إنه لمن المؤسف أن بعض مواطنينا ممن يحلو لهم أن يسموا كـُتابا، وإعلاميين، قد حولوا أنفسهم إلى "أقلام للإيجار" وباعوا وطنهم بأجندات غيرهم، فخسروا بذلك الحاضر، والمستقبل، صحيح أنه من حق أي شخص أن ينتقد نظام ولد عبد العزيز، ويعارضه، لكن هذا الحق يتحول إلى "جريمة"
عندما تكون المعارضة معارضة لمصالح وطن، وليست انتقادا لسياسة نظام.
المفارقة العجيبة أن كل هؤلاء المقيمين في الخارج كانوا على وفاق يصل حد التماهي مع ولد عبد العزيز، وبعضهم كان يجاهر بمعارضته، قبل أن يبرم صفقات مع أوساط مقربة من النظام، حصل بموجبها على سيارات فارهة، وإدارة لمؤسسات إعلامية، وإقامة في تفرغ زينه، قبل أن يرحل لمنفاه الاختياري، بعد فشله في تنفيذ أجندته الشخصية، واحتراق أوراقه المزعومة، مثل حريق السيارة.
إن أكبر كذبة يجسدها "المنفيون اختياريا" هي أن نظام ولد عبد العزيز يضيق عليهم، ويمنعهم من حقوقهم السياسية فلم يبق أمامهم سوى اللجوء للخارج، والإقامة فيه خوفا من الاعتقال في وطنهم، هي كذبة، ولعبة لن تنطلي على أحد، فمعلوم أن مبدأ الاعتقال بسبب الرأي انتهى مع وصول ولد عبد العزيز للسلطة، وهو الذي تنهش الأقلام، وتلوك الأسن أدق خصوصياته، وتصول وتجول في عرضه، قدحا، وشتما، دون أن تنطح في ذلك شاة شاة- كما يقول المثل- فلا مبرر لأحد في ظل هذا النظام أن يهجر وطنه، إلا إذا كان منبوذا من الشعب، أو يريد التنسيق مع جهات في الخارج تستخدمه كـ"مخلب قط" لتنفيذ أجندتها ضد وطنه، والمنطق، والمعطيات تقول إن خلاف هؤلاء مع النظام في موريتانيا لأسباب شخصية بحتة، والدليل أن عداءهم مستحكم ضد شخص الرئيس، وكلامهم، وكتاباتهم كلها سباب، وشتائم، وليس انتقادا لسياسات، أو اعتراضا منطقيا على قرارات.
بعض المصادر المقربة من هؤلاء تقول إنهم ممتنون لكل من الرئيس ولد عبد العزيز، والملياردير محمد ولد بوعماتو، فالأول يوفر لهم الحرية لقول، وكتابة ما يريدون دون مضايقة، والثاني يغدق عليهم من ماله الذي كدسه من ثروات هذا الشعب، على مدى سنسن من النهب المنظم، في تكريس لمقولة "عطاء من لا يملك لمن لا يستحق".
مثل هؤلاء لا ينتعشون إلا في الأجواء الملوثة، فهم لا يصطادون إلا في المياه العكرة، لذلك عندما تحسنت علاقات موريتانيا بدول الجوار، واستطاع النظام الموريتاني فرض احترام بلده، واستقلالية قراره، وجدنا هؤلاء في حيرة من أمرهم، ودخلوا في جحورهم مؤقتا، في انتظار فرصة أخرى للتأزيم.
ويتساءل المراقبون باستغراب.. أي سبب يجعل الشخص يفضل التسكع في مقاهي العواصم الخارجية، والتنقل بين فنادقها، على الإقامة في وطنه، فإذا كانت موريتانيا تحولت إلى جحيم – كما يزعمون- فإن مغادرتها تعتبر هروبا، وتولي يوم الزحف، وخذلانا للشعب، فالأولى البقاء بين ظهراني الشعب، ومقاسمته المعاناة – حسب هذا المنطق- وإذا كانت موريتانيا بلدا يعيش ظروفا طبيعية فإنه لا مبرر إذا للجوء للمنفى تحت أي ذريعة، خاصة وأن "المنفيين اختياريا" لم يتم اعتقالهم، ولم ترفع ضدهم قضايا، لذلك فإن زعيم حركة إيرا غير المرخصة بيرام ولد اعبيدي يبدو أكثر شجاعة من هؤلاء، فهو على الأقل لم يهجر وطنه، رغم تآمره عليه، لذلك فبيرام ولد اعبيدي يتفوق على هؤلاء، فكلهم مشتركون في التآمر ضد الوطن، لكن زعيم إيرا تفوق عليهم بإصراره على زيارة منزله في مقاطعة الرياض بانواكشوط، في حين استسلم غيره لهواجسه المصطنعة، واكتفى بتصدير المؤامرات لبلده، وتشويه سمعته، والإضرار بمصالحه العليا.