في السادس من يونيو 2011 قرر حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" تغيير مساره السياسي "المتزن" والتراجع عن الخط الثالث الذي اتخذه بعد استحقاقات يوليو 2009 لصالح الانضمام لمنسقية المعارضة في مشهد فتح الكثير من اللغط داخل الساحة السياسية وخارجها.
ورغم أن الحزب مهد لقراره بوثيقته الشهيرة "قبل فوات الآوان " وحاول تبرير الخطوة بعجرفة النظام واستمرار النهب والظلم داخل مؤسسات البلد المحكومة من قبل جنرالات الجيش وضباط الأمن وبعض المستوزرين الصغار،إلا أن الكثير من أنصاره ومناوئيه لم يستوعبوا حالة النكوص السريعة للحزب من مرابع التهدئة والبناء الداخلي إلي أحضان أحزاب المعارضة التقليدية والتصعيد في وجه النظام والتلويح بإسقاطه. ورغم أن حراكا عربيا مقنعا شهدته عدة أقطار عربية وإفريقية وساهم الإسلاميون فيه بفاعلية خصوصا في مصر وتونس وليبيا واليمن، إلا أن موريتانيا ظلت نشازا بين مجمل الدول وظل إسلاميوها خافتي الصوت،قليلو التأثير، بعيدون عن صنع القرار أو التأثير فيه ، بعدما تاهت سفينتهم في لجج المنسقية المثقلة بالهزائم والخلافات ،وباتت أبرز مهام رئيس حزبهم الشاب "إصلاح ذات البين بين شيوخ فرقتهم الأحقاد وجمعهم الفشل " أو البحث عن صيغ توافقية لبيانات ومواقف نادرا ما تلامس شغاف الباحثين عن حرية مفقودة وعيش كريم، وتنمية مهدورة بفعل الحرب الدائرة بين النظام والمعارضة والانقسام الضارب بجذروه في معسكر كلا الفريقين،بعدما توقع كثر أن يشكل انضمام الحزب إلي المنسقية بداية مرحلة جديدة من الحراك الثوري لنقل البلاد من أجواء التهدئة والمطالبة بالحوار إلي التدافع وفرض السلطة إلي اللجوء إلي تنازل يخدم تنمية البلد واستقراره. غاب الإسلاميون عن الإعلام العمومي والخصوصي بفعل ضعف النشاط وغياب المواقف المتحررة، وتواري قادة الحزب خلف شعار المنسقية وزعمائها الحريصين علي الظهور في كل مناسبة، وتثاقلت خطاهم نحو الداخل ، وعزت صور زعماء الحزب وأنصاره وهم يتفقدون أحوال الناس أو يستطلعون آراء الأغلبية الصامتة من الموريتانيين،وتراجعت أصوات الطلبة المرتفعة عادة لصالح "الخطاب العقلاني والفعل المؤسسي" فظهرت أصوات أخري داخل الجامعة والمعاهد وباتت تنافس بقوة بفعل القدرة علي الإثارة وجر الإسلاميين إلي مواقف لم تكن من صميم اهتماماتهم في السابق. تردد الإسلاميون كثيرا في التعامل مع شباب فبراير وحراكه نحو التغيير، وفشل حلفائهم الجدد في خلق حالة ثورية داخل الساحة الموريتانية بعدما تولي عدد من مخبري النظام والعاملين لحسابه توجيه المسار المتردد والتحكم في الثورة الهجينة، وخنق الانتفاضة المدفوعة برغبة الزعماء في الوصول للسلطة لا دفع المظالم عن الشعب أو إنصاف ضحاياه. تعثرت خطوات النظام وفشل الجميع في استغلال أخطائه، وخلقت فرص للثورة والدفع باتجاه تأزيم الوضع وإجبار العسكر علي تقديم تنازلات مقنعة ،غير أن التردد والخوف من "فتنة" ليست المعارضة رأسها حالت دون دعم حراك الزنوج المطالب بالمساواة أو العبيد الثائرين من أجل تحرير رقاب لا تزال تسترق في العاصمة وضواحيها أو انتفاضة عمال مشروعة أو حراك حقوقي يهدف إلي عزل النظام ومحاصرته بفعل ما جنته يداه. نجح النظام في شق صفوف المعارضة واستقطب أبرز رموزها وأكثرهم شعبية لصالح حزبه أو الدائرة المحيطة به، وفشلت المعارضة في استقطاب ضحايا النظام أو الغاضبين منه وهم كثر ،فتكونت جمعيات للمظلومين بعيدا عن أطر المعارضة التقليدية ، وثار السكان في الطينطان وفصاله وكيهيدي وأزويرات دون توجيه من المعارضة أو تنسيق معها، واكتفت الأخيرة برصد الانتهاكات الممارسة ضد الثائرين والمطالبة في كل مرة بالحوار. واليوم وقد باتت المنسقية قاب قوسين أو أدني من الموت السريري، وباتت البلاد علي شفا انتخابات أحادية أو أزمة دستورية غير مسبوقة، وعزز الإسلاميون مواقعهم في أكثر بلد عربي فهل يراجع الإسلاميون بموريتانيا خطهم السياسي الراهن؟ وهل يعيدون النظر في حالة الكمون القائمة ؟ وهل من خطط جديدة لمواجهة الجفاف المقبل وتداعياته والأزمة الدستورية وانعكاساتها؟ والحراك الحقوقي ومتطلباته؟ أم أنهم في طريق الخسارة سائرون؟ إن الارتهان للخط القائم والتحرك ضمن الإطار المحدد من قبل "زعماء" المنسقية، والانشغال بالندوات الفكرية ومهارات الخطابة، والتباكي علي المفصولين من قطاعات الدولة سيورث الإسلاميين ندامة غير مسبوقة وتراجعا ملحوظا ليس في المكانة لدي الشارع فحسب، وإنما في القدرة علي التأثير والتحرك بفاعلية في مواجهة الأزمات وهو أخطر مرض قد تصاب به القوي السائرة علي طريق النمو أو التيارات السياسية الراغبة في تعزيز مكانتها في صدارة القائمين علي الشأن العام. إن غياب الإسلاميين عن الحراك الحقوقي وضمور مراصدهم السابقة بعد الانفراجة النسبية للأزمة السياسية أفقدهم أبرز ورقة يحملونها وهي الدفاع عن المظلوم والوقوف في وجه الظالم .كما أن ترددهم بشأن مناصرة ضحايا الاسترقاق لصالح طبقات اجتماعية بعينها جلب لهم غضب الضحايا ولن يكسبوا من ورائه تعاطف المعتدين. إن التيار الإسلامي بحاجة إلي مراجعة صريحة يحدد من خلالها موقعه السياسي بوضوح ، مراجعة تعطيه زمام أمره بدل ربط مصيره بآخرين همهم السلطة أو جر المتاعب للمسكين بها دون رؤية واضحة أو انجاز ملموس أو تضحية مقنعة أو خطاب مسؤول.