خطوات سياسية متسارعة تعرفها الأوضاع السياسية في موريتانيا التي تعيش أزمة شرعية حادة في نظامها السياسي، فالانقلاب العسكري يحاول اكتساب الشرعية السياسية من خلال انتخابات رئاسية ينظمها في السادس من يونيو القادم، وتقاطعها القوى السياسية الرئيسة في البلاد، في الوقت الذي تستمر
فيه مبادرات إقليمية ودولية للتوصل لحلول توافقية ترضي جميع الأطراف وتحفظ لموريتانيا بعضاً من مصداقية التحول الديمقراطي الذي أفرزته صناديق الاقتراع في انتخابات 2007. الأجندات تحفر أخاديد الصراع يصر العسكريون والقوى الداعمة لهم على إجراء الانتخابات في السادس من يونيو القادم، ويعتبرون أنهم قدموا تنازلات جوهرية من خلال استقالة الجنرال محمد ولد عبدالعزيز التي أكد أنها «إنما جاءت رغبة في احترام القانون والدستور»، وتم تسليم السلطات لرئيس مجلس الشيوخ بإشراف المجلس الدستوري الذي قدم تفسيراً متأخراً لما حدث منذ السادس من أغسطس 2008، وهي تحولات اعتبرها العديدون في الداخل من مناوئي الانقلاب وغيرهم شكليةً، وستؤسس لـ «ردة ديمقراطية» منكرة في بلد خطا إلى الأمام خطوات في سبيل ترسيخ قيم الحرية والتداول السلمي على السلطة. من جانبها تصر القوى المناهضة للانقلاب من خلال استراتيجية التوتير والتثوير التي تعتمدها آلية للنزول للشارع ولخلق حركة احتجاجية مستمرة، غير أن الشارع المثقل بتوالي الأزمات السياسية وتشتد عليه باستمرار وطأة الأزمة الاقتصادية يبدو مُعرِضاً عن التفاعل مع الأنشطة الاحتجاجية لاعتبارات من أهمها فقدان الأمل في أقاويل الساسة وهيمنة روح الارتباك على الفعل النضالي للمعارضة التي تمزقت شرّ مُمزَّق خلال حكم الرئيس المخلوع ولد الشيخ عبدالله، حيث أيده اليساريون والإسلاميون، بينما أيدت مؤسسة المعارضة الديمقراطية بأحزابها المختلفة الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب. الأجندة الدولية والحل التوافقي على الرغم من الخطوات التي قطعتها جميع الأطراف باتجاه الحل التوافقي من خلال التنازلات الشكلية، إلا أن خلفيات الصراع القبلية والإيديولوجية ومنطق المصالح والصراع الحدي كلها عوامل وقفت دون التوصل لحلول وسطى ترضي جميع الأطراف وتغلب فيها مصلحة الشعب الموريتاني على المصالح الأنانية للرئيس المخلوع والجنرال الانقلابي. ورغم الجهود الدولية المتعددة التي بذلت من طرف الاتحاد الإفريقي ومجموعة الاتصال الدولية، إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل نتيجة تصلب أطراف الأزمة السياسية من جهة أو نتيجة حصول تحولات سياسية أفرغت الجهود الدولية من محتواها ومعناها السياسي القادر على إحداث ضغط دبلوماسي على جميع الأطراف للتوصل لحلول توافقية تنهي النزاع وتفتح أفقا جديدا، غير أن الموقف الدولي برمّته فقد فاعليته الدبلوماسية من خلال وضع جميع أوراق اللعبة بين يدي الزعيم الليبي الذي تولّى كِبر قتل الأمل في إيجاد معالجة ديمقراطية وعقلانية لحل الأزمة وذلك بانحيازه السافر للعسكر واختزاله الحلول السياسية في أجندة الجنرال الأحادية وانتخابات 6/6/2009 التي يبدو من شبه المستحيل أن تكسب مصداقية سياسية تؤسس لحالة دُنيا من الشرعية السياسية في موريتانيا. ويعتبر العديد من المراقبين أن ما يجري في الخفاء حالياً وتحاول السنغال بدعم فرنسي أن تدفع إليه هو أن تؤثر على الجبهة المناوئة والرئيس المخلوع وتدفعهم للمشاركة في الانتخابات القادمة مقابل تأجيلها وتشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها المعارضة بقيادة رئيس مجلس الشيوخ، ولكن سيتم الإبقاء على ترشح العسكريين وكذا الاحتفاظ بالمجلس العسكري مع قصر اختصاصه على الشؤون الأمنية في ظل شغل رئيس مجلس الشيوخ للمنصب بصورة شكلية. وإذا ما نجحت السنغال في جر الحالة الموريتانية لحل كهذا فإن الأزمة ستتجه إلى الحل في العلن مع بقاء الصراع السياسي تحت الرماد ملتهباً وهو ما ربما يقود لتحولات جديدة لم تكن في الحسبان. مشاهد المآلات المستقبلية 1 - المشهد الأول: نفاذ الأجندة الأحادية في مشهد حريات مداس بالأحذية الخشنة تشير المعطيات الحالية لتطورات الواقع السياسي إلى أن الانقلابيين سيتمكنون من تنظيم انتخابات رئاسية يسابق فيها الجنرال ولد عبدالعزيز نفسه، مع ظهور مرشحين آخرين إلى جانبه، والراجح أن تؤسس هذه الانتخابات لاعتراف دولي يسجل تحفظات على السياق والملابسات، ولكنه سيقدم اعترافاً منقوصاً وستشتد حالة تنغيص الاعتراف إذا ما نجح مناوئو العسكر في النزول إلى الشارع بقدر يحقق لهم تعرية السلوك السياسي للعسكر الذي سيبدو وسط العرس الانتخابي ممارساً للقمع، ويدوس على الحريات الديمقراطية التي يتشدق بها، ويكيل بمكيالين حين يعطي الحرية لمناصريه ويمنعها عن معارضيه، وهو ما سيؤثر بشكل لافت محليا ودوليا على مصداقية استمرار نظام سياسي أفرزته هذه الحالة. 2 - المشهد الثاني: العصيان المدني الذي يحول دون الانتخابات ليس من المستحيل أن تنزلق سيطرة العسكر على المشهد السياسي والأمني إذا ما نجحت المعارضة في إحداث عصيان مدني يحول دون الانتخابات المقررة في السادس من يونيو القادم، مع أن فرصة احتفالات فاتح مايو العمالية تعتبر فرصة ذهبية إذا انتبهت المعارضة لتوظيفها عبر إقامة اعتصامات مفتوحة وسط العاصمة نواكشوط وتعضدها بمشاركة البرلمانيين والجماهير الحزبية، وهي فرصة إذا أحسن استغلالها فربما تسترجع للشرعية الديمقراطية ما انتزعته البنادق العسكرية، وسيكون العسكريون في هذه الحالة أمام خيارين أحلاهما مرّ، فإما أن يقمعوا الاعتصامات قمعاً عنيفاً يؤدي لهدر الدماء وهو ما سيسقط نظام العسكر قبل أن يقوم أو يتجهوا لإلغاء الانتخابات والانخراط في حوار جاد مع المعارضة. لكن العديد من الصعوبات يقف في وجه هذا الاحتمال، ومن أهم هذه الصعوبات أزمة الثقة التي تجتاح أطراف المعارضة بصورة جوهرية وقاطعة مما سيحول دون فعل نضالي نوعي قادر على التأثير الفعلي لاستمرار عمل نضالي متصاعد. وربما يقود مجمل هذه التطورات إما لحل توافقي جديد ينهي الأزمة أو يؤدي إلى انقلاب عسكري ينهي سلطة الجناح الموالي للجنرال ولد عبدالعزيز في المؤسسة العسكرية، ومن ثم يفتح أفقا جديدا لحوار وطني يؤسس لمرحلة انتقالية جديدة تؤسس لانتخاب رئيس جديد لموريتانيا خلال المرحلة المقبلة.