نظام ولد عبد العزيز بين قوة الدولة وإضعاف المجتمع / محمد ولد الشيخ البدوي

إن كان تحديث نظام الدولة مطلبا ضروريا وأمرا ملحا إلا أنه ليس غاية في ذاته، إذا لم يوازي ذلك قوة وتقدما للمجتمع الذي هو أساس أركان الدولة الثلاثة ( الشعب، الوطن، الحكومة) ومصدر قوتها وشرعيتها.
إن الدولة ما قبل ولد عبد العزيز كانت ضعيفة وهشة من حيث بينتها المؤسسية

 (مؤسسات عمومية، بنية تحتية، الصرامة...ألخ) إلا أن المجتمع ككيان أفراد وأسر كان أقوى وأشد تماسكا ووحدة مما هو عليه اليوم، حيث بدأ ينهار تدريجيا؛ من الناحية الاقتصادية، وفي علاقاته البينة وفي تماسكه ووحدة الوطنية، مما ينذر بوقوع كارثة لا قدر الله.
في حين أن الدولة ككيان مؤسسي ازدادت قوة وهيبة في ظل النظام الحالي فأصبح الأجانب يحترمون قوانينها، أو يتحايلون عليها خوفا أو طمعا، والمواطنون يؤدون ضرائبها وإن كانت أعينهم تفيض من الدمع حزنا..  
وأصبح البلد حاضرا في الداخل وفي الخارج، وله وزن في القارة وذكر في العالم؛ بعد أن ظل لعقود خلت لا يذكره ذاكر ولا يزوره زائر.
إلا أن قوة الدولة وتمساك شعبها وتحقيق وحدتها لا يقاس بحجم وزنها ولا اتساع صيتها ولا بما تملك من موارد وصادرات أو بما تدخر من أموال وعملات، أوبما تجني من ضرائب ومستحقات، وإنما حين تكون الطبقات الوسطى هي  غالبية سكانها، أوحين يكون لذلك انعكاس على حياة المواطنين الضعفاء، ومن لا حيلة لهم، مما هو غائب في الحقبة الحالية.
ومن الغريب أنه في ظل هذ الخلل في التوازن بين قوة الدولة كمؤسسة وبين ضعف المجتمع ككيان، لا نجد الحديث إلا عن القضايا الجزئية أو المندرجة ضمن قضايا أكبر منها، وتظل القضايا الكبرى مغيبة أو مسكوتا عنها،  وتختزل المشاكل والأزمات في الحديث عن الديمقراطية وسبل تحقيقها والمشاركة السياسية وطرق  تطبيقها...وتختزل الحلول والإصلاحات في الحديث عن الاستبداد؛ وكأنه مكمن الداء وأصل البلاء، وكأن الديمقراطية هي سر الدواء، والخلاص من البلاء.
إن الغالبية العظمى من المجتمع لا تهمهم ديمقراطية ولا استبداد بقدر ما يهمهم وجود ما يسدون به رمق حياتهم، ويحقق جزءا من رغباتهم بعيدا الرماد وناره، والساحات وأهْلها، والصالونات وصحْبها، وفي ذلك لمن يدَّعي الديمقراطية أو يدعوا إليها مقصد من مقاصد  مراعاة حقوق الأغلبية ورأي الجمهور.
إن الشعب كاد أن يفقد الأمل في السلطة ولم يعد يرى فيها إلا مجرد استعمار جديد، جاء ليعيش على دماء الشعب وإثقال كاهله دون خوف من رقيب أو خشية من عتيد؛ مما ينذر ـ إذا لم يتلافى ـ بسوء عاقبة.
ولعل من أهم أسباب هذ الانهيار هو ارتفاع الأسعار وضعف الدخل وتزايد سقف الضرائب التي لا تفرق بين مسكين وفقير، وضعيف ومحتاج، فضلا عن عدم تطبيق العدالة في الفرص، وعدم تحقيق المساواة أمام القانون.
ولعل من سبل تلافي وقوع الخطر وإصلاح الخلل مراجعة السياسيات الداخلية للحكومة، والقيام بتغييرات شاملة في الإدارات والمؤسسات.
ولذ وجب التنبيه "فرب مبلغ أو عى من سامع" ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" وانطلاقا من كوننا لا نشك في صدق نية السطلة في محاولة إصلاح الخلل،  لكن  فشل السياسات وتوقف بعضها وعدم قدرة جزء منها على الاستمرار كان وراء العديد مما يتخبط فيه البلد اليوم من أزمات 
وما زال من الممكن تلافي الخطر قبل أن يأتي يوم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل....

16. فبراير 2017 - 10:38

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا