيد احمد لعلي

على ما يبدو أن المهرجانات الشعبية التي تُضخ فيها أموال طائلة وتهدر من أجل إبراز أشخاص معنيين لهم مآرب ومطامح سياسية صارت سنة دأبت عليها ساكنة هذه البلاد (موريتانيا) في زمن حكم محمد ولد عبد العزيز ، وعندما تتوارث عادة ما ويُحاكي بها القرين قرينه تفاخرا أو رغبة في إبداء أشياء 

غير موجودة إلا عندما يُبينها صاحب الأمر ، فإننا أمام مشكلة اجتماعية متبعة بالخصوص إذا ما علمنا أن سلبياتها وايجابياتها فيهما غموض وأكثر ما يظهر من ذلك الغموض هو السلبي بدل الإيجابي ..
إن الهدف المعلن والذي يجب أن يكون متوخيا في أي عمل من هذا القبيل يجب أن لا يخرج عن السعي لتعزيز التنمية الجهوية للولاية ، وإتاحة فرص استثمارية بعينها فيها  ، وهو ما أرى أنه معدوم في مهرجانات من هذا القبيل ، ولا غرو في ذلك ما دامت المهرجانات التي تشرف عليها الحكومة بنفسها ويُبذل فيها من أموال الدولة ما تبذل بإسراف دون ترشيد (مهرجانات المدن القديمة) تنعدم فيها تلك الأهداف والشروط ...
قد تكون هناك نوايا حسنة في عمل من هذا القبيل ، لكن الأمر لن يؤتي أكله قبل أن يُبنى على أرضية صلبة غير قابلة للانحلال وهذا لن يتم قبل أن تراعى حوائج الساكنة المحلية وتوضع في الأولويات أهم نواقصها ، وهذا للأسف انعدم في ما انتشر فينا من مهرجانات ...!
ولا يمكن أن نحكم على نجاح أي أمر ما بتبني أطر المنطقة المعنية  له ودعمها كذلك له ، لأنه مع ما في تبني أطر الولاية لمثل هذه النشطات من أمور قد تصب في صالح الهدف الكلي له ،  إلا أن نواياهم السياسية قد تكون أقوى من حضورهم الفعلي وهو ما يترجم تفاعل شخص معين مع النشاط وحضوره له ، فمع أني لستُ ضد طموح أحد السياسي إلا أني أطالب الشباب الفاعلين بالسعي في تحقيق ما استطاعوا من ذلك مع مراعاة تحقيق نتائج تعود بالمنفعة للساكنة المحلية تبقى بعد انقضاء المهرجان وذهاب الجميع إدراجهم من حيث جاءوا .
أقول ذلك وأنا الذي تابعتُ عن بعد كل المهرجانات الرسمية وغير الرسمية التي باتت سنة متبعة فينا ، فما كانت تعني المهرجانات الرسمية غير أكل مال الدولة بطريقة شرهة وبأسلوب بدائي من أجل إحياء موروث لم تتُخذ له الوسائل اللازمة لإنجاحه ، وما كانت تعني المهرجانات غير الرسمية إلا إطارا للتنافس المحلي من أجل الحصول على مراتب ومراسيم سياسية "على حسب تعبير عبد الرحمن العطري" معينة ، ومجالا للحرق من أجل الكسب أكثر .
وبالوصول إلى بيت القصيد مهرجان "عيون المكفة" فإن المهرجان نجح في نقاط بعينها وفاتته نقاط أخريات كثيرات سأحاول رصدها حسب ما أرى ، على العلم أني لن أتكلم عن النجاحات لأن المنظمون والداعمون تكلموا عنها كثيرا وأسهبوا في القيل عنها والقال ... 
لقد نجح الشباب في استقطاب أطر الولاية وجعلهم يتبنون المهرجان ويدعموه على رغم ما في خفايا ذلك الدعم من نوايا ومن أمور مبيتة ، كما نجحوا بثقتهم في الحصول على الدعم اللازم لتنظيم مهرجان من هذا القبيل سنتين متتاليتين ، لكن هناك أمور تجدر الإشارة إليها من أجل التنبيه وتسليط الضوء عليها  مستقبلا إذا أحبوا أن يقدموا ما يخدم للساكنة المحلية وهي :
1. لقد اختار الشباب الوقت غير الملائم لتنظيم هذا المهرجان ، فالمهرجان يحمل اسم مهرجان "عيون المكفة" للسياحة والثقافة  ، فإذا اعتبرنا ان الظرف الحالي (الشهر الثاني من كل سنة) مواتي لإحياء الموروث الثقافي وتشجيعه وتكريس قيم معينة ـ وهو ما لم يتم في المهرجان ـ فإن الظرف السياحي ليس مواتي بالخصوص إذا ما علمنا أن ظرف المدينة السياحي موسمي ـ موسم الخريف ـ وهو ما لم يتم الانتباه له مطلقا
2. كان يجب أن يهتم بتلاميذ المدارس والثانويات وإشراكهم وتوعيتهم على أمور بعينها من أجل الاستفادة من نعومة شبابهم وحدتها وإتاحة الفرصة لهم من أجل أن يستفيدوا من اشياء تعود لهم بالنفع المعنوي قبل المادي ، بالإضافة إلى أن طلاب الجامعة الذين هم في امس الحاجة إلى التكوين والتأطير في مجالات بعينها ، فلو أن الشباب اصطحبوا معهم بعثة من الأكادمين وأساتذة الجامعات من أجل إلقاء محاضرات أكادمية في مواضيع يُتفق عليها ، لكانت مردودية المهرجان ونتائجه أحسن .
3. إحياء الموروث الثقافي لأي منطقة لا يتم بالكلام الفارغ والأجوف ، وإنما بالأفعال ، فلو ان الشباب سعوا إلى نقش أسماء رجال بعينهم ارتبط تأسيس المدينة بأسمائهم على جبال المدينة وأسوارها الجميلة لكان أفضل ، ولو أن الشباب طالبوا بإقامة تماثيل لهم تذكارية تكون زينة للمدينة لكان أفضل ، ولو أن الشباب طالبوا بتأسيس مكتبة تحوي كل المخطوطات القديمة التي خطت عن جميع ساكنة الولاية على اختلاف قبائلهم وأعراقهم بإشراف فريق مختص مدرب لكان أحسن ....
4. كان ينبغي أن يسعوا إلى إقامة مشاريع تنموية من نوع ما ، فمثلا بما أن المدينة رعوية ، فباستطاعة الشباب أن يقدموا دراسة للهيئات الدولية والمحلية حتى من أجل إنشاء مشاريع تعود للساكنة بنفع ، فآلاف الهكتارات الأرضية تصلح للزراعة ولم يسبق لأحد أن تبالي بذلك ...
5. بالإضافة إلى ذلك فإن إحياء شوارع المدينة وسد كل الثغرات التي تعاني منها (ماء وكهرباء ...) كان يجب أن يكون من ضمن العناوين التي تروج في ذلك المهرجان .
وفي الأخير فإن إحياء سنة كهذه والسير فيها في أي منطقة أو ولاية من وطننا الحبيب يجب أن يأخذ في الحسبان تلك المعايير ويحاول الزيادة عليها من أجل المنفعة العامة ، لقد تعلمنا من الجميع أن تكون مثل هذه المهرجانات مناسبة لبذخ المال وإسرافه بدل ترشيده وإصلاح الشأن العام ، فهل يعي ذلك أحد؟ .

8. فبراير 2017 - 9:53

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا