أحداث مبهمة تحيط بالتعديلات الدستورية القادمة / باب ولد سيد أحمد لعلي

لم يبق ما يفصلنا عن الجلسة البرلمانية الطارئة التي دعا لها الرئيس الموريتاني يوم الجمعة الماضية لمناقشة التعديلات الدستورية التي كانت نتيجة لمخرجات حوار موريتانيا السياسي الموصوف بالشمولية مع ما في ذلك الوصف من ضعف الدلالة وغموضها بالإضافة إلى ثماني مراسيم أخرى ،

 لكن الأحداث التي مضت والأحداث القليلة التي طرأت في المدة التي تفصلنا عن تلك الجلسة الاستثنائية تستوجب التمعن والتركيز على جوانب مختلفة من تداعياتها أو رمزية تلك المعطيات نفسها "ماضية وآنية" من أجل الخروج بأشياء معينة منها كنتائج أو كمعطيات يمكن أن توصلنا إلى نتائج معينة .
لقد انطلقت جلسات الحوار في أواخر سبتمبر من عام 2016 المنصرم على أن فترته لن تتعدى اسبوع وهو ما لم يحدث وقد مُدد أسابيع على ذلك الأسبوع وكان ختامه نهاية منتصف شهر أكتوبر من تلك السنة المنصرمة ،وقد كانت الهزات الإعلامية التي ترك كبيرة لعظم ما بُلور فيه من أمور كانت إلى حد قريب الحديث فيها محظور لأنها فوق الخلاف "العلم النشيد..." وما إلى ذلك ،ومع أنه حدثت مناوشات ومراوغات مصالح من نوع خاص مثل رفع السن المحدد للترشح والمأمورية الثالثة (مسعود ، وولد عبد العزيز) إلى أن نتيجة تلك المسألة الإيجابية قطفها عزيز بعد ما برأ نفسه أمام الملأ من تبعات الدعاوى التي كانت تقترح سن مأمورية ثالثة في الحوار وقال ملمحا على مسعود ولد بلخير الذي انسحب قبل ختام الحوار بأيام ظنا منه أنه صد بانسحابه طموحات الأغلبية وعزيز في المأمورية الثالثة ،"لا مجال للمصالح الشخصية"  لكن كانت الصدمة كبيرة عليه بتصريحات عزيز تلك الليلة .
لقد كان خطاب عزيز في حفل ختام الحوار 09/10/2016 صادما للمعارضة التي امتنعت عن المشاركة في الحوار وكانت تحشد لمسيرة مناوئة كان شعارها الأساسي رفض المأمورية الثالثة ، وهو منفذ حرج وحساس إذا ما حدث ، لكن الأمور اتخذت منحى آخر بحكم الضرورة التي فرضتها طبيعة التعاطي مع ذلك الحوار فقال عزيز في خطابه  "لا مجال للمصالح الشخصية ولو كنت أحب تغيير الدستور لمأمورية ثالثة لغيرته في الانقلابات السابقة" ولم يكن أمام المعارضة الممانعة إلى اتخاذ شعار رفض العلم والنشيد من أجل الحشد .
وفعلا حشدت المعارضة لأكبر مسيرة في تاريخها مع ما تضمنه ذلك الحشد من نواقص ، لكن ثمة أمور يجدر بنا التساؤل عنها ، هل كان خطاب الرئيس في تلك الليلة خدعة سياسية ؟ وهل يسعى فعلا لمأمورية ثالثة ؟
أسئلة ربما تكتسب شرعيتها من مطالب أهل تكانت وأهل أطار وبتصريحات ولد الطيب الذي قال في دار الشباب أنه يطالب من المنبر الذي تم فيه تأبين صدام حسين بترشيح ولد عبد العزيز لمأمورية ثالثة لأنه الوحيد الذي بقي يجسد العروبة ويحمل صفات القادة الذين رحلوا بتضحياتهم من أجل الوحدة العربية ، أو أشياء من هذا القبيل ، ضف إلى ذلك نوايا وأفعال لا زالت تظهر من حين لآخر لأشخاص يتقوقعون في خندق النظام سياسيا الآن .
لقد قال الرئيس أن الاستفتاء الذي سيقدم للشعب سينظم في نهاية سنة 2016 وهو شي لم يم بعد فلماذا تأخر إلى هذه الفترة ؟ ولما طُرح خيار تمرير التعديلات الدستورية من خلال جلسة برلمانية ؟.
نحن هنا نتحدث عن معطيات سياسية وأحداث ليس معقولا أن يكون المحرك الأساسي لها المصلحة الوطن لاعتبارات نذكر منها :
- أن الرئيس في حواره هذا لم يراعي المصلحة الوطنية وسعى بكل ما أوتي من شائعات وخدع ومن إكراهات خفية وغير خفية إلى تغيب طيف سياسي مهم هو الآن يعرف باسم المعارضة الممانعة ، وهو أمر جلي تحدثنا عن في مقالات سابقة
- أن الحوار الذي تحدث عنه عزيز وأعطى مهلة أربع أسابع له كحد أعلى  في خطاب النعمة وتمددت تلك الأسابيع حتى شملت أشهر كان سيقدم إلى الشعب وليس إلى البرلمان مما يفيد بشيء مبهم وغامض في الأمر لم نكتشفه حتى الآن أو لم يكشف بعد حتّم على القائمين على الأمر الرجوع إلى البرلمان بوصفه عتبة أدنى يسهل تجاوزها .
ما الذي دفع إلى ذلك ؟ الله أعلم لكن كل الفرضيات مطروحة والتوقعات كذلك ، ربما تيقن الرئيس الموريتاني أن الاستفتاء إذا قُدم للشعب فإن نتائجه لن تؤتي أكلها وبالتالي أصبح يفكر في شرعية غير الشعب لكي يتجاوز العتبة ، وبالأخص عندما تذكر حجم المشاركة الشعبية في الانتخابات الرئاسية 2014 التي قاطعتها المعارضة الممانعة .
وربما أيضا نكتشف من هذه العملية الدوافع التي جعلت النظام يجري انتخابات 2013 البرلمانية التي قاطعتها المعارة كذلك ، فالمقاطعة المعارضة لتلك الانتخابات كانت بفعل فاعل من أجل أن تحصد الحكومة والنظام هذه النتيجة ، لأن الأغلبية الساحقة في البرلمان موالية للنظام والمعارضة يستحيل أن تؤثر معهم في شيء .
أعرف أن الفرضين متناقضين وأن تواجد أي منهما ينفي تواجد الآخر لكنها السياسية التي تتطلب فينا اللعب على أشد الحبال وأقصاهم من أن تحصد النتائج المرجوة في الأخير ومن أجل تثيب أركان القائم وبناء ساسه على الصخر حتى لا يتزحزح .
يضاف إلى ذلك التأخر التدخل الأوروبي وموقفه غير المعلن في مسألة التعديلات الدستورية هل هو راض عنها ؟
الله أعلم ، لكن من رأى البيانات الفرنسية الأمريكية حتى التي عقبت الحوار ونتائجه التي تحذر الرعايا الغربيين من انفلات الأمن في موريتانيا لا بد ان يعرف أن في الأمر شيء ما وذلك الشيء هو أن فرنسيا السيدة  الأولى لجمهوريتنا الإسلامية لا ترضى عن الحوار ولن تدعه يخرج إلى الواقع إلى بضمانات أو تغيرات ما ...
يضاف إلى ذلك المحادثات التي عقدها برلمانيون أوربيون اليوم 20/02/2017 مع الرئيس الموريتاني فحسب المتحدثة باسم النواب فإن المحادثات شملت التعديلات الدستورية دون أن تحدد موقفهم من ذلك ودون أن تبين كذلك مطالبهم واقتراحاتهم حيال ذلك....
ومن خلال كل ذلك علينا أن نتوقع ما إذا كان التعديلات ستمرر فعلا من خلال البرلمان أم أن الأيام عقبت إعلان المرسوم الرئاسي الداعي لجلسة طارئة حتم تبدل المواقف وإجراء تكتيكات من نوع ما من أجل استدراك الماضي.

23. فبراير 2017 - 0:06

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا