كلمة الإصلاح هذه المرة موجهة رأسا إلى السيد / رئيس الجمهورية لأن الجميع يعرف أن أغلب الدول النامية ولا سيما الدول الإفريقية وخاصة العربية منها لا تمـثل فيها المسميات أسماء عناوينها .
فالسلطة القضائية والتشريعية والتـنفيذية كل هذه المسميات تعنى إرادة الرئيس وحده ، فالتشريع عنده فيه الأغـلبية والقضاء والحكومة
هو رئيسهما بمعنى أنه هو كل شيء في هذه الدولة رغم وجود تماثيـل كلمة الديمقراطية والمعارضة وزعاماتها والصحف والنقابات وحرية التعـبير والأحزاب إلى آخره .
وهذه الرئاسة لا تخـتـلف عن الملـكية في هذه الدول إلا بتحديد الزمن الرئاسي وتوريث السلطة وقد حاول بعض الرؤساء إزالة هاتين الميزتـين ليتحد مع الملكية فيهما ـ أما أثـناء السلطة فلا فرق بنـنهما ـ وعليه فإن هذا الاقـتراح موجه إلى السيد / الرئيس مدعوما بكلمات في التاريخ تـثبت أصالة هذا الاتحاد، ووضع واقعي في الحال ، ومستـقـبل زاهر منـتـظر ، وفوق ذلك كله تلافيا اضطراريا لما أوقعه الدهر لشعبنا الساكن في شمال أرض شنـقيطنا من إهانة وتشريد وتفرق لأخوتـنا وبني جـلدتـنا فتـلك الإهانة والتمزق الذي أصبح عمره الآن يقـرب من عمر إنسان هذه الأمة كما قال صلى الله عليه وسلم أن أعمارها ما بـين 60 إلى 70 سنة وهو الآن وصل إلى ما زاد على الأربعين ، وما زال في طريق مسدود .
والآن نعود إلى الكلمة التاريخية التي وحدت بين أصولنا في أسمى الوحدة والاعـتبار ، إن الجميع يعرف أنه من تاريخ المرابطين إلى استـقلال موريتانيا وهذه الأرض التي شملها الإسلام والنطق بالعربية بغض النظر عن أصولها قـبل النطق بالعربية والذي تمتد من شمال المغرب الحالي وحتى تـنــتهي في الجنوب بالعموم الإسلامي الشعبي والنطق بالعربية سليقة ، فكل من تـشمله هذه الجغرافية التي يعيش فيها هؤلاء السكان تعتبر بلدا واحدا .
فتارة يكون الجنوب أقوى من الشمال وتارة يكون الشمال أقوى وعندما تلاشت هاتين القوتين تقـريبا أولا في الجنوب وضعفت في الشمال عن الوصول إلى الجنوب وقع التمايـز فقط في العادات والتـقاليد واختـلف النطق ولكنه إلى دارجيات لكل منطقة ، وتستـند كلها إلى اللغة العربية الفصحى التي لم يتلاشى التفاهم بها إلى الآن .
وهذه الفقرات أعلاه يشرحها ويجسدها ويستـنـطقها ذلك التاريخ الذي نـقرؤه الآن والواضح فيه هذا الترابط العفوي الذي يعبر عنه بوضوح ما كتبه مؤلف كتاب الوسيط في مصر: ذلك الشنقيطي الذي ألف كتابه من غير إملاء من جهة ولا ضغط ولا طمع بل بمعرفة عفوية تـلقائية لكل تـلك العلاقات التي كانت سائدة بـين الشمال والجنوب ، تـلك العلاقات التي على رأسها مراسلات العلماء في النوازل وفي أي مشكـلة تجمع بـين الشمال والجنوب يمكن إيصالها في ذلك الوقت ، فقراءة متأنية لذلك الكتاب تعطي للقارئ فكرة أن الانفصال والتفرق هو الذي شذ عن ما يطلبه الإسلام من هذه الشعوب في الشمال والجنوب .
أما الواقع الواقعي الحالي فنحن سمانا التاريخ بالشناقطة أو البيظان أو الناطقين بالحسانية وقضى الله علينا أولا بأن تفرقـنا في زمن الحكم الاستعماري بدون إرادة منا بدون أن يصل ذلك التفرق إلى شيء من حياتنا لا لغة ولا عادة ولا تـقاليد إلى آخره .
وهذا من بداية ما يطلق عليه سكان الساقية الحمراء وشمالها إلى باب الصحراء الموجود بشمال مدينة أكـليميم جنوبا إلى حدود أزواد مع النيـجر .
ولكن هذا التـفرق مع الأسف إلى جانب حب الخير الشديد في الإنسانية وعلى رأس هذا الخير حب الرئاسة ( التي كما قال البعض أنها بطعمتها ) قذف الله في قـلوب بعضنا عند الاستـقلال أن يتكيف بسيادة تخصه عن باقي المنطقة الشمالية ، وكان هذا هو الغاية القصوى للاستعمار لأن قيادة الشعوب وامتصاص خيراتها والتدخل في سيادتها أهون وهي متـفرقة من هي قوة مجتمعية متماسكة .
وأود أن أقول هنا كلمة عن السيادة وهي أنها نسبـية فمادام الحاكم والمحكوم دينهم واحد وولوج جميع المحكومين إلى المناصب واحد وليس هناك أي تميـيـز أمام أي مؤسسة تابعة للدولة، فأين عدم السيادة؟
فمثلا ماذا ذهب من سيادة المغرب الحالي عندما ترأس نوابه الدي بن سيد باب الشنقيطي مع أن النواب تتجسد فيهم سيادة الشعب لأنهم نوابه جميعا ، وعندما اجتمع اليمن الشمالي والجنوبي ماذا ضر الجنوب ترأس عالي عبد الله صالح وماذا ضر الشمال ترأس هادي منصور .
وبعد هذه الفقرات فإني أقول إن المسلوب سيادته الآن معنويا هو جزء من شعبـنا الشنقيطي الموجود في مخيم تيـندوف والذي توفي منه من توفي ولمدة 40 سنة وما أكثره ،ومع الأسف رحلوا وفي اعتـقادهم أنهم مسلوبي السيادة ولاجـئين عند غيرهم ، وأرضهم وأرض أجدادهم مفتوحة أمامهم يستطيعون أن لا يكلمهم فوقها إلا ابن عمومتهم ويستطيعون أن يأكلوا من خيراتها مباشرة بدون منة لأي أحد عليهم .
ولكن إخوانـنا في تيندوف مع أسفـنا لهم وعليهم اختاروا أن تفعـل بهم الجزائر ما يفعله الإمام بالمأموم عندما يضحك هذا الأخير في الصلاة يسجنه مع بطلان صلاته حتى ينـتـهي الإمام من صلاته الصحيحة ويعيد المأموم صلاته الباطلة عليه بسجن الإمام له على البطلان .
فالجزائر تمنيهم بسيادة غير قادرة على ايجادها ، فكل من المرحومين بإذن الله الولي مصطفى السيد ومحمد بن عبد العزيز ذهبا إلى رضوان الله بإذنه ولم يشاهدا هذه السيادة وكذلك السيد إبراهيم غالي أطال الله عمره وأعانه يمكن أن يذهب بدون أن يرى هذه السيادة المطلوبة في غير مكان وجودها فهي توجد في العيشة الحسنة فوق أرض الأجداد ، فالشخص الطالب للسيادة من بعيد عليه أن يقـرب حتى يكون هو الآمر الناهي مباشرة لشعبه فوق أرضه .
وبما أن هذه الكلمة موجهة رأسا إلى السيد الرئيس فإني أعود إلى مخاطبته لأقول له إنه هو أعرف العارفين بالمغرب ظاهره وباطنه ودماثة أخلاق شعبه وهو يعرف كذلك كثرة ما عنده من الخيرات المخدومة بـيد عاملة فاعله وكثرة ما عـندنا من الخيرات المهدورة معادنها المهجورة زراعتها مع كثرة اليـد الخاملة الكاسلة ويعرف شدة اعتبار المغاربة للموريتانيـين فهم يظنون أنهم جميعا مبرزين مخلصين وأنـتم تعرفون ما فينا من الشبـشابة الحرفيـين وإظهار الإخلاص الذي تحته الكره الدفين ، وهذا معـناه أننا هم أحوج للاتحاد .
فلو أراد الله أنـنا اتحدنا معه في شكل من الاتحاد لحولوا شبـشابـتـنا خيرات المغرب على شـنقيطنا حتى يمتلئ بمتاع الحياة الدنيا وزخارفها , ويتمتع كل منا بحياته التي يحب العيش بها .
فسيجد العاطلين منا يدا تـشغلهم فوق أرضنا لاستخراج خيراتها بأنفسهم ، وسيجد دعاتـنا شعبا مسلما يعلمونه الأذكار الصباحية والمسائية الثابتـة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وستجد صوفيتـنا شعبا يعلمونه أذكار طرق أشياخهم ولاشك أن الهداية سوف تـكثر عليهم وتـتـنوع ، وسوف يجد علماؤنا كثيرا من الشعب يستـفـتيهم عن دينه ، وسوف يجد كل صاحب مهنة منا سوقا واسعا لمهنـته فيكثـر الغنى ويقـل الفقر ويمتزج شمالنا نحن الشناقطة بجنوبنا حتى تجد العبقرية الشنقيطية فسحة لانـتـشارها وتـنتهي مشكلة آثار الرق لأن الشمال انـتـهى من الرق منذ زمن طويل وينـتهي كذلك الإرث الإنساني إلى آخره .
وبناء على هذه الحقائق وبالعودة إلى مستـقبل الرئيس من غير اتحاد مع المغرب فإن الرئاسة في هذا العالم الثالث تعود بصاحبها إلى مثـل مكانه الأول في أحسن الأحوال إذا لم يصدق عليه مثـلها المعروف لها أنها نعمت المرضعة وبـيست الفاطمة ، وإلا فسيكون على الأقـل مثـل من أكل أحسن وجبة يحبها وغسل فمه ويديه بعدها (ولابد ) فيـبقي كأنه لم يأكلها مباشرة وهذا مثـله في الحياة الدنيا ، أما بعد الموت فهناك آيات وأحاديث تـتـكلم عن ذلك وسيطبق عليه منطوقها ومفهومها بلا زيادة ولا نقصان ولا يتسع هذا المقال لذكر ذلك كله
وعليه فإن البحث عن خريطة طريق يمكن معها إنشاء آلية للاتحاد مع المغرب في أي شكل من أشكال الاتحاد سوف يكون هو أحسن عمل تـقومون به السيد الرئيس في هاتين السنـتـين المتبقيتين من مأموريتكم في موريتانيا فيمكنكم في حال نجاح هذا الاتحاد أن تمتد مأموريتكم في شكل آخر في هذا الاتحاد إن قـدر الله له أن يرى النور في زمنـكم، وستـنـفذون في هذا الاتحاد ما تطلبونه من المغرب الآن
فينبغي إذن من الآن فصاعدا أن تـتقمصوا الشخصية الوحدوية للمرحوم القذافي بدون تجاوز هذه الميزة من شخصيته مع احترامنا لمشاعر بعض معاونيكم ، فعند غليان الوحدة في قـلبه مع أي عربي توجه إلى المملكة المغربية واتحد معها اتحادا سموه اتحاد العربي الإفريقي إلا أنه ولله المثـل الأعلى لم يطل زمنه للتباعد في الجغرافيا والتـفكير إلى آخره .
أما اتحادنا نحن مع المغرب فسوف يكون بإذن الله أطول عمرا وأكثر انسجاما لوحدته فكرا وجغرافيا وتاريخيا إلى آخره وسوف يكون اسمه بإذن الله اتحاد المغرب العربي الأطلسي .
السيد الرئيس إن قدر الله لكم أن تـتـبنوا هذا الاتحاد وتعملون لانجازه فسوف يكون بإذن الله بديلا لكل ما فكرتم فيه هذه السنة في موريتانيا من مأمورية ثالثة أو فكر لكم فيها الغير ، وكذلك تعديل الدستور وما يتضمن ذلك من تطبيق مخرجات الحوار الشامل الأخير كل ذلك لم يـبق مطروحا .
والآن أصل إلى تصور كيف يكون هذا الاتحاد بعد تسميته بالاسم أعلاه .
فأول خطوة في الاتحاد هو وضع خريطة جغرافية تشمل جميع أرضه التي سوف تـكون حدودها الشمالية والشرقية جمهورية الجزائر أما الحدود الغربية فهي البحر الأبيض المتوسط والأطلس إلى نهاية حدود موريتانيا مع نهر السنيغال ، أما الحدود الجنوبية فنـتـهي بأزواد إلا أن لون أزواد يجب أن يكون بلون خاص في خريطة الاتحاد حتى يتم تـنازل مالي عن إدارته .
وهذا الاتحاد يتـكون من منطـقــتين :
الأولى تمتد من باب الصحراء شمال أكلميم وتـنـتهي في أزواد وتسمى المنطقة الصحراوية الشنقيطية ، الثانية المنطقة الشمالية وتكون على باقي شمال الاتحاد وتسمى منطقة مجمع البحرين في شمال المغرب العربي الأطلسي .
أما تصور كينونة هذا الاتحاد ونظامه فإنه لاشك أنه قريـب من ذهن ساكن هذه المنطقة بما في ذلك سلطاتها العليا ، لأنه مادام الحاكم مسلما والشعوب مسلمة فإن السيادة كاملة .
فالحاكم في الدول العربية تارة يسمى ملـكا أو أميرا أو رئيسا ومسؤوليتهم في الإسلام واحدة .
وكل واحد من أوصاف هذا الحاكم يمكن أن يتـفق على صلاحيته في الدولة فتارة تـكون عنده صلاحيات واسعة وتارة تـتـقلص صلاحيته وتبقي له المسؤولية الفخرية فقط ومعها صلاحيات فيها شيء من السيادة مثـل : القيادة العامة للجيش واعتماد السفراء وتبقي الوراثة المـلكية إذا كان مـلـكا .
وأنا أتصور أن هذا الاتحاد إذا عرض على ملك المغرب فسيتــقـبله شاكرا بتـقليص ملكيته حتى لا تبقى له منها إلا ما هو مشاهد في الملـكيات العريقة مثـل : ابريطانيا واسبانيا إلى آخره .
أما الاتحاد فيما وراء ذلك فيمكن للمنـتـسبـين إليه أن يأخذوا بنظام أحسن اتحاد في العالم في التمايز بين حكومة كل منطقة عن الأخرى وانفراد كل منطقة بخصوصية تـتماشى مع سكانها وحالتهم الاجتماعية .
فمثلا اثـر هذا الاتحاد فلابد من مراجعة الدساتير وتغيـير كل خصوصية مثـل العلم والنشيد إلى آخره أو يكون هناك علم منطقة خاص بها وعلم اتحادي إلى آخره .
السيد الرئيس إذا وفـقكم الله في السير في هذه الطريق الموحد بين شعبـين دينهما واحد ولغتهما واحدة ونسبهما واحد فستـكونون قد ضمنـتم لأنفسكم حياة سعيدة في الدنيا أولا وأخيرا وإذا حضرت مع ذلك نية امتـثال قوله تعالى (( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تـفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنـتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)) فـتكونون بذلك ضمنتم حياة سعيدة في الآخرة وتكونو بذلك أنـقذتم بصفة مشرفة شعبا عزيزا عـليـنا عاش عقودا من الزمن في اللجوء ينـتـظر مخلصا غير الله لا وجود له في الخارج فهو يسكن في المخيمات وينـتـظر وجود سيادة على أرضه وأرضه موجودة وعليها سيادة أبناء عمومتهم مع أن السيادة الحقيقية للمسلم منحصرة عندما يكون معنيا بقوله تعالـى (( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )) .
وفي الأخـير فإن هذه الفكرة لا أقول أنها حلم لأن الأحلام منها الأضغاث ولا أقول إنها رأي لأن الرأي يشـترك فيه عدة أشخاص ولكنها أمنية صاحبها يعرف أن هذه الدار ليست هي الأخيرة في حياة الشخص ويتـمنى أن يقال للجميع عند النهاية (( سلام عليكم بما صبرتم فـنعم عقبى الدار ))