الأحواز توأم فلسطين..أي بديل عن جبهتها المنسية؟ / باباه ولد التراد

لم يكتف أعداء الأمة العربية بتمزيق نسيجها العضوي والاجتماعي وتقسيمها جغرافيا إلى أقطار ودويلات ، بل سلبوا أجزاءا عديدة منها مثل فلسطين وإمارة الاحوازالعربية التي  تطالب الآن بالحرية وفك الارتباط الخانق عن الدولة الإيرانية التي احتلت هذا الثغرالعربي بالتواطؤ مع انكلترا، بما يشبه تماما الدورالابريطاني المفضوح في القضية الفلسطينية ،

 أي أن العوامل الجيوستراتيجية قد شكلت أحد أهم الأسباب لاندفاع القوى الأجنبية تجاه الأحواز.

غير أن إلقاء الضوء على هذه البقعة العزيزة من أرض العروبة التي ضاعت نتيجة للمساومات الدولية ، ووقوع العرب أنذاك تحت طائلة الاستعمار ، قد يساهم في الإقبال على التنقيب عن تاريخ  الأمة ، فضلا عن إثارة هذه القضية التي ستوضح للعالم طبيعة الأطماع التوسعية لإيران ، باعتبارأن الاحواز  قبل الاحتلال كانت دولة ذات سيادة إلى أن تم احتلالها من طرف الفرس عن طريق الخديعة في العشرين من نيسان 1925 على يد رضا شاه بهلوي ، بعد أن تم استدراج أمير الأحواز الشيخ خزعل الكعبي إلى فخ نصبه له قائد الجيش الإيراني الجنرال زاهدي من أجل إجراء مباحثات سياسية إلا أن زاهدي قام باعتقال خزعل واودعه السجن في طهران مع مجموعة من مرافقيه حتى مات عام 1936.

وبما أن تغيير إيران للمركز القانوني للاحواز قد وقع بصورة غيرمشروعة خلافا لقواعد القانون الدولي التي كانت سارية في  ذلك الوقت فإن إقليم الأحواز لم يشهد الهدوء بسبب الثورات والانتفاضات المتتالية التي قام بها هذا الشعب ، وقد رافقت تلك الانتفاضات الرامية إلى الإنفصال والتحرير وتقرير المصير العديد من المطالب التي تو جه بها الأحوازيون الي الدولة الإيرانية نفسها ، كما أدلوا بها في العديد من المحافل الإقليمية والعالمية.
ومع ذلك فقد أعتبر بعض المحللين أن سبب التغول الإيراني ، ناجم في المقام الأول عن السلبية المفرطة التي عاملت بها الانظمة العرببة الاحتلال الفارسي ، مع غياب أبسط الرؤى الاستراتيجية لديها فيما يتعلق بالقضية الاحوازية ، فضلا عن صمت المواطن العربي ، وعدم اكتراثه بما قامت به إيران من بطش وتنكيل بإمارة الأحواز، حيث يقول الدكتور ابرهيم خلف العبيدي في كتابه (الاحواز أرض عربية سليبة ) الصادر سنة 1980 في بغداد إن على الانسان العربي أن" يرفع صوته مستنكرا ما تقوم به السلطات الفارسية من سفك للدماء واضطهاد للحريات ، إذ أن صمته وعدم اكتراثه شجع السلطات العنصرية لأن تطالب بأقطار عربية أخرى غير عربستان " .
لذلك أعتقد أن على قادة الرأي في موريتانيا أن يبرزوا بصوت عال قضية الاحواز على الصعيد العربي والدولي ويستثمروا كافة الطاقات الإعلامية بغية تسليط الضوء على بشاعة الاحتلال الإيراني للأحواز ، وإظهار خطر الدولة الإيرانية التي تلتهم الخليج ، وتسعى جاهدة للقضاء على عروبة الأحواز، تلك الدولة الخليجية الغنية بالنفط التي تنتج 85% من البترول في إيران ، و100% من الغاز الإيراني كله ، وتتوفر على 65% من الأراضي الصالحة للزارعة بسبب كثرة الأنهار.
علما أن الأحوازيصل عدد سكانها 12 مليون عربي في وطن تبلغ مساحته 372 ألف كيلو متر مربع تمتد من مضيق باب السلام أو ما يسمى "هرمز" إلى العراق ، وتمتدّ على طول الساحل الشرقيّ للخليج العربيّ بمسافة (850) كم، وعرض (150) كم، أي أكثر من مساحة بلاد الشام كلها ، ومع ذلك فقد وقعت هذه البلاد تحت الاحتلال الإيراني قبل تأسيس الدول العربية الحديثة ، وكان شعبها هوأول من ناصر القضية الفلسطينية بعد وعد بالفور المشؤوم، كما تشهد على ذلك زيارة الشيخ الحسيني للأحواز عام 1921.
وبما أن الوضع الراهن في الأحواز لايمكن تجاهله ولا السكوت عليه مطلقا ، فإنه من واجبنا أن نرسخ مفهوما واقعيا ونبيلا جدا وهو أن قضية الأحواز لا تقل أهمية عن قضية احتلال أي دولة عربية لأن القضايا لا تتجزأ، لذا فالموقف العربي يجب أن يكون موقفاً موحداً باتجاه كل القضايا العربية و منها القضية الأحوازية التي مولت ثورة العشرين في العراق ، ووقفت إلى جانب حركات التحررالأخرى في الوطن العربي ، كما أن هناك من يعتقد أن الأمة العربية لم تخسر فلسطين إلا بعد أن سقطت الأحواز في يد الفرس .

وإذا كان العمق الإستراتيجي شرطا أساسيا من شروط النصر وتحقيق الأهداف المرجوة من مشروع الثورة والتحرير ، فإن العمق العربي، ـ ومهما كانت المآخذ والملاحظات السلبية عليه في الوقت الراهن ـ  سوف يكون كافيا إذا تم تفعيله بشكل جيد لمساعدة عرب الأحواز في إصالهم إلى بر الأمان وتحقيق النصر والإستقلال .
غير أن هذا لن يتحقق إلا إذا تبنى العرب القضية الاحوازية بوصفها أهم حلقة في مواجهة التغول الفارسي ، الذي يحتل دولة الاحواز برمتها مع أربع عواصم عربية أخرى ، واستشعروا كذلك أن الخطر الإيراني في شقه التوسعي أعظم من الخطر الإسرائيلي لعدم تداخل الخنادق مع هذا الأخير ـ على الأقل ، حيث يرى الخميني الذي تعاونت بلاده مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني من أجل احتلال العراق وأفغانستان واليمن وسوريا ولبنان أن التعامل والتعاون مع أعداء الإسلام واجب إذا كان في ذلك مصلحة لمذهبه ، واستشهد في هذا المجال ببطولات الوزيرين ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي !، اللذين تعاونا مع "هولاكو" من أجل احتلال بغداد وتدميرها سنة 1258 م .
إلا أن الجمهورية الإيرانية بهذا المنهج التوسعي قد جلبت لنفسها عداوة الأمة الإسلامية كلها، وأصبحت منبوذة في المنطقة مثل الكيان الصهيوني ، بعد ما كانت ترفع شعارات معاداة الاستكبار العالمي وغيرها من الأكاذيب التي تم تصديقها من طرف البعض حتى وقت قريب .
ومع ذلك فما دمنا قد عقدنا العزم في وقت مبكرعلى تحرير فلسطين فحري بنا الآن أن نوسع قاعدة اهتماماتنا لتشمل الأراضي العربية السليبة كافة ومنها الاحواز، لأن أمتنا إذا كانت قد رزيت بفقدان فلسطين فإنها قد رزيت كذلك بفقدان الاحوازالعربية .
وبما أن القطرالاحوازي جزء من الوطن العربي ، ويتعرض منذ ما يزيد على تسعين سنة لأشد أنواع الظلم والقهروالترويض الممنهج لسكانه الأصليين وتشويه قضيتهم ، فإنه أصبح من واجب العرب الآن :
1ـ الاعتراف بالأحوازكدولة عربية خليجية محتلة من قبل ايران .
2ـ الاعتراف بالمناضلين الاحوازيين كممثلين شرعين للشعب الاحوازي .
3ـ طرح القضية الاحوازية في المحافل الدولية  .
4ـ فتح مكاتب للاحواز في العواصم العربية .
5ـ منح الاحواز مقعدا في جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي.
6ـ تخصيص ميزانية سنوية ضخمة للقضية الاحوازية تضمن للمناضلين العمل بحرية داخل وخارج القطر الاحوازي .
7ـ تنطيم الندوات والمؤتمرات للتعريف بالقضية الأحوازية .
8ـ قبول أبناء الأحواز في المدارس والمعاهد والجامعات العربية .
9ـ إدراج قضية تحرير الأحواز في المناهج الدراسية العربية‏، ‏وبرامج الإعلام العربي‏ .
10ـ قطع العلاقات مع إيران وعدم التعامل معها بأي شكل من الأشكال .
11ـ مقاطعة البضائع الإيرانية ، لأنها مسروقة من أموال الاحوازيين وملوثة بدمائهم ، وتستخدم لزرع الفتنة في الوطن العربي ، وتحسين وجه إيران ، وتصدير الطائفية .
وانسجاما مع هذه الرؤية فقد تأكد في حينه أن الحكومة العراقية السابقة بقيادة حزب البعث ، قد انتبهت فورا إلى  هذه القضية ، ودعمت بكل الوسائل نضال الشعب الأحوازي ، كذلك فإن الحكومات الخليجية قد شرعت الآن في تقديم بعض الدعم للقضية الأحوازية ، حيث استدعت من أجلها الوفود ، ونظمت لها الملتقيات مثل "ملتقى أحواز العرب في كويت العرب " المنظم يوم 3/5/2016 ، ومع أن هذه المواقف النبيلة  كلها تصطف مع الحق والشرعية ، فإنها سوف تكون في هذا الوقت بالذات وقفة شجاعة في وجه التوسع  الإيراني الذي يضرب الأمة العربية من داخلها ويتغلغل في أعماقها ويصدر لها ما يسميه بالثورة .
وبالرغم من أن طموحات طهران للتوسع والسيطرة على المنطقة العربية باتت معلومة للجميع ، إلا أن ثمة عوامل مهمة جديرة بالتنويه ، وهي أن أسباب القوة التي يملكها العرب في صراعهم التاريخي مع الفرس كثيرة، وأبرزها في الداخل الإيراني ، حيث أن الأحواز هي الجبهة الأمامية للتدخلات الفارسية ، وسيتأكد أن هذه الإمارة إذا تحررت ستكون السد المنيع أمام النفوذ الايراني في الوطن العربي ، لأن ذلك سيحرم إيران من استغلال هذا القطر الحيوي لأغراض عدائية تجاه الأمة العربية ،  كما سيحرمها في نفس الوقت من ثروة الأحواز الهائلة ، وقد يشجع ذلك بعض الأقاليم المقهورة الأخرى على الثورة والتمرد ، وهذا حتما سيشغل إيران في نفسها عن التوسع في البلاد العربية .
 

16. فبراير 2017 - 0:29

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا