أسماؤنا : قلة الورع وانعدام الحس الحضاري / د.البكاي ولد عبد المالك

أسماؤنا من يسمي من ؟ الأسماء في اللغة هي جزء من الكلام الدال على معنى معين أو على شيء ما ، يبقى بعد ذلك البحث فيما إن كانت توقيفية من الله تعالى كما في عقيدتنا أو توفيقية اصطلاحية . أما الأصوات فهي الأثر السمعي الذي تحدثه تموجات ناشئة من اهتزاز جسم ما . وقد تصدر الأصوات من العاقل 

كما أنها قد تصدر من غير العاقل. من الناحية الفسيولوجية يحدث الصوت لدى الإنسان عندما يقوم بإخراج الهواء من الرئتين بكميات معينة يؤدي اصطدامها بالحبال الصوتية أثناء خروجها إلى اهتزازات معينة وموجات مختلفة تخرج من الفم مشكلة الحروف المنطوقة.
الأسماء لا بد أن تكون حاملة لأثر الفعل الحضاري والهوية القومية للشعوب .أما مبحث الأسماء عندنا فيدل على قلق حضاري وفعل من أفعال البداوة قد يكون ناتجا عن فراغ تاريخي في السلطة وفي غياب عقل سياسي مدبر يخضع لقواعد ثابتة . فوضى الأسماء عندنا وتحررها من كل قيد أو شرط وفي بعض الأحيان من كل مرجعية دينية أو حضارية لا يوازيه سوى تحرر الفرد من الخضوع لسلطة الدولة على الأقل على المستوى الذهني .
أن يتسمى الأبناء بالأسماء التي أختارها آباؤهم جيدة كانت أم غير جيدة فهذا أمر طبيعي ولا يطرح في نظرنا أي إشكال من الناحية الفقهية لأن حسابهم على الله يوم القيامة لكن أن يصبح الأمر مقلوبا فيحمل الآباء "أسماء" أطفالهم أو بالأحرى أصوات أطفالهم قبل مرحلة النطق فهذا أمر محير يصعب تكييفه من الناحية الفقهية ويتطلب تفكيرا عميقا لأنه فعل صادر عن أشخاص دون سن التكليف .
أمة تتسمى بأسماء أطفالها ، أمة أسماؤها أصوات أو مركبات من الحروف مثنى وثلاث ورباع هي في الواقع أول ما يتلفظ به الطفل وأول ما يصدره من أصوات . أسماؤنا كانت في البداية عبارة عن "ألقاب"وصفات متنحية يطلقها الأطفال ويطرب لسماعها الآباء ويجارونهم فيها لكنها أصبحت بعد ذلك دائمة غير متنحية : تحولت من كونها محاولة من الطفل لمجاراة للعالم الذي يحيط به من خلال تقليد الأصوات والأسماء التي يسمعها إلى كونها هي الأسماء التي يسير على منوالها الكبار ولا شيء غيرها... ومع ذلك نحن نسخر في أساطيرنا ومروياتنا من تراث بعض الشعوب ومن أسمائها و نقول بالعامية أن" الأسماء فرغت عليهم" حتى أصبحوا يقلدون في أسمائهم الأصوات التي تطلقها القطع المعدنية عند ارتطامها بالأرض.
وفيما يلي بعض النماذج من الأسماء التي حضرت في ذهني والتي يمكن الإتيان بالآلاف مثلها  وليعذرني كل من وجد اسمه هنا فإسمى أنا مثلكم لا يصبح له معنى دون تأويل.. وهذا الأمر في الواقع بعيد عن السخرية أوالاستهزاء بأسماء البعض إنه النقد الثقافي الذي يعبر عن أمة قيد التشكل :
ابجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ
ابّ،اجّ ،انّ ،أش...إلخ
ابّاه ، اتّاه، انّاه، افّاه، الدّاه، اجّاه، اوّاه، ايّاه، اكّاه، امّاه، ...
ببّاه، تتّاه، ففّاه، ددّاه،ممّاه،لهاه...
ممّ،ننّ، تتّ، للّ، ددّ،ببه.. 
ملل، نلل ...
مامه ،تاته،لاله،داده،نانه،فافه...
أسماء تحمل صفة الفعل المضارع وأخرى صفة الرجاء والتمني وما إلى ذلك :
يحظيه ،ينجيه، يحفظه، يطول عمره، يمهله، يرحم والديه، يسلم عربيه، يسلم اخوالها ، يرحم بوها، يبركها، يمهل عمره، يخليهنا...إلخ بحيث أنني أستطيع أن أجزم بأنك لن تأتي بأي صيغة صرفية أو مقطع من الحروف إلا وجدته موافقا لاسم من أسمائنا أو جزء منه!
ولا تقل أسماء الأماكن أهمية في هذا المجال عن أسماء الأشخاص : أمة بأكملها وشعب بأكمله وحضارة بأكملها تختزل في أسماء أشخاص : "فراج ولد فلان"، و"وقفة ولد فلان"، "سمعة ولد فلان" ...إلخ وفي تسميات لا يتشرف أحد بسماعها أحرى بإطلاقها عليه مع كل الإيحاءات اللاأخلاقية التي تضمرها والمنكر الذي تحمله : "بكّر ما صلى"،"جامبور"، "قمبر وجهه"،"ادوي كلاب"، "كركب حجرة"، "كراع النصراني"،"قومي عن سروالي ترديت"، "بيتيگ كسكس"،"نبية عشرة"،"وقفة أفْ"... أفٍّ بهذه الأسماء وبالحضارة الرثة السوقية التي أنتجتها : قلة الورع وانعدام الحس الحضاري.
بل الأماكن المقدسة وبيوت الله التي أذن (أن ترفع ويذكر فيها اسمه) تسمت عندنا بأسماء الأشخاص وباللغو والاغتياب وحملت جميع الألوان وغير ذلك.
المجال الجغرافي برمته يحمل أسماء القبائل : الآبار والجبال والوديان والبحيرات ...إلخ
أسماؤه صلى الله عليه وسلم وأسماء صحابته رضوان الله عليهم أعربناها أولا ثم صارت بعد ذلك مبنية عندنا على الضم أو الفتح أو الكسر أو بالألف الظاهرة على آخرها: محمدا، محمدٌ،  محمدو، محمذا، أحمدا ....إلخ ؛ أبوبكرٍ، بوبكرْ، أبا بكر...إلخ ؛عليٌ، علياً وعليٍ..إلخ
ومع ذلك فإن المرجعية النصية واضحة ففي صحيح مسلم أنه قال صلى الله عليه وسلم: " إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن" . وفي صحيح البخاري : تسموا باسمي ، ولا تكتنوا بكنيتي" وجاء في صحيح ابن حبان :"إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فحسنوا أسماءكم".
أما الحديث المتداول عندنا : "خير الأسماء ما حمّد وعبّد" فلا أصل له وهو حديث موضوع لا يجوز نسبته إليه صلى الله عليه وسلم وإنما صح عنه حديث مسلم الذي أشرنا إليه آنفا وقد أورده رواة الحديث بصيغ مختلفة وحتى لو كان ذلك الحديث الموضوع صحيحا فإنه لا يعقل أن يتزاحم الجميع على اشتقاق واحد من اسمه الشريف ويتركوا الاشتقاقات الأخرى الكثيرة مثل : أحمد، حامد، حمد، حميد، حماد،حمدي، محمود، حمادة،حمود، حمودة، أحمدي، محمدي، حمادي، وكل الصيغ الصرفية الممكنة والحال نفسه بالنسبة إلى عبد الله، عبد الصمد، عبد البر، عبد الحي، عبد الحق، وهلم جرا.
إن الله جميل يحب الجمال ألا ترون أصدقائي أننا نستحق أسماء جميلة تنجينا في الآجلة ونسعد بها في العاجلة ؟!

17. فبراير 2017 - 15:56

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا