اطلعت على تدوينة معالي وزير الاقتصاد والمالية السيد المختار ولد انجاي والتي يتنبأ فيها بتحول اقتصادي عميق سيغير من مستوي حياة الموريتانيين في المستقبل القريب، تحول ينشده الجميع، ولا أملك شخصيا إلا التفاؤل المشوب بالحذر، درس تعلمته من مدرستي المولاة والمعارضة، فالوزير
يتحدث من خندق المولاة للرد على متحدثين آخرين من خندق المعارضة وفي الخنادق لا تكون الصورة بتقنية 360 درجة للأسف الشديد.
يُصاب المواطن بالدوار وتضيع الحقيقة نتيجة للتراشق بين مُواليين همهم الوحيد إقناع الناس بأنهم في الجنة أو في أسوا الاحوال على تخومها، ومعارضين يؤكدون لهم انهم في جهنم منذ سنين أو انهم سائرون اليها لامحالة...!
سيقتصر ردي على ما جاء في التدوينة على المشاريع التي تحمل الارقام: 1-4-5-6 من لائحة 13 مشروعا ،وتخص قناة كرمسين ومشروع فم لكليته لإنتاج السُكر ومصنعي البان النعمة وبوغي، لأنني كنت قد تناولتها في مقالات سابقة، حيث حذرت من الاخطاء المرتكبة املا في تصحيحها بعيدا عن التجاذبات السياسية، لكن لا حياة لمن تنادي فالثنائية المقيتة تٌجهض كل سُبل الاصلاح، والتصنيف جاهز اما معارض حقود ام موال ناصح!
قناة كرمسين: تحمل الرقم واحد على لائحة التحول الاقتصادي وتذكر التدوينة أنها ستضيف ما بين 20 الي 30 ألف هكتار للحملة المقبلة، وهذا إن تحقق سيكون انجازا عظيما فحاليا لا تتجاوز المساحة المزروعة فعليا 10 آلاف هكتار، في حين تذكر لعبة الارقام اضعاف ذلك، لكن القناة المذكورة تعاني من انتكاسة كبيرة بسبب اخطاء في دراسات ما قبل التنفيذ واخري متعلقة بالإنجاز ومن السابق لأوانه الحديث عن انعكاساتها على الزراعة المروية وعلى العموم فلن تضيف رقما يذكر في الحملة القادمة اللهم كمية الاسماك التي قد تصطاد منها.
مشروع انتاج السكر في "فم لكليتة":يحمل الرقم اربعة على لائحة التحول الاقتصادي وكانت التقديرات الاولية تشير الي اكتمال انجازه سنة 2015 الفارطة و انه سيحقق إنتاجية تصل 106000 طنا من السكر، بالإضافة لوحدات صناعية لإنتاج الاتانول والأعلاف، ومحطة لإنتاج الكهرباء وقد شخصت واقع ذلك المشروع في مقال بعنوان: سُكر موريتانيا بين إعادة تثمين السد وتكرار الخيبة بتاريخ 2\01\ 2016 ،تعرضت فيه للأخطاء الفادحة التي ارتكبت ومن ضمنها موقع المشروع، فبحيرة لكليته لن تكفيه كما ان استبدال الشريك الفني الجاذب الاستثمار أي شركة كنانة بمكتب دراسات سنغالي مغمور واختيار رئيس الحزب الحاكم لرئاسة مجلس الادارة، كلها مؤشرات سلبية تلقفها المستثمرون وعزفوا عن الاستثمار اما اليوم فالمشروع مجرد ثقب اسود يبتلع الاموال العمومية وآخر اخباره اشتعال مشتلته ولا دعي للأسف عليها لأنها لا تنفع اليوم سوي كعلف للحيوانات.
مصنع البان النعمة :يحمل الرقم خمسة على لائحة التحول الاقتصادي وتذكر التدوينة بانه سيسلم في الايام القادمة وانه سيعزز بمصنعين آخرين للأعلاف، وما لم تقله التدوينة بان المصنع اكتمل وجُهز منذ امد طويل، لكنه لم يجد الالبان لينطلق ،مما اضطر المخططين لأقناع الجهات العليا ببناء مصنعين جديدين لإنقاذه ،وكنت تناولت هذا الموضوع بمقالين (مصنع البان النعمة عندما يخطط الهواة و مصنع البان النعمة عندما يحاول الهواة تدارك الاخطاء) وتصادف المقال الأول مع زيارة فخامة رئيس الجمهورية والتي كان من المتوقع ان يُدشن فبها المصنع مما اعتبره البعض سباحة عكس التيار ونكرانا للحقائق ـلكن الوقائع تشير اليوم الي ان المصنع تحول بسبب سوء التخطيط الي مجرد وحدة حكومية باهتة تبتلع المال العام.
مصنع البان بوغي: يحمل الرقم ستة على لائحة التحول الاقتصادي وتذكر التدوينة بان دراسته الجدوائية انتهت ،ونرجو ان لا يكون مصيره مشابها لمصنع البان النعمة، وعلى كل حال فمشاركة الشريك الأجنبي امر يبعث على الاطمئنان لكن من السابق لأوانه الحكم عليه وذكره كإنجاز سيحقق تحولا اقتصاديا هاما.
مشاريع طموحة ولكن!
شهدت البلاد في السنوات الماضية طفرة مالية ،بسبب ازدهار الحوض المنجمي ،نتيجة لارتفاع أسعار المعادن، أمر استغلته الحكومة بحكمة -مدفوعة بانعكاسات ازمة الغذاء العالمي سنة 2007-لإنجاز مشاريع هيكلية زراعية للحد من نزيف العملة الصعبة، عن طريق انتاج سلع استراتيجية مستدامة ،مما قد يُحقق التوازن الهيكلي المطلوب ويزيد من قدرة الاقتصاد الوطني علي تحمل تقلبات اسعار المواد الاولية ،وقد وقع الاختيار علي تلك المشاريع وغيرها كزراعة القمح ،ولا يمكن هنا الا تهنئة الحكومة علي هذا المسار ،لكن التنفيذ والتخطيط شابته اخطاء قاتلة ناتجة عن ضعف اداء منظومة التخطيط واعتماد معطيات وبيانات احصائية خاطئة، مما شل هذا الجهد وحوله الي عبأ علي الاقتصاد الوطني.
من الطبيعي ان تتعثر جهود التنمية وان تحدث الاخطاء، لكن من غير المقبول عدم الاعتراف بتلك الاخطاء وتصحيحيها في الوقت المناسب، كما ان محاولة كتم كل الاصوات التي توجه المسار التنموي بدل الاستفادة منها لا يخدم جهود التنمية ويصب في النهاية في خانة الفشل الذريع.
سيحتاج معالي الوزير لقدرات فائقة لإعادة حتى لفظ اسماء هذه المشاريع الاربعة في السنين القادمة، هذا طبعا ان لم تبادر الحكومة لتصحيح الاعتلالات في الوقت المناسب ،أما اليوم فيمكنه قول ما يشاء.